|
متسول وشارة ضوئية مطفأة
نشر بتاريخ: 26/10/2016 ( آخر تحديث: 26/10/2016 الساعة: 10:08 )
الكاتب: بهاء رحال
ليس السائق وحدة من يمتعظ حين تنطفئ الاشارة الضوئية لخلل ما اصابها فاندفعت المركبات محدثة فوضى في كل اتجاه، وليس المارة الذين ينتظرونها لقطع الشارع وحدهم من ينزعجون لفقدانهم الحق في فرصة قطع الشارع بهدوء وسط ازدحام المركبات وتدافعها، بل هناك من يشيط غضبهم اذا فقدت اشارة المرورة ضوءها، وهذا ما جعلني اكتب حين وجدتني اقف على مفترق باب الزقاق في بيت لحم لاجد نفسي عاجزاً عن قطع الشارع الذي اصابه الدوار فجأة، واصيب بفوضى تكاد تخترق كل الجهات والمسالك، فانتبهت لمشهد متسول يقف في المكان بدأ يتأفف، بلغة أخرى بدأ يشكو هذه الحالة التي لا تمكنه من الوقوف قرب السيارات المتوقفة لحظة الاشارة وهي حمراء،ـ ليجني رزقة من السائقين الذين بالعادة يمنحوه شيقلات قليلة ولكنها تعتبر له مصدر رزق هام، وفي نهاية اليوم يجد انه جمع العديد من هذه الشيقلات التي يعود بها الى بيته وتسد حاجته اذا كان محتاجاً اما اولئك الذين يمتهنون التسول فلا اعرف كغيري ولا استطيع ان اتنبأ بهم من خلال ملاحظاتي السريعة في الشارع، لكن المتسول الذي اصبح يقف بجانبي على الرصيف في منتصف الطريق لحظة انطفاء الاشارة الضوئية يظهر وانه بحاجة كونه في الاربعين من عمره وقد فقد قدمه اليسرى ولا اعرف السبب الذي فقدها فيه، ولكن ما اعرفه الان هو شكواه من حالة الفوضى التي تحدثها توقف الاشارة الضوئية عن العمل، فاتفقت انا واياه في الشكوى.
هو لا يعنيه انتظام الشارع بقدر ما يعنيه توقف المركبات للحظات تكون كافية لجني بعض الشيقلات ممن يستقلون هذه المركبات، في ذات الشكوى التي كان يقولها وانا اهم لقطع الطريق الى الجهة المقابلة، شاهد طفلا آخر يتسول ولكن لعمره الصغير كان يستطيع ان يتنقل بين المركبات بطريقة سريعة دون او يوقفه هذا الاشتباك والتدافع الحاصل على المفترق بين المركبات، فازداد هم المتسول العاجز الذي شكى ظرفه الصحي وربما شكى عمره الذي لا يمكنه من اتباع ذات الطريقة التي يسلكها الطفل الذي ظهر فجأة، ولا تدري من أين ظهر ولا كيف آتي، تماما كما انك لا تعرف الى أين يعود ومتى يغيب عن الانظار. لم اكترث وقتها كثيراً، وانتهزت لحظة فراغ المفترق مؤقتاً وباشرت بقطع الطريق الى جهته المقابلة، ونظرت خلفي فوجدت المتسول العجوز يقف مكتوف الايدي والبؤس على وجهه وكأنه يقول، هذه الاشارة الضوئية لا تشكل مصدر ازعاج للسائقين ولا للمشاة العابرين والمارة فقط، ولكنها اذا انطفأت تشكل قلق لكل المتسولين الواقفين على المفترقات، فهل يا ترى، هذا نذير بؤس ام انه طوق نجاة للسائقين الذين يشكون من كثرة هذه الظاهرة في الشوارع العامة وفي مراكز المدن، وكيف يمكن ان تصطف الجهات المسؤولية لوضع اليات معينة توقف تدفق ظاهرة التسول والتي تشكل مظهر غير لائق وغير حضاري خاصة واننا نرى اطفالاً بعمر الطفولة يقفون منذ ساعات الصباح الباكرة وحتى ساعات متأخرة من الليل، يطاردون المركبات والسافرين. عودة الى الاشارات الضوئية، فقد كان العطل الذي اصيبت به الاشارة الضوئية عند مفترق باب الزقاق مؤقتاً وقد عادت للعمل بعد فترة وجيزة، وقد عاد المتسول الى ممارسه مهنته كالعادة دون ان تأخذ الفوضى من رزق يومه، لكن في الطريق الى رام الله تجد العديد من الاشارات الضوئية المتوقفة منذ سنوات، مثلاً تلك التي على مفترق كفر عقب حيث تشهد اختناقات مرورية مذهلة، وغيرها من الاشارات الضوئية الأخرى التي تقتص من المواطنين المسافرين، ولا تجد من يعيد لهم اوقاتهم التي تذهب في الانتظار. |