|
أعرف رؤساء بلدية يصلحون وزراء وأعرف وزراء لا يصلحون اعضاء بلدية
نشر بتاريخ: 01/11/2016 ( آخر تحديث: 01/11/2016 الساعة: 10:45 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
كتبنا أكثر من مرة عن البلديات، وأنها أهم من الوزارات مقاماً وعلوماً وحضوراً، وأن رؤساء البلديات في باريس وطهران والقدس وغيرها أصبحوا رؤساء لدولهم، وكانوا من أشهر القادة.
في بلدية نيويورك التي يسكنها نحو 9 مليون نسمة لا يوجد حالياً حاويات للنفايات؛ لأن البلدية قررت ازالة النفايات أولا بأول على مدار الساعة، وفي العديد من البلديات في مدن ايطاليا واوروبا والصين واسيا وامريكا؛ سترى أشكالا للابداع والقوة والنظام وعلم الجمال والهندسة التي تتوفر فيها، فترى نفسك تقتنع تماماً أن رئيس بلدية جنيف أو شنغهاي أو فينسيا أهم من رؤساء دول عندنا، بل أكثر شأنا ومنفعة ومسؤولية. إن ثقافة البلدية هي تطور رفيع لعلاقة البشر وبناء نظم المجتمعات، وهي شكل أرقى واكثر مرونة وفائدة من شكل القبيلة، لأنها ثقافة التزام وعطاء وضبط وحماية ورؤية عمل جماعي، بحيث تستطيع أن تتمتع بحرية كاملة وخصوصية لدرجة الانعزال وأرصفة وحدائق وخدمات بشرط أن تنضبط للمصلحة العامة والا فإنك تعرض نفسك للمخالفة وما يترتب عليها. بعض بلدياتنا اخذت الشق الثاني فقط؛ وتتمتع بحق المخالفة لكنها فاقدة للخيال وللاحلام وللرؤية، وتقود البلديات وكأنها تقود سفينة تغرق، فلا تبالي الا بانقاذ ما خف وزنه وغلا ثمنه. والغربب أن النقاد يهتمون بالمناصب المفخمة والمعالي أكثر من اهتمامهم بالبلدية؛ مع أنها هي المشرف والمسؤول الاول عن مداس اولادهم وساعات يومهم وجمال حياتهم، ما يترك الحبل على الغارب حتى صار الحد الادنى هو المطلب الاساسي. ولا احد يجرؤ على رفع السقف. ولقد زرت قرى فلسطينية نائية وبلديات لا يظهر اسمها على شاشات التلفزيون، ولكنني وجدتها نموذجاً للنجاح والبناء والابتكار والديمومة والنشاط المجتمعي. كما زرت بلديات مدن شهيرة يظهر اسمها كل يوم على شاشات التلفزيون، ولم أجد فيها سوى اثاث مكاتبها أكثر فخامة من مكتب الرئيس. لكنها بلديات فقيرة ثقافياً واخلاقياً وعلمياً، وتعيش على التصيد والمكر ومباغتة المواطنين والتذلل لمسؤولين. إن اعضاء البلديات هم الخزان البشري للقيادة في أي مجتمع، وكل عاقل يولي كل الاهمية والحماية والحرص على خزان بيته. إن تركيز الاعلام الفلسطيني على اظهار نماذج النجاح ومعالجة نماذج الفشل والترهل في البلديات شرط هام من شروط الحكم الرشيد. وليس المهم من يفوز برئاسة البلديات بقدر ما يهمنا ماذا يمكن أن يقدم لمواطنيه ولمدينته. |