|
جدّتي
نشر بتاريخ: 01/11/2016 ( آخر تحديث: 01/11/2016 الساعة: 21:02 )
الكاتب: صادق الخضور
جدّتي باتت مكونّا رئيسا من تكويننا، فهي الحنان الذي لا ينقطع، وهي التي تحيلنا دوما إلى طفولتنا، وحين ترتعش يداها تخفق قلوبنا، وكأن ارتعاشة يديها معادل موضوعيٌ لنبض قلبها. تجاعيد وجهها ألقى الزمن عليها بعض أسراره، وحديثها عن مواسم الحصاد قبل عقود خلت، وعن كثير من المظاهر التي غابت، وعن منظومة قيم توارت، يؤكد أنه لا زال بإمكانها تعليمنا المزيد. تارّة تتحدّث عن العونة وقد غابت وغاب معها العمل التطوعي كظاهرة سائدة، فقد صرنا ننظم له حملات ونقننّه بأسابيع، مع أنه كان جزءا من حياة، ونمطا شائعا على العموم، هكذا على الأقل أخبرتني جدّتي. هي لم تعايش في زمنها البيتزا، وكل أنماط الحداثة الغذائية التي غيبّ معها الششبرك والرقاقة، وغيرها من المأكولات الشعبية، فقط بات إحياء التراث لدينا مقتصرا على أغنية ولباس، مع أن للتراث عديد الجوانب التي تستحقّ الإحياء، سواء أتعلق الأمر بالمأكولات أو الحكايات. جدّتي تواصل حضورها الأنيق، وهي حريصة على أن تشارك الجميع أفراحهم وأتراحهم، وهي مبدعة في صناعة الدبس والملبن والعنطبيخ، ومتخصصة في إعداد الشدّة من العنب، فقد كان الإلمام بالصناعات البيتية الغذائية كالشدّة جزءا من التعامل مع أوقات الشِّدّة. جدّتي تاريخ يكتنز معه كثير الحكايات، شاهد على التحولات، ثابت من ثوابت الإبقاء على كثير من مظاهر الأصالة. في الحديث عن الريادة، حريٌ بنا التواصل مع الأصول، فالحداثة قد تليق في كثير من المجالات لكنها في بعض الحالات لا تساوي شيئا مقابل الأصالة. جدّتي " نفيسة" لا زالت بالمناسبة حريصة على مشاركة الآخرين مواسمهم في كل مناسبة؛ في الحصاد وقطف الزيتون، وكأنها تقدّم رسالة. جدّتيي جديرة بالتقدير، والله أسأل لها العمر الوفير، فهي لا زالت تغمرنا بالدعاء وطيب الأمنيات، فهي للتفاؤل عنوان أبعد ما يكون عن العبوس؛ ما يضفي بشائر التفاؤل في النفوس. |