وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

لو فتحوا باب الهجرة إلى أوروبا

نشر بتاريخ: 04/11/2016 ( آخر تحديث: 04/11/2016 الساعة: 23:37 )
لو فتحوا باب الهجرة إلى أوروبا
الكاتب: د. بسام عويضة
على الرغم من انني لم اعمل بحثا أكاديميا حول نسبة الذين يرغبون بالهجرة من الوطن العربي إلى الغرب ولكنني متأكد من مسألة واحدة:
لو فتحوا باب الهجرة على مصراعيه لكل من يعيش في الدول العربية لن يظل في بلادنا غير الرؤوساء.

انا غير متأكد من مسألة واحدة:
هل ستبقى زوجات الرؤوساء معهم أو سيطلبن حق اللجوء السياسي باعتبارهن مضطهدات وملاحقات سياسيا؟

يظن المسؤول أو الوزير عندنا انه يكفيه شرفا أن يتكرم علينا ويبقى على كرسيه دون عمل أو إنتاج ولهذا لا تجد أي تطور أو تغيير على مؤسساتنا سوى تغيير الوزراء، هذا أصلا اذا كان لدينا مؤسسات.

في اوطاننا التي مزقتها الحروب الاهلية والعنصرية والكراهية يوجد دوائر "حكي".

الفشل يعم كل مكان في كل بقعة عربية وإسلامية حتى في تركيا التي انكشفت بين عشية وضحاها كدولة مزيفة تدعي الديمقراطية والتقدم الحضاري. كيف لها ان تتقدم و تاريخها يخلو من فيلسوف واحد؟

كيف تدعي التطور وهي التي حكمتنا 400 عام دون أن يكون في كل فلسطين التاريخية حتى عام 1918 سوى مدرستين ثانويتين وقد سلمتنا بعد ذلك على طبق من فضة للاحتلال البريطاني البغيض.

الكل استبشر خيرا ب"الربيع العربي"، على أمل ان يحدث التغيير المنشود وأن تتحول دولنا إلى مؤسسات حقيقية ولكن اكتشفنا ان عملية التغيير لن تتم بسهولة ولن تحدث معجزة بتنظيم مظاهرة في احد الميادين.

التغيير يحتاج أولا إلى ثورة فكرية يقودها مجموعة من المفكرين والفلاسفة والعظماء الذين يملكون رؤية إستراتيجية واهدافا نبيلة وطموحات بتأسيس بنية مؤسسية وليس إلى مجموعة من الجهلة الذين لا يملكون سوى الشعارات الفارغة وشراء الذمم وتأسيس بطانة فساد حولهم.

أول شرط للتحول التاريخي عند الأمم يكمن في اعطاء أولوية قصوى لحقيبة التربية والتعليم. هذه الوزارة التي ينبغي أن تأخذ نصيب حصة الاسد من الميزانية العامة للدولة.

نعود إلى موضوعنا، تغرق يوميا عشرات المراكب في البحر الأبيض المتوسط ويموت اﻵﻵف وكأنهم ارقام بينما يقوم اﻹعلام الغربي ولا يقعد اذا قتل غربي نتيجة انفجار أو حادث عرضي ويبقى هذا الحدث الشغل الشاغل لعدة أسابيع.

ملايين السوريون هجروا سوريا. وضعهم بائس في بلاد الغربة. المئات منهم يعيش كل 10 أفراد في غرفة واحدة بدون نوافذ أو ابواب أو سقوف في صالات رياضية أو مطارات قديمة وتطفأ الاضواء عليهم عند الساعة العاشرة مساء.

قالت لي امرأة سورية عندما احتاج الحمام في الليل انزل 14 طابقا عدا عن وجود الحشرات والبعوض مبينة أن الموت أفضل من هكذا حال.

الوطن العربي يتمزق والحرب الاهلية تحرق الاخضر واليابس فيه حتى بات الفرد لا يتمنى قدوم فصل الربيع حتى لا يتذكر ما أطلق عليه " الربيع العربي".

طبعا هناك دول اقليمية وغربية تتدخل بكل ما اوتيت من قوة ليزداد هذا التفتت أكثر ولكي لا تقوم للأمة العربية قائمة.

أوروبا امتلئت عن بكرة أبيها بالمهاجرين وخاصة القادمين من سوريا . فهناك شوارع لا تجد فيها الا عربا ولا تسمع فيه غير اللغة العربية ولا تجد فيه مقاهي سوى المقاهي العربية مثل شارع "زونن اليه" وسط العاصمة اﻷلمانية.

لكن السؤال، لماذا نهاجر من اوطاننا؟
لماذا لا نبني هنا؟؟ ما هو المانع من اقامة دولة ذات بنية مؤسساتية؟
ما هو المانع من اقامة دولة القانون والحرية والديمقراطية في اوطاننا؟
وهل كتب على اﻹنسان العربي أن يبقى مشردا يعيش في خيم اللجوء أو ينتظر سقوط صاروخ على بيته؟

انا اعرف ان هناك خطط مبرمجة تحاك ضد الوطن العربي واعرف أيضا أن الغرب يسعى لكي تبقى الدولة العبرية في أوج قوتها ولكن هل هذا يعفينا من تحمل المسؤولية ومن بناء وطنا يسودة القانون والحرية والتسامح؟

لا اعرف ما هو السبب الحقيقي وراء رغبة الغرب في تدمير الوطن العربي ؟ هل هو بسبب انهاء أي قوة عربية محتملة قد تشكل خطرا على وجود الدولة العبرية أو ان الغرب يعتقد بانه اذا قويت شوكة العرب والمسلمين فانهم سيقومون باحتلال الاندلس واحرقوا فينا مرة أخرى.

لكن ما لا يعرفه الغرب أيضا ان استمرار الحروب الاهلية والمعارك الطاحنة في بلادنا سوف يسبب في نزوح ملايين المهاجرين من الجنوب إلى الشمال أو من الشرق إلى الغرب.

من الحكمة أن يعرف الغرب أن مفتاح الحرب والسلام في الشرق هو حل القضية الفلسطينية.
ومن الحكمة أيضا أن يعرف الغرب ان تطور الوطن العربي من صالحه فهو يدعم انظمة سياسية تتفق ومصالحه وبعدها يتساءل لماذا يهاجر الملايين إلى بلادنا أو لماذا يكرهوننا ؟

لا يعقل لغاية هذا التاريخ ونحن في القرن الحادي والعشرين أن يمتد سفر الفلسطيني أكثر من 20 ساعة ، علما أن رحلة الطيران من قلب أوروبا وحتى مطار اللد 4 ساعات.

لا يعقل ان يبقى الشعب الفلسطيني بدون مطار أو ميناء أو بحر أو سيادة أو جواز سفر مكتوب عليه " فلسطين ".

ما دامت القضية الفلسطينية بدون حل ستبقى الحروب مشتعلة في الشرق الأوسط وسيبقى الغرب الذي اوجد هذا الاحتلال واوقع هذا الظلم التاريخي على الشعب الفلسطيني غربا بلا أخلاق.

فكيف يمكن ان نقتنع باخلاقيه الغرب ومدنيته وتطوره وهو الذي يمد الظالم بالسلاح ويقف إلى جانبه ويضطهد شعبا كان مسالما اقتلع وهجر من ارضه، فهل يقبل بذلك إيمانويل كانط أبو الفلسفة اﻷلمانية الذي نادي بالسلام العالمي وبتأسيس أخلاق عالمية وإنسانية ؟

القضية الفلسطينية هي أم القضايا وما تزال تشكل هذه القضية العادلة اساسا لحل كل القضايا.

الهجرة من أجل الهجرة إلى أوروبا ليست حلا . السفر من أجل اكمال التحصيل اﻷكاديمي أو العلاج أو السياحة امرا آخر لا خلاف عليه.

في بلادنا لا احد يلتزم بالقانون . لا احد يحب الحرية . كل واحد فينا متعصب لرأيه وفكرته ومذهبه ودينه وافكاره وعاداته يعادي من يعادها . لا يحترم نتائج الانتخابات الا اذا فاز حزبه . ولكن عندما يهاجر إلى الغرب يتغنى بديمقراطيته وحريته وقوانينه بل يلتزم اشد الالتزام بهذه القوانيين .

يقع على الإعلام العربي مسؤولية كبيرة في ترسيخ قيم الحرية والعدالة والديمقراطية والتسامح والقانون بين جميع المواطنيين، في ترسيخ دولة القانون والمواطنة.

اﻹعلام العربي حاليا منشغل في امور أخرى .منشغل في الحرب الدموية على أو في سوريا.

فبعض القنوات العربية تصف ما يحدث في سوريا بانه ثورة شعب ومعارضة ترغب في ترسيخ نظام ديمقراطي وقنوات عربية أخرى تصف ما يحدث في سوريا بانه" مؤامرة دولية على سوريا الصامدة امام المؤامرات اﻷمريكية".

اﻹعلام العربي يستضيف خبراء و"أساتذة" ساعات طويلة في بث حي ومباشر ويدفع لهم الاموال الطارئة من أجل صناعة الرأي العام الذي يتوافق مع سياسة الذي يدفع له . مع العلم ان درجة الحرية في ذلك البلد 178 على سلم مقياس منظمة صحافيون بلا حدود .

ولكن هذا اﻹعلام غير مستعد لاستضافة مفكر حقيقي يسلط الضوء على مشاكلنا الحقيقية وعلى اﻷصوليات المتطرفة التي تنخر في المجتمعات العربية. هذا اﻹعلام لا يستضيف متنور واحد يسعى إلى تنوير المجتمعات العربية.

ربما من الغباء أن اطلب من هذا اﻹعلام ما طلبت ،لأسباب كثيرة:
أهمها ،

أولا : أن هذه الانظمة هي التي اوجدت هذا الإعلام وهذا اﻹعلام هو الذي خلق هذه الأصوليات ويشجعها ويدعمها ويقف إلى جانبها وينقل اخبارها ،فكيف يمكن ﻹعلام ان يقاوم أصوليات سعى مموله إلى خلقها بل وتعتبر ذراع ضارب للسياسة الخارجية لهذا النظام.

ثانيا : كيف يمكن أن نطلق على هذا اﻹعلام إعلاما وهو الذي يمنع من عمل تحقيق استقصائي حقيقي في هذا البلد، بل كل همه قال وذكر وبين واستقبل وودع.

ثالثا : كيف يمكن لهذا "اﻹعلام المعلب" أن يخلق تنويرا وهو يعرف تمام المعرفة ان بزوغ التنوير يعني بداية النهاية للنظام السياسي الذي يموله.

رابعا : حالة التخلف المنتشرة على كافة الصعد الاقتصادية والتننوية والتعليمية والسياسية واﻹعلامية والهوان والذل وعدم النظام أو الاكتفاء الذاتي في ارجاء وطننا العربي هي حالة مخطط لها وباستراتيجية ذكية لكي يبقى المواطن العربي ذليلا راكعا فقيرا جاهلا يكد ليل نهار دون ان يجد في جيبه آخر النهار دولارا واحدا.

ولهذا ، ما دامت القضية الفلسطينية بدون حل سياسي عادل ومشرف وما دام الغرب الذي سعى إلى خلق آخر احتلال في هذا العالم لا يحاول رفع هذا الظلم التاريخي عن الشعب الفلسطيني غربا بلا أخلاق وما دام بعض اﻹعلام العربي يسعى إلى دعم اﻷصوليات المتطرفة ويقف إلى جانبها وينقل اخبارها ويجري مقابلات مع مسؤوليها بصفتهم ابطال ومقاومين فسوف تستمر الهجرة إلى أوروبا.

ستستمر الهجرة إلى أن يعرف الغرب أن من يخلق الحروب الطاحنة والفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط ويمدها بالسلاح والعتاد العسكري لن يسلم من نتائجها.