وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

خارج التغطية...

نشر بتاريخ: 06/11/2016 ( آخر تحديث: 06/11/2016 الساعة: 15:58 )
خارج التغطية...
الكاتب: عيسى قراقع
ما يجري في هذا الهدوء المقنع، في العتمة وفي جهات القاع في دولة الاحتلال، حيث الصدى المرتد واختطاف المشهد، لازال خارج التغطية الاخلاقية والقانونية والانسانية والاعلامية ، انها دولة الاحتلال الاسرائيل التي تسعى الى تحويل معاناة الشعب الفلسطيني الى قيمة فاقدة للمعنى، والتضحيات الى عبث لا تؤدي الى نتائج قريبة او بعيدة.

اقرأ شهادات الاطفال الاسرى الذين اصبحوا عنوانا لقصف ارواحهم واحلامهم وتدميرهم ذاتيا ونفسيا، تمارس على اجسادهم كل اساليب القمع والتعذيب على يد جنود ومحققي الاحتلال ومستوطنيه، اشعر بالخوف على البيت والمجتمع والاغنيات القادمة، وأشعر ان ملاحقة الاطفال قتلا واعتقالا هي ملاحقة للحرية المتنامية المتفتحة في قلوب وعقول اطفالنا الصاعدين الى حياتهم باشتياق .

هناك، حيث التسلط على الطفولة والوعي، وهناك حيث تجري هندسة الاحلام الصغيرة في السجون او في مراكز الايواء، يقبع الطفل شادي فراح (12) سنة، اصغر اسير فلسطيني، والمئات من زملائه الذين قصّوا اجنحتهم على ذلك السياج ، المدرسة بعيدة، والايام القادمة خالية من الجري في البراري ومن ثبات الخطوات.

وهناك في غرفة(4) في المسكوبية، تنتزع الاعترافات من الصغار، بالدبسات والشتائم البذيئة والضرب والترهيب والتهديد بالتحرش الجنسي، هناك دولة ومحققين فقدوا حسهم البشري، يصهرون الاطفال في جحيم التعذيب، لا أخلاق ولا قانون، ساحات مستباحة لعصابات تلبس القبعات وتحمل المسدسات وتصطاد الاطفال.

خارج التغطية صراخ ذلك الطفل، صوت الفزع في العتمة، جروحه النازفات نتيجة الدعس والتنكيل والجرّ والاهانات، وخارج التغطية ندائه الطفولي المرتد على اربع جدران والف باب وباب.

خارج التغطية هذا الاستهداف السياسي الوحشي للاطفال الفلسطينيين، لم تصل لجان تحقيق اممية، لم ينعقد اي مؤتمر دولي لمناقشة مذبحة انسانية يتعرض لها القاصرون، لا كاميرا في ذلك المعسكر او المستوطنة لتوثق ما يحدث للذين اختطفوا من نومهم في ساعات الفجر الاولى.

خارج التغطية ما يحدث من مجازر في ساحات المحاكم العسكرية الاسرائيلية، احكام مرتفعة وغير مسبوقة، قضاة متبلدون آليون يصدرون احكاما رادعة على طفل لا زال يسأل عن امه وعن قلم الرصاص في صف المدرسة ، وعلى الجميع ان ينزل الى هناك ليشاهد الدهشة والصدمة والاسئلة الكبرى ، ما اوسع هذا القيد وما اكبر جوف المقبرة.

خارج التغطية هذا التنكيل الانتقامي لكل طفل منذ لحظة اعتقاله، الحفلة تبدأ داخل السيارة العسكرية، طفل مقيد ومعصوب العينين يلقى تحت بساطير الجنود على ارضية مدببة، يتفننون في توجيه الضربات، يخبطون على رأسه وجسده، يضحكون ويتناوبون التقاط الصور، انها بطولة دولة فاسدة وفاشية تبحث عن صور نصر امام طفل بائس يتعرض للاهانات والمعاملة السيئة.

خارج التغطية رحلة الاطفال من السجن الى المحكمة العسكرية الاسرائيلية، رحلة تستغرق 3 ايام قاسيات في سيارة بوسطة مغلقة مقيدين جالسين على كراسي حديدية داخل اقفاص، رائحة قذرة ، اختناق، برد شديد، لاماء ولا طعام، وقوات النحشون القمعية تتلذذ بضربهم وبسبهم وحرمانهم من الحاجات الاساسية.

خارج التغطية، رائحة الايادي البضة، رائحة الغبار والحجارة والخروج عن حدود المعازل الكثيرة، جيل مختلف مستيقظ، يفتش عن حياته ابعد وابعد من دائرة لا تتسع لاغنياته، ويفتش عن سماء ابعد وابعد من سياج يتدلى الى غرف نومه، يفتش عن ذاكرة الماضي والحاضر، يرفض التدجين والتطويع وجنون الامر الواقع.

خارج التغطية هذه الاعدامات الميدانية التعسفية لمجرد الاشتباه، هوس القتل بحق الاطفال على هذا الحاجز او ذاك، هم لا يقتربون من طفل يمشي في الشارع كغزال، هم خائفون مشبعون بالقلق والتوتر، زخات من الرصاص وضحايا على الرصيف افضل من الاقتراب من الصغار او اعتقالهم او تحييدهم.

خارج التغطية هذا الارهاب الرسمي وتحت غطاء فاضح من العنصرية والقوانين التعسفية، الى درجة ان حياة الفلسطينيين تحولت الى منظومة متواصلة من التفتيش والملاحقة واختبارات الموت، يقود ذلك خطاب ديني يميني اسرائيلي يخرج من معهد ديني وينفجر في اعتداءات مستمرة على الفلسطينيين بشرا وشجرا وهوية.

خارج التغطية كل هذا الذي يجري، لأن اسرائيل دولة فوق القانون، منفلتة من المحاسبة والعقاب الدولي، طوعت قوانينها لتبرير كل الجرائم، ماكنة احتلال تعمل على كل المستويات وتزور الحقائق وتدعي انها دولة ديمقراطية، وان سلاحها طاهر، وان جيشها الاكثر اخلاقا في العالم، ولا زال ينقص هذه الادعاءات اقدام مبتورة للطفلين جلال شراونة وعيسى المعطي، وصراخ الطفل احمد مناصرة تحت التعذيب .

يكتب الاطفال:
القيود تجر العصافير
مخنوقة
حول اعشاشها
هربا من سماء
هربا من كتاب