وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الولاية القانونية بين الاختصاص والتفسير والمُطْلَق

نشر بتاريخ: 07/11/2016 ( آخر تحديث: 07/11/2016 الساعة: 15:04 )
الولاية القانونية بين الاختصاص والتفسير والمُطْلَق
الكاتب: فراس ياغي
المطلق تعبير يراد منه تأكيد الحقيقه التي يعتقد البعض أنها ثابته ولا جدال فيها وهي قد تكون إستبداديه الفهم أو ديكتاتورية الحكم، أو حكم قانوني لا إستثناء فيه، والمطلق الإلهي شيء غير قابل للنقاش، مثل يوم الحساب والجنة والنار وحقيقة الوجود ونفخة الروح والبَعَث بعد الموت، لكن المُطْلَق لدى الحركات الإسلاميه أصبح في التشريع وفي الحاكميه وفي جعل الناس جميعا على دين الملة المحمدية، دين المؤمنين، في حين أن الله تعالى نفى على رسوله صلوات الله عليه وسلم مفهوم إكراه الناس على الإيمان، وأكد له في كتابه العظيم أن الناس سيبقون مختلفين حتى في الدين والرسالة الواحده، وهذا فهم الصانع للمصنوع، وفهم الخالق لطبيعة من خلقه ونفخ فيه من روحه، فالإنسان وفق كتاب الله "أكثر شيء جدلاً"، والمرجع في الخلاف والحكم حول الفهم الإيماني الإنساني لكل الديانات هو للواحد الأحد "ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ" (55 آل عمران) "ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (الأنعام108).

تعَمَدّتُ الحديث أعلاه لأشير أن إعطاء الفرد صلاحيه مُطلَقه لا يمكن أن تكون في الفهم السياسي للنظام المدني الذي يعتمد على مفهوم الإنتخابات، خاصة حين تكون مرجعية الحاكم كسلطه تنفيذيه أو تشريعيه للشعب صاحب الإرادة الحُرّه في الإختيار...في الواقع الفلسطيني وحيث هذا الواقع لا يُشبه غيره كونه كسلطه أقل من حكم ذاتي ولا يصل لمرتبة من أي مراتب تَكَوّن الدول بشكل جوهري بقدر ما هو في الشكل يَظهر وكأنه مُقَدِمَه لبناء دوله، فإن طبيعة النقاش حول الفهم الدستوري وتفسيرات الدستور عبر محكمة دستوريه يأخذ طابع بعيد كل البُعد عن فهم الدولة كمؤسسه يحكمها عِقد إجتماعي نابع من إستفتاء جماهيري يشمل غالبية مكونات الشعب ويؤدي لفصل حقيقي بين السلطات الثلاث وما يستدعيه ذلك من وجود مهم وضروري لمحكمة دستوريه تُفسر العِقد الإجتماعي المُستَفتى عليه حين الخلاف بين السلطه التنفيذيه والقضائيه والتشريعيه، وتُوقِف القوانين التي تتعارض مع هذا العِقد.

السلطه الوطنية الفلسطينيه وعبر المجلس التشريعي الذي تجاوز مدته منذ العام 1999، حيث إنتهت المرحلة الإنتقاليه وتم تمديدها بمفهوم الأمر الواقع وليس بإتفاق جديد، قامت بإحداث "قانون أساس" بإعتباره شكل من أشكال العَقد إلإجتماعي المرحلي "وهو أقل من دستور"، وهذا القانون جاء لينظم فقط منطقة الولاية الجغرافيه للسلطه الوطنية الفلسطينيه وفق الفهم الفلسطيني وليس وفق الإتفاقات المرحلية التي إنتهى مفعولها أيضا، والفهم السائد أخذ طابع التعامل مع هذا القانون الأساس على اساس كونه بديلا لدستور الدوله، لذلك إعتبر من المقدسات القانونيه التي يجب عدم المس بها رغم كلّ الخلافات ورغم وجود الإنقسام، فهذا القانون لا يزال يحافظ على نوع من أنواع الإنسجام القانوني ليس بين جناحي الوطني غزة والضفه، بل أيضا في العلاقه مع المجتمع وبين السلطات الثلاث، وأي إخلال بهذا القانون وفقا لتفسير أو غيره هو تلاعب بالحياة القانونيه التي ستزيد الخلاف وتُعَمّق الإنقسام حتى بين أفراد المجتمع الواحد وليس بين قطاعين جغرافيين سيشكلان وفق المنشود أرض هذه الدوله وفي كلٍّ منها ولايه قانونية مُختلفه، حيث الكثير من القوانين المصريه لا تزال سائده في قطاع غزة، وفي الضفه القانون الأردني، وهذا جاء بسبب طبيعة الموروث السياسي السابق، ووجود "قانون أساس" يتوافق عليه الجميع يُحقق صيغه قانونيه تحكم فوق الموروث وتُحَقق نوع من أنواع الوحدة القانونية المهمة لبناء أي دوله.

إن التفسير رقم (3) لعام 2016 حول حصانة النائب في التشريعي وفقا للمحكمه الدستوريه التي تم تشكيلها حديثا وفي ظلّ الإنقسام سيعزز الفصل والإنقسام ويُبْعِد مفهوم الولايه القانونيه الواحده عن الكل الفلسطيني في الضفه وغزة، كما أنه يُشكل سابقه غريبه في وضع غالبية السلطات في يد السلطه التنفيذيه على الرغم أننا لا نعيش حالة إعلان الطواريء، بل نعيش حالة حوار لإنهاء الإنقسام وإعادة اللحمه لجناحي الوطن.

المجلس التشريعي الفلسطيني صاحب الولاية القانونيه حتى لو كان مُعَطّل بسبب الخلاف السياسي النابع من الإنقسام، وما حدث في غزة من إنقلاب عام 2007، ومفهوم الحصانه لأي نائب جاءت لأسباب تخص طبيعة السياسه الفلسطينيه التي لا تحكمها مفاهيم الدولة المؤسسة مثل فرنسا ومصر، بقدر ما تحكمها أحيانا مفاهيم حزبيه وجهويه وحتى فرديه، فنحن لا زلنا في طور البناء وليس في طور الدولة الراسخه، ومفهوم الحصانه إختصاص شبه مطلق للمجلس التشريعي وليس لغيره على إعتبار أنه لم تجري أنتخابات جديده ولم يحلف الأعضاء الجُدد اليمين الدستوري، ومهما كان من خلاف أو إنقسام، فلم يتم الإعلان مثلا من قبل من منظمة التحرير الفلسطينيه صاحبة الولاية العامه على السلطه الفلسطينيه تجميد القوانين الصادره عن السلطه بسبب الإنقلاب والإنقسام، ولم تعلن إنتهاء المرحلة الإنتقاليه، وبالتالي نهاية لما جاء فيها وبداية لشيء جديد يحمل صفة مؤسسة الدولة المعترف بها من قبل الأمم المتحده، وما يترتب عليه من تأسيس مجلس تأسيسي لوضع دستور، أو القيام بعرض دستور جديد على الشعب الفلسطيني في إستفتاء عام كمفهوم نضالي بإعتبار أن الإحتلال سيحارب ذلك، وعليه يبقى القانون الأساس بصيغته المُعَدله من قبل المجلس التشريعي الفلسطيني الحاكم للسلطه والمُنظم للعلاقات بين السلطات الثلاث ولا يستطيع أحد تغييره بدون ثلثي أعضاء المجلس التشريعي، وتبقى حصانة النائب من إختصاص المجلس التشريعي لا أحد غيره لا بصفة الضرورة ولا بصفة الحاجه خاصة أن الخلاف هو سياسي وليس قانوني.

لست قانونيا ودرست بعض الشيء في المفهوم القانوني والدستوري، ولا أعتبر أن ما قلته أعلاه كتوصيه قانونيه بقدر ما هي إلا محاولة لربط السياسي كتحليل بتأثيره على القانوني كواقع يجب إحترامه وعدم تغييره إلا وفق أصول مرتبطه بالمُشَرّع وليس بالضرورة أو الحاجه المثلِحّه للبعض وغير المُلِحّه للبعض الآخر، وأرى أن الضرورة والحاجة المُلِحّه ومن وجهة نظري أساسها نقاش قانونية المرحلة الإنتقاليه ككل وإعلان الدولة على الأرض كأساس عملي لما تم الإعتراف به في الأمم المُتحدة، وغير ذلك يبقى في نطاق الصراع السياسي الداخلي أكثر من كونه قانوني محض.