وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

كَي لا نُهزم أكثَر .!

نشر بتاريخ: 17/11/2016 ( آخر تحديث: 17/11/2016 الساعة: 11:18 )
كَي لا نُهزم أكثَر .!
الكاتب: مهند ذويب
يُروى أنّ رجلاً دخلَ بيته، فوجدَ زوجته تَبكي، وعِندما سألها عن سَبَبِ بكائِها أجابَت أنّ العصافير التي على شَجرةِ بيتها تَنظرُ إليها كُلّ صَباح وهي بدونِ حجاب، وهذا قَد يكونُ معصيةً للهِ – عزّ وجلّ – فقبّلها زوجها بينَ عينيها على عِفّتها وَخوفها مِن الله، وأحضَر فأساً وقَطَع الشّجرة، وبعدَ أسبوعٍ عادَ من العَملِ مبكراً على غَير عادَته فوجدَ زوجَته نائِمةً في أحضانِ عَشيقِها، لمَ يفعل أيّ شيء، سوى أنّه هَربَ من المَدينة كُلّها، وبعدَ مسيرة أيام وَصَل مدينةً لم يزرها مِن قبل، فوجد النّاسَ يجتَمعونَ قُربَ قصر المَلك، ولمّا سألهم عن السّبب أجابوا أنْ ثمّة أحداً سَرَقَ خزينة المَلك، وفي هذه الأثناء مَرّت امرأة تَسير على أطرافِ أصابعها فسأل عَنها مَن تكون، أجابوا أنّها دايَةُ المَدينة تَسيرُ على أطرافِ أصابِعها خوفاً أن تَدهسَ نملة فتعصي اللهَ، فقالَ الرجل: لقد وَجدتُ السّارق أرسِلوني الى المَلك، وبالفِعل بعدَ التّحقيق تَبيّن أنّها السارقة، وعلّقَ الرجل قائِلاً: " عِندما يَكون الإحتياطُ مبالغاً فيه والكَلامُ عَن الفَضيلة أكثَرَ مِن حدّه فاعلَم أنّ وراءَ ذلكَ جرمٌ عَظيم ".

لا أعرفُ تماماً لمَ بدأتُ بالقصّة السّابقة، لا أعرِفُ تحديداً مِن أيّ جنونٍ عَليّ أن أشعِلَ دفئَ المساء، اليوم أراقبُ تعليقاتِ الجَميع على ذكرى إعلان الإستقلال فأصابُ بحالة مِن اليأس المُدقع، لما وَصَلت إليه الأمور، وما آلت إليه حالُ المجتمعَ الفِلسطيني، الذي بدأ ينهزمُ داخلياً وهذا أخطَرُ من الهَزيمة العسكَريّة، باعتقادي أنّ اعلانَ الدولة الذي صرّح به الشّهيد القائِد ياسِر عرفات من أرض الجزائِر الشقيق في 15/ تشرين الثّاني / 1988 وهو إعلانٌ رَمزيّ يحمِلُ دلالاتٍ عِدة، فلم يَكن ياسر عرفات ومَن معه من الثوّار يَملكون شبراً واحداً على أرضِ فلسطين، وكانَ الأفقُ مسدوداً أمام الحُلول العَسكرية والسّلمية بعد أن تركَ ياسر عرفات وحده في المنفى، وتُركَ شعبه في انتفاضةٍ مجيدة سِلاحها الوَحيد الحجر أمام الدّبابة، فكانَ هذا الإعلان الذي نستذكره كُلّ عام بعثاً معنوياً، وحافزاً للشّبابِ العامل على الأرض، فعرفات كانَ يدركُ رمزيّة الإعلان التي لا يدركها اليومَ أحد.

إنّ من يحتفل بالإستقلال اليوم يحتَفل بالإرادة، ويعطي بعثاً للرّسالة التي أرادها ياسر عَرفات وهو في ظروف أصعب مِن الظروف التي نحنُ فيها الآن، أنْ نعمل لأجلِ الإستقلال الحَقيقي، ومن يُنكر المَعنى الرمزي والمَجازي جاهِل ومتخاذل، فالإستقلال أنّ نستمر على هذه الأرض بالوجود وبناء المؤسسات الوَطنية رغم الحَرب الوجوديّة الشاملة التي تمارس علينا، وأن لا نُهزم داخلياً فالمَهزوم لا يَكتبُ في التاريخِ شيئاً، ومثلما نقولُ للسّجين في باستيلات الإحتلال في المَوروث الشّعبي المُقاوم:
أخي أنتَ حرّ وراء السّدود ** أخي أنتَ حرّ بتلكَ القيود

نقولُ لنا اليوم نحنُ مستقلون برغم الإحتلال، استِقلالاً معنوياً ورمزياً وروحياً، نحنُ مستقلون عندما ندرك ماذا أرادَ باسر عرفات، وماذا أراد أحمد ياسين، مستقلون عِندما نعتلي منبر الوحدة، ونتكاتف من أجل الدولة والوَطن، مستقلونَ بوحدتنا، وليسَ المَقصود بذكرى الإستقلال أنّنا بدون حواجز ولا بدون إحتلال ولا المَقصود أنّنا نمتلك مطارات، لكن ذكرى إعلان الإستقلال والدولة هي حافز لتحقيق ما قيلَ آنِفًا.

من يسخَر اليوم من ذكرى إعلان الدّولة عليه أن يكتفي من التّنظير وأن يخلقَ لنا استقلالاً حقيقياً كما يُريدُ ونريد، وأن يستبدلَ التَهكم والسَخرية والجهل بالفعل الحَقيقي على أرض الواقع ليكونَ الإستقلالُ حقيقياً، وطريقُ الإستقلالِ معروف، شهرُ تشرين الثّاني يحملُ أملاً لمستَقبل القَضية الفلسطينة، شهرُ تشرين الثّائر ذكريات عَزيزة، ودعوةٌ للوحدة لا التّفرق، ورص الصّف، وإعادة النّظر في أولويات المَرحلة ولوازمها، وأخطاء الأحزاب، لنصل الى الإستقلال المَنشود، ولا نَكون كالتي نَقضت غَزلها مِن بعدَ قوّة أنكاثًا.