|
ترامب وعلاقة السلطة بالثروة بين أمريكا والعرب
نشر بتاريخ: 23/11/2016 ( آخر تحديث: 23/11/2016 الساعة: 11:16 )
الكاتب: د. وليد القططي
لست من المهتمين بالبحث عن فروق بين رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية المنتخبين، فهذه الفروق بالنسبة لي لا تتعدى كونها فروقاً بين السيء والسيء جداً والأكثر سوءاً والسيء للغاية، خاصة عند تقييم سياسة أمريكا تجاه القضية الفلسطينية، فهي تتخذ منحاً ثابتاً من الانحياز الاستراتيجي للكيان الصهيوني، ذلك الانحياز المبني على أسس ايديولوجية واستعمارية ثابتة. ولكن الفروق التي من المفيد تسليط الضوء عليها في ضوء الانتخابات الأمريكية الأخيرة التي فاز فيها الملياردير رونالد ترامب بالرئاسة هي التي تخص العلاقة بين السلطة والثروة بطريقة مقارنة بين الولايات المتحدة الأمريكية والوطن العربي والتي تنسحب على الغرب والعالم الثالث بشكل عام.
العلاقة بين السلطة والثروة في البلاد المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية تبدأ بالحصول على الثروة ثم السعي للحصول على السلطة، فيكون الشخص غنياً ثم يسعى إلى الحصول على السلطة والمنصب السياسي وصولاً إلى الرئاسة نفسها كما حدث مع الرئيس الأمريكي المنتخب رونالد ترامب الذي أصبح مليارديراً ثم استخدم نفوذه المالي للوصول إلى منصب الرئاسة. وهذه قاعدة عامة لا تخلو من الاستثناءات التي تسمح لنماذج أخرى من الشخصيات غير الثرية بالوصول إلى السلطة كالرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما الذي يُعتبر نموذجاً مختلفاً للرؤساء الأمريكان. أما العلاقة بين السلطة والثروة في البلاد العربية فهي مقلوبة مقارنة بأمريكا فالسلطة غالباً ما تسبق الثروة , بل تصبح السلطة أقصر الطرق لجمع الثروة، والأنظمة السياسية الحاكمة لتلك الدول تشكل بيئة خصبة لاستثمار السلطة في جمع الثروة، وهذه البيئة الخصبة ممثلة في غياب الرقابة الشعبية الحقيقية لنظام الحكم، وكذلك غياب المحاسبة المالية والمتابعة الإدارية والملاحقة القضائية، ولانعدام الشفافية والعدالة في توزيع الفرص، وانتشار الرشوة والمحسوبية والمحاباة والواسطة، وعدم تداول السلطة، وضعف الحراك الاجتماعي الصاعد، فتصبح ثروة الشعب في هذه الأنظمة ملكاً مباحاً للحاكم وعائلته والنخبة المحيطة به من المنتفعين والفاسدين والطفيليين , ومع مرور الوقت تتعاظم ثروة الحاكم والنخبة الفاسدة بينما يزداد الشعب فقراً وبؤساً. ولقد أكد ابن خلدون في مقدمته فصل أن الجاه مفيد للمال "وذلك أنا نجد صاحب المال والحظوة في جميع أصناف المعاش أكثر يساراً أو ثروة من فاقد الجاه والسبب في ذلك أن صاحب الجاه مخدوم بالأعمال يتقرب بها إليه في سبيل التزلف والحاجة إلى جاهه ... ويزداد مع الأيام يساراً وثروة "ولقد عرّف ابن خلدون المقصود بالجاه بقوله : "أن الجاه هو القدرة الحاملة للبشر على التصرف فيمن تحت ايديهم من أبناء جنسهم بالإذن والمنع والتسلط بالقهر والغلبة " وهذا يعني أن الجاه هو السلطة التي يتمتع بها الفرد والتي أوضح ابن خلدون أنها تجلب المال والثروة في المجتمع العربي. وإذا كانت السلطة تسبق الثروة وتجلب المال في البلدان العربية وأخواتهم من البلدان المتخلفة ,فإنها في الحالة الفلسطينية أسبق , ولقد زدنا على ذلك أن السلطة والثورة معاً تجلبان المال وتأتيان بالثروة، خاصة وأننا قد صنعنا خلطة عجيبة من السلطة والثورة، فصنعنا سلطة من رحم الثورة وتحت الاحتلال، فتاهت معالم كل من السلطة والثورة، وأصبحتا معاً طريقاً للثروة ودرباً للغنى، فاجتمعت السلطة والثورة والثروة بيد نخبة قليلة أفسدت السلطة وضيعت الثورة وأعطت الأولوية لمصالحها الخاصة على حساب المصلحة الوطنية الفلسطينية العليا. ومن هنا تأتي أهمية إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني لتناسب مرحلة التحرر الوطني ولتفرز قيادة وطنية حقيقية تأخذ بيد الشعب الفلسطيني نحو تحقيق حلمه في التحرير والاستقلال والعودة. |