وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

رام الله تحاول أن تبتسم الآن

نشر بتاريخ: 02/12/2016 ( آخر تحديث: 02/12/2016 الساعة: 13:26 )
رام الله تحاول أن تبتسم الآن
الكاتب: عيسى قراقع
حراك واسع تشهده مدينة رام الله منذ تاريخ 29.11.2016 حيث ينعقد المؤتمر السابع لحركة فتح، اسود رام الله الخمسة تستقبل الوافدين من كل مكان، هطل الناس وهطل المطر غزيراً غزيراً، وصدحت الأغاني والأناشيد وذرفت الدموع بأفتتاح المؤتمر بهذا الزخم الذي التقى فيه الشهيد مع الشهيد، والحي مع الحي، والأسير مع الأسير، الماضي والحاضر، ووحدها فلسطين في الصوت والحنجرة توزع جسمها وتاريخها في جسوم عديدة وتفيض بالأمكنة والأسماء والحكايات، ضحية تعانق ضحية، عذاب انساني يسيل على عذاب انساني آخر، ويستمر المطر.

رام الله تحاول الآن أن تبتسم، أن تكون عابرة للزمن والمعنى والى أقصى حد، وتمد ذراعيها ما بين القدس واريحا، تحتضن ضيوفها في بيوتها وفنادقها وشوارعها وحاراتها وتحت اشجارها، تبرق وترعد في جمالها وجروحها، وكل ما هطل من ماء فيها تحول الى نبيذ أو دم أو أسئلة ساخنة، ورام الله امتلأت بخارجها عندما بدأ الحوار بين الحق والباطل، وبين البداية وما ستكون عليه النهاية ......
رام الله تحاول أن تبتسم الآن وهي ترى كأن العالم أُفرغ وجاء اليها، لم تعد قلعتنا محاصرة ولا اعشابنا ذابلة، نحن جزء من محيط شاسع في هذا الكون إسماً وهوية، تحتل القدس موضع القلب فيه، يفيق الحالمون كما تفيق رام الله، عندما تحول كل حجر في فلسطين الى طائر في الفضاء، وقد شيد الجميع منطقة حرة في أعالي الكلام، وانتبهوا كيف يزدهر المكان اذا حضر الغائبون ...

رام الله تحاول أن تبتسم الآن، تقرأ بيانها السياسي وبيانها الشتوي، تضم أبنائها وبناتها وغيابها الأسطوري، يقرأ الجميع الفاتحة على روح الشهيد ياسر عرفات، والجميع الجميع يدخلون متحفه ويشمون رائحته، ويخرجون صامتين صامتين على وشك الإنفجار...
رام الله تأخذ أبنائها وتمشي على قدميها من ساحة المنارة الى عين مصباح، الى السرية، الى القسطل، الى مار جرجس، الى ام الشرايط، الى الإرسال، الى بيتونيا، الى البيدر والمنطقة الصناعية، الى الطيرة، وتقف طويلا طويلاً أمام أربعة مخيمات يزحف سكانها على الأرصفة فقراً وغضباً وحجارةً ونكبات .....
رام الله تحاول أن تبتسم الآن، تقترب أعياد الميلاد المجيدة، فالسيد المسيح يمر من مدينة البيرة في طريقه الى الناصرة ومنها الى القدس، تشعل رام الله شمعة وتضيء شجرة، تصلي لطفل المغارة وتسقيه من نبع الماء، وأسمعها تردد مع البابا فرنسيس : منذ لحظة دخول يسوع التاريخ بميلاده في بيت لحم في فلسطين، تلقت البشرية بذرة ملكوت الله كما تتلقى الأرض البذرة، الوعد بحصاد مستقبلي...

غزة هنا في رام الله من شرقها الى غربها، ومن رملها الى بحرها، وجعاً وصبراً ، شهداء وأحياء ، دهشتها وأسئلتها ودمها الذي لم يجف، تتوحد أضلاع رام الله مع اضلاع غزة، تكسر الحصار، وطن واحد، شعب واحد، والشمس في رام الله تضيء ليل غزة التي قال عنها محمود درويش : قد ينتصر الاعداء على غزة، قد يكسرون عظامها، قد يزرعون الدبابات في احشاء اطفالها ونسائها، وقد يرمونها في البحر أو الرمل أو الدم، ولكنها لن تقول للغزاة نعم، وستستمر في الانفجار...
رام الله تحاول أن تبتسم الآن، للقادم من المجهول الغامض، لما بعد هذا اليوم، ولما بعد هذا الحاجز وذلك الجدار وتلك المستوطنة، هواء البحر المتوسط الرطب يملأ رئتيها، تتنفس فوق جبالها السبع، تطل على الساحل الفلسطيني وترتفع كالنورس فوق البحر...
رام الله القت بحبلها الى النبي يوسف المحجوز في قاع ذلك البئر الذي يقال انه في رام الله، وتنظر بعيداً الى الاسرى بالسجون، تحرك مفاتيحها في الابواب الفولاذية، تصرخ في العالم ليكون مؤتمر فتح السابع أكبر من قاعة، وأكبر من دولة وأكبر من تاريخ، صرخة الف الف عام من البحث على الحرية وعن فرح لا يموت ...

رام الله تحاول أن تبتسم الآن ... ساهرة في ضوء أعضائها تتكىء على بواباتها المغلقة وعلى مفاتيحها في فضاء يمد لها اليدين غيماً ويحميها بالعينين، لا تبالي بالكلمات الكثيرة، ولا بالشعارات الانتخابية، ولا بهذا التزاحم الغريب داخل هذا السجن الكبير، تقوم رام الله من نومها، تمسك بيد النصر في رقصتها الصباحية الخضراء...
رام الله تحاول أن تبتسم الآن ... تدلي بصوتها في صندوق الاقتراع في مؤتمر فتح السابع وقد كتبت :
قوموا ..قوموا.. فهذا آوان الأمل
وهذا أول النهوض من المأزق المحتمل
، شدوا الحزام وجوعوا ليشبع الوطن
لن نستطيع بلوغ المعالي بغير المحن .