|
فتح هل ستمرّ هناك؟
نشر بتاريخ: 04/12/2016 ( آخر تحديث: 04/12/2016 الساعة: 10:05 )
الكاتب: تحسين يقين
صعب أن نزهد يوما في بذر البذور؛ فلا ندري في أي تراب سيكون النبت، وقد ينبت على حجر، ألم يقل شاعرنا العظيم يوما: عشب على حجر؟
وفي الميثولوجيا، أو الكتب، ألم يدعو يوسف المصريين كي يكثروا من بذر الحبوب حتى ولو على الصخور؛ فسنوات الخير ستنبت كل ما يتم بذره..! وذلك العشب على ذلك الحجر، كان من أسباب استحقاق الحياة على هذه الأرض؛ فعليها ما يستحق أن نحيا لأجله، وقد قرنه درويش بخوف الغزاة من الذكريات، ولعل رائحة الخبز استحقاق بقاء الحياة، ولكن الحياة ليست مادة فقط، فليس بالخبز وحده نحيا؛ فلا بد من: تردد إبريل، وجميل سماع آراء امرأة بالرجال، كما أننا نحتاج لكتابات أسخيليوس وآخرين قبله وبعده، أما أول الحب فما أجمله! أما وقوف الأمهات على خيط ناي، فلعله الحنين. صعب أن نزهد يوما في بذر البذور؛ فما زال أيلول يذهب ليعود، وما زالت بعض النساء يتركن الأربعينيات بكامل مشمشهن، ويحمد من خبر المعتقل ساعة الشمس فيه، فلربما استطاع المسجون مشاهدة كيف يقلد الغيم سرب الكائنات، فيصيرا شاعرا أو رساما يرسم برتقالة وقت المغيب، لكن المثير حقا أنه رغم جدلنا حول الهتافات، إلا أن كثيرين منا منحوا فرصة رؤية الشهداء يبتسمون، ولعل ذلك هو ما جعل الطغاة يحسبون الحساب للأغاني! فكيف سنزهد يوما في بذر البذور؟ كيف، وسيدة الأرض: أم البدايات، هي أم النهايات؟ كيف، وهي التي ظلت محافظة على اسمها؟ هويتها! سيدة الأرض، هكذا نراها، ولربما يحق لنا رؤيتها هكذا، وربما ليس هناك ضرورة للجدل على من يستحق من الأمكنة لقب سيدة الأرض؛ فهناك أيضا من رأى سيدة أرض أخرى.. كل وسيدته الأرضية والسماوية، لكننا نتفرد بأنها لأنها سيدتنا، فقد استحققنا الحياة. لا يمكن أن نزهد ببذر البذور: سيبذر الشاب، والطفل، الكهل، وسيدات الروح سيبذرن، وسيهطل المطر وإن طالت الريح الشرقية قليلا. فسيكون صعبا أن نزهد في بذر البذور؛ وحصاد التحرر ما زال هدفا نسعى إليه جميعا؛ وهي كما نرى اجتهادات سياسية، لم نعد نلوم بعضنا عليها، وهي إنما كانت محطات ومراحل، لكن أما كان بالأحرى العناية بدرجات السلم ونحن نصعد عليه!؟ التحرر، قيمة كبرى في حياة الإنسان والشعب، نفسيا واجتماعيا وفكريا وسياسيا، فكيف بالتحرر من الكولينيالية الاستعمارية التي تغتال أرواحنا؟ وستظل الحريتان الوطنية والسياسية مفتاحي باقي أنواع التحرر؛ فإن ينجزها آخرون فرديا لا يعني ضمان التحرر الجمعي. كنا وما زال كثيرون/ات يعيشون اعتمادا على حصاد بذارهم في الحقل والمصنع، كنا تحت الاحتلال وما زلنا، واستطعنا تحقيق التنمية، وإلا فكيف استطعنا البقاء؟ وهل التنمية هي وجود ثقافة الاستهلاك؟ الإنسان اينما كان هو صانع تنميته، وهو الأكثر معرفة بما يحتاج وهو في طريقه نحو الشمس يقطفها زهرة لأطفال وطفلات فلسطين. التنمية، للفكر، والمعرفة والوعي هي الأساس، بمعرفة واعية ناقدة لتاريخنا القديم والجديد، هل قرأنا بما يكفي؟ هكذا تساءل القائد؟ عن وعد بلفور وعن غيره..هي إذن منظومة متكاملة من النمو اللازم للبقاء لا للتسلية، هي نهضة مكتملة، نطمح أن نتعاون فيها جميعا، ما دامت تحظى بإجماعنا. ولعل مؤسساتتنا الوطنية والوزارات تدرك ذلك، فيتجلى الإبداع، فنحاصر الاحتلال بدلا من الاستسلام لمحاصرته. عناصر الإنتاج وأدواته، وسوقه، فكيف نعمّر الأرض ونزرعها ثم لا نقف حزاني أمام المحصول!؟ هنا برنامجنا الوطنيّ، في التعليم والثقافة والاقتصاد، والصحة، والبناء والتحرر.. والاقتصاد أساس، فهل صنعت التحولات الاجتماعية هنا ما صنعت بمنأى عن الاقتصاد؟ زرعنا وصنعنا، ثم عمدنا إلى الخارج فاشترينا، فماذا سيفعل المزارع غير النوم في السوق أو تحت الشجر؟ الزراع والصناع.. ماذا سيفعل الكاتب غير التأمل بسحنات الباعة والناس واقتناص وقت للغزل! تثاءبت الحروف، والباعة قضموا فواكههم وناموا.. وبقي وحدهم الشباب والصبايا يتبادلون النظر! لكن الغزل والحب لا يكفيان، لا بد من الحنطة لنعيش ما بقي من سنوات المحل التي تجاوزت سنوات يوسف كثيرا، لقد تضاعفت هنا مرات ومرات.. الشباب، سنتجادل طويلا في تحديد العمر، ولكن كما قيل الشباب شباب القلب، والعقل، والحيوية، فإذا اراد الشباب المشاركة الفعلية، عليهم بذر البذور، عقلانية وفعلا وتخطيطا واحتراما للقيم والتراث الوطني ثوريا ونضاليا وسياسيا وثقافيا. وقتها سيجدون مجالا غير الغزل! اعتادت سيدات روحنا، وحارسات نارنا المقدسة أن يغيرن عجز البيت الشعريّ، المنبئ عن التفاؤل والتشاؤم: إذا أقبلت باض الحمام على الوتد، وإن ادبرت دشّر عشه وطار، وفي الأصل "بال الحمار على الأسد" صار البيت الشعريّ المعدل مثلا شعبيا شهيرا. عندما يصبح الواقع شديد الوضوح، سنحتاج وقتها للشعر، للفلسفة، لشيء آخر غير الوضوح الصحفي القاتل، الذي لا يترك مجالا للإبداع، إضافة أو حذفا أو حتى تحريرا لغويا! لنا أن نتفاءل، فنحن باقون هنا، وباقون في العالم، عربيا ودوليا.. نترك رومانسية اللحظة، ونعود للواقع، لأنه إنما كانت معجزة يوسف تجاوزت التنبؤ بسنوات الخصب السبع والمحل مثلها، إلى كيفية تخزين الحنطة. ما نريده هو تحقيق البقاء وضمان الاستمرار، فمن يضع يده في يدي، ومن تضع هما رفيقا الطريق، إذن فإن أعضاء المؤتمر سيزيدون هنا على الأرض. هكذا أفهم كمواطن وفرد: الخلاص هو التحرر، وهو وطنيا لا فرديا، والتنمية ليست فردية للعاملين عليها من مؤسسات وورش عمل، والعدالة يمكن تحقيق الحد الأدنى منها اللازم لتماسك المجتمع-الشعب. "إن دولة فلسطين غير العضو والتي ما زالت غائبة، هي الأكثر حضورا على المشهد الدولي".. تلك هي عبارة افتتحت به إحدى فقرات مقالي حين منحت الجمعية العامة للأمم المتحدة فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة. قبل أيام أقسم الرئيس بأن فلسطين هناك لها حضور أكثر بكثير من الدول الأعضاء، وهو صادق في يمينه؛ ففلسطين تحضر بقوة المنطق والحق والسعي الوطني.. ليس أمامنا إلا أن نمرّ هناك وهنا، الآن وغدا.. |