وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

قصة رياضية - قاضي الملاعب

نشر بتاريخ: 08/12/2016 ( آخر تحديث: 08/12/2016 الساعة: 14:45 )
قصة رياضية - قاضي الملاعب
قصة رياضية
قاضي الملاعب
بقلم عصري فياض/ مخيم جنين

لو تسنى لك أن تهبط عليه قبيل صلاة الفجر بقليل، لرأيته يغط في نوم عميق، واضعا كفه الايمن تحت وجهه ، ثانيا قدميه بإنتظام، ترتفع يده اليسرى بحركة لا شعورية الى شفتيه، وكأنها تستعد لاطلاق صفارة اتجاه خطأ ما، او لعل حلما مزعجا غشيّ ذاكرته من شدة التعب يريد أن يوقفه، فتمسه لحظة استفاقه ، يدرك انه نائم، وقبل ان يعود بسرعة ليكمل شهوة نومه التي تعتريه ،يصدح المؤذن بنداء الفجر، فينهض الحكم النشيط من نومه لاستقبال يوم طويل من العمل والسفر والشقاء..
حمل منشفته ووقف امام المغسلة يتوضأ، وهو لا ينفك في الذكر الذي يخفي خلفه استعراض بجدول هذا اليوم الذي بدأ،....وأصفى البدايات هي صلاة الفجر في المسجد، الذي لا يبتعد عن بيتهم أقل من ابعاد ملعب الكرة الذي يصول ويجول فيه كيلومترات عديدة كل أسبوع، نعم خرج للصلاة واصوات والدته تتابعة بكلمات الرضى حتى يعود.
****
بعد أن اشرقت الشمس ، وعلى مائدة الافطار، قالت له والدته، لقد اشتقت الى خالتك " ام عادل" وأود أن ترافقني اليها، فماذا قلت؟؟ رد وهو يحتسي ما تبقى من كوب الشاي ، يا أمي انت تعرفين اني منهمك في العمل بالمؤسسة وبعد الدوام في الدوري، لدي التزامات فنحن في عز الموسم كروي
قالت: ولكن متى سيكون لديك اجازة؟
قال وهو يحمل حقيبته الرياضية : لا ادري .. سأخبرك فيما بعد
إمتعظت الام قليلا وقالت : لا أعلم ما هي الفائدة التي تجنيها من التحكيم؟؟
ضحك وقال: هو واجب اقدمه لمسيره اتمنى ان تكون وتنجح
قالت: ولكن منذ متى وانت لم تستلم مكافآتك؟؟......... ايعقل ان يمر عام وانت لا زلت تنتظر
قال : امي.... استودعك..
وخرج مسرعا ينظر الى ساعته
******
كان يوم عمل صاخب ، البرنامج مزدحم بالمراجعين ، خاصة وان اليوم هو الاحد بداية الاسبوع، بيدأ عند الثامنة ولا ينتهي الا عند الواحدة والنصف، .... وما ان انتهت الساعات الست والنصف، حتى شعر بنوع من التعب والصداع، فهو لم يصلي الظهر بعد، ولم يتناول شيئا من الطعام، في الساعات الاخيره التي انتهت لوتها ، كان عليه أن يتوجه الى مدير المؤسسة ليستأذنه، وبعد البرتوكول المعتاد، نظر المدير الى الساعة وقال إذهب كان لا بد من ان يصلي الظهر ويتناول شطيرة تمدني بالغذاء قال في نفسه، لحظات انفلت من موقف المدير المحرج وذهب على عجل ، توضا وصلى وتوجه للكفتيريا وطلب شيطره وزجاجة عصير واخذت يأكلها وهو يسير الى باب المؤسسة ، فبعد دقائق ستحضر السياراة التي ستقودهم الى الملعب ليقود المباراة الهامة بين الفريق المتصدر والوصيف المنافس على الصداره في ملعبه البيتي.
*******
السائق يسير بسرعة فائقة ليصل قبل موعد الحضور المحدد، فالتأخير مسؤولية، حتى ولو كان كامل الطاقم التحكيمي في سيارته ، هكذا اعتادت الطاقم أن تتفق مع سائق واحد ينسجمون معه ويصبر عليهم ويصبر على تأخر اجرته ان حصل، في هذا الموسم قد حصل، السائق يتسائل بشيء من الخجل الممزوج بنبره حائره: الم يرشح شيء عن موعد صرف المستحقات؟؟
رد الحكم الرئيس الذي يجلس الى جانبه: يقولون قريبا...عسى ان يكون قريبا
سأل السائق: قريبا قريبا... يتوجب عليهم تحديد مفهوم قريبا...
قال الحكم : لا تقلق حالنا كحالك.... لن يضيع شيء... لكنه يتأخر..
السائق: لقد قارب الاستحقاق على العام....
الحكم المساعد : سأعطيك عبرة ...
السائق: تفضل؟؟
الحكم المساعد : كيف وانت متوجه بنا الى مكان المباراة، هل عندك شك بأنك ستصل؟؟
قال السائق: ماذا تقصد؟
الحكم المساعد : وهكذا الاستحقاقات ستصل..ولو بعد حين
السائق: هذا هو الحين الذي يشغلني...
الحكم : لم يبقى شيء لم نفعله تجاه الحث بالمطالبة... كل ما علينا من واجب والتزام نفعله وبكل اخلاص ودقة وتفاني... لعل التزمنا ايضا يكون عاملا مساعدا لصالحنا...
صمت الجميع وهم يدخلون آخر منعطف يوصل الى المعلب المقصود.
******
المدرجات مزدحمة بالجماهير، والهتافات تكاد تحجب السمع في كل فضاءات الملعب، إنطلقت المباراة مع الصافرة القوية، وأخذت الهجمات السريعة تغطي المشهد على المستطيل الاخضر، فرص وفرص مضادة وضغط شديد من كلا الجمهورين، قاد الى نوع من العصبية والتوتر في ارض الملعب، وعلى دكة البدلاء، هذا الغطاء لهذه الساحة وما فيها يتعرض لرياح عاتية، يتطلب من الطاقم التحكيمي ان يقوده الى بر الامان، ساعة ونصف الساعة يقطعها استراحة قليلة هي من اشد ما يواجه الحكم، وما يبذل من طاقة ليحرز لنفسه سيطره شبه كامله على دقائق الامور، فأقل هفوة هنا قد تشعل الساحة، والتداعيات والعصف الصارخ للاعصاب قد يرسل المباراة الى ما لا يحمد عقباه، جاءت الدقيقة التسعين وما زاد عليها من وقت اضافي، والاعياء قد بدا على الطاقم التحكيمي وخاصة على الحكم الرئيسي في الميدان، اطلق صفارته الختامية، هرول حوله افراد الحماية، التقط انفاسه مع زملاءه دقائق، حتى انفض الفريقين وارتحل الجمهور، فمشى تحت ضوء الكشافات الى غرفة الحكام لاستبدال ملابسهم ويعودون الى بيوتهم.


كانت الساعة تشير الى التاسعة مساء عندما دخل البيت، فأفاقت والدته التي غفت في سريرها وهي جالسة تنظره وفي يدها مسبحة للذكر والدعاء، دخل غرفتها، فرآها، فأشفق منها ، واقترب منها وقد افاقت ، قالت له : عدت يا حبيبي
قال لها وهو يقبل يدها:- نعم يا امي...
رمى عن كاهله حقيبة الرياضة وحقيبة الجامعة وجلس الى جانبها وهو يشعر أن دورا هائحا قد استوطن رأسه
قالت له : هل احضر لك طعام العشاء؟
قال لها : لا تعبي نفسك استريحي انت.. انا سأستحم واصلي العشاء واحضر الطعام لنفسي ثم اخلد الى النوم... فغدا امامي يوم جديد.........
قالت له قبل ان يغادر غرفتها: لقد ذهبت الى خالتك "ام عادل"... وهي تقرؤك السلام...وكذلك ابنها عادل لقد اصبح قاضيا
التفت الى الخلف مستغربا وتكاد تنفلت من فمه كلمات... لكنه استدرك : اه قاضيا في المحاكم... لقد ذهبت بعيد الى الملاعب.. وفقه الله.... حتما سأزورهم وأبارك له... وخرج.


تمت بحمد الله