|
على هامش معركة حلب
نشر بتاريخ: 16/12/2016 ( آخر تحديث: 16/12/2016 الساعة: 12:54 )
الكاتب: د. وليد القططي
حتى بدء كتابة هذا المقال لم تكن الأمور قد اتضحت بعد في حلب إن كانت تسير نحو خروج المسلحين أو من تبقى منهم من الجيب الذي لا زال تحت سيطرتهم من المدينة عن طريق اتفاق ينجيهم وأسرهم بأبدانهم وأسلحتهم الخفيفة، أم أن الأمور تسير نحو مواصلة المعركة حتى الرمق الأخير وإخراجهم بالقوة المسلحة من المدينة أو إبادتهم فيها. وفي أي اتجاه سارت الأمور فإن ذلك لن يُغيّر كثيراً من طبيعة الأمور رغم أن معركة حلب ونتائجها قد تكون نقطة تحوّل تاريخية في الحرب السورية. وعلى هامش معركة حلب يُمكن تسجيل الملاحظات التالية:
1 – لم يخطر على بال أحد أن حادثة اعتقال بعض طلبة المدارس السوريين في مدينة درعا البلد بتاريخ 17 فبراير 2011 م بتهمة كتابة شعارات على جدران مدرستهم تنادي بالحرية واسقاط النظام، ثم إهانة الأمن السوري لوجهاء المدينة في مكتب محافظ درعا الذين طالبوا بالإفراج عن أبنائهم أن هاتين الحادثتين ستتطوران من ثورة شعبية عارمة لها قضية عادلة، إلى ثورة مسلحة دموية، لتنتهي بحرب أهلية طاحنة تغذيها التناقضات المحلية والصراعات الإقليمية والمنافسة الدولية، وتتداخل فيها الأبعاد المذهبية والطائفية والعرقية والمناطقية، والحاضر الأكبر فيها المصلحة الإسرائيلية في تدمير وتفكيك الدولة السورية جيشاً ومجتمعاً ومؤسسات. 2 – لم يدرك الرئيس السوري أن نظام حكمه يشبه الأنظمة العربية الحاكمة في كل شيء تقريباً – عدا انتمائه لمحور المقاومة - ويشاركها جوهرياً في اصابته بمتلازمتي الاستبداد والفساد، ويحتكر مثلها توأمي السلطة والثروة ويورّثهما لأبناء النخبة الحاكمة والفئات المتحالفة معها من رجال الأعمال النفعيين وبعض المثقفين الانتهازيين ، وأن ذلك مع تراكم الظلم الاجتماعي كفيل بأن يُفجّر الثورة الشعبية في وجه النظام مهما بلغت قوته وسطوته واستخفافه بشعبه. والشأن الأخر الذي لم يدركه الرئيس السوري ونظامه هو أن المقاومة ليست صك غفران يعفيه من استحقاقات الحرية والعدالة وحقوق الانسان، وأن الذي سيحميه هو العدل والحرية إلى جانب التمسك بنهج المقاومة والممانعة ودعم القضية الفلسطينية. 3 – وقعت الثورة السورية ضحية لتطرفين بشعين هما: تطرف النظام الحاكم في قمع الثورة والاحتفاظ بالسلطة واحتكارها ، وممارسة الاستبداد السياسي الذي يُلغي الآخر المختلف ويسكت الأصوات المعارضة للنظام بكل الوسائل الممكنة . وتطرف المعارضة المسلحة التي لبست ثوب الإسلام بلونه السلفي الجهادي ذو الفكر التكفيري الإقصائي الذي يلغي ما عداه ويعمل على تصفيته معنوياً ومادياً ويُقّدم نموذجاً سيئاً للإسلام مليء بالدماء والاشلاء وانتهاك الحرمات التي حافظ عليها المسلمون منذ عصور الفتح الإسلامي الأولى كالمحافظة على الآثار وأماكن العبادة لكل الأديان السماوية وأضرحة الصحابة والتابعين. فاستبداد النظام وتطرف المعارضة وجهان لإرهاب واحد جوهرة العنف . 4 – لجأ كل من النظام والمعارضة للخيار العسكري لأسباب خاصة بكل منهما مدعومين بحلفاء اقليميين ودوليين قادرين على إدامة المعركة إلى ما لانهاية. فالنظام لم يكن مستعداً لإجراء تغييرات جذرية على بُنيته تُزيل منظومة الاستبداد والفساد من داخله. لأن ذلك يعني في نهاية المطاف تغيير النظام نفسه، كما أن الشعب لم يكن مستعداً لقبول تغييرات هامشية واجراءات تجميلية تبدل شكل النظام وتُبقي جوهره. أما المعارضة فقد لجأت إلى الخيار العسكري لأنها لم تكن مستعدة لمشاركة النظام في الحكم بينما لديها أوهام بإمكانية اسقاطه بالقوة بتحريض ودعم مموليها وحلفائها الاقليميين والدوليين لأن مشروعهم تدمير الدولة السورية وتفكيكها وتقسيمها واضعاف محور المقاومة لصالح المشروع الأمريكي - الصهيوني بعيداُ عن أهداف الثورة السورية الحقيقية. 5 – اذا كان النظام السوري قد ارتكب أخطاء جسيمة قبل وأثناء الحرب السورية، فإن المعارضة قد ارتكبت أخطاء لا تقل عنها خطورة أهمها: أنها جعلت قرارها بيد من يعطيها المال والسلاح وبالتالي رهنت قرارها لأجندة ليست وطنية سورية .واعتمدت على دول اقليمية تنادي بتحقيق الديمقراطية وإطلاق الحرية في سوريا وهي في مقدمة الدول المتخلفة في نظام حكمها شكلاً ومضموناً التي ترفض تطبيق الديمقراطية وإطلاق الحرية في بلدانها ، ففاقد الشيء لا يعطيه . كما أن تفرّقها وتنافسها واقتتالها فيما بينها جعل من السهولة اختراقها من دول اقليمية ودولية . وقد يكون سيطرة التيار السلفي الجهادي بكافة فروعه القاعدية والداعشية ومسمياته الأخرى هو جوهر مقتل هذه المعارضة الذي جعلها تعتقد أن بالقوة المسلحة فقط يمكن إسقاط النظام، وجعل محاولات تكوين جبهة معارضة عريضة تفشل بامتياز لسيطرة العقلية الإلغائية الإقصائية عليها. كما أن تقارب بعض فصائلها مع عدو الأمة ( إسرائيل ) اتباعاً لمبدأ عدو عدوي صديقي أفقدها الكثير من المصداقية والصبغة الوطنية. وفي الختام حتى بعد حسم معركة حلب عسكرياً أو سلمياً فإن هذا لا يُنهي الأزمة السورية التي لا تنتهي إلا بالحل السياسي على أرضية التعايش السلمي المجتمعي بين مكونات الشعب السوري والقائم على مبدأ تقبّل الآخر المختلف داخل الدولة الوطنية السورية ، وأهمية احترام حقوق المواطنة المتساوية بعيداً عن التصنيف الديني والمذهبي والقومي والعرقي والمناطقي للسكان . وضرورة الإلتقاء على كلمة سواء تجمع كل فئات الشعب وقواه السياسية المؤيدة للنظام أو المعارضة له ، والتجمع حول نقاط اتفاق توّحدهم وهي كثيرة بابعادها الإنسانية والدينية والقومية والوطنية والمصلحية . وإقامة نظام سياسي تعددي يقوم على المشاركة الشعبية السياسية وتداول السلطة بالطرق الديمقراطية وأسس العدالة الاجتماعية والمساواة والحرية ... لتوفير سنوات طويلة أخرى من الحرب الأهلية والتي يدفع ثمنها الشعب السوري من أبنائه وثرواته ومستقبله. |