|
ثلاث عُقد قانونية لـ"إسرائيل"
نشر بتاريخ: 19/12/2016 ( آخر تحديث: 19/12/2016 الساعة: 11:25 )
الكاتب: د.عبد الحسين شعبان
ثلاث عُقد قانونية دولية ظلَّت "إسرائيل" تواجهها بعنف من جهة، واستخفاف من جهة أخرى، بل إنها تتحدّى المجتمع الدولي بخصوصها، وهذه العُقد الثلاث تتعلّق بوجودها وحدودها ومستقبلها، خصوصاً باتّساع دائرة المطالبة بالتزامها قواعد القانون الدولي.
العُقدة الأولى: (الوجود) وهي تتعلّق بـ(البرنامج النووي "الإسرائيلي")، الذي بدأ منذ الخمسينات، وقد فضح مردخاي فعنونو "الفني الإسرائيلي" بالصور والوثائق امتلاك "إسرائيل" ما بين 100 – 200 رأس نووي بقدرات تدميرية، بما فيها قنابل نووية حرارية، وقد كشفت ذلك صحيفة الصنداي تايمز في حينها، أما فعنونو فقد قضى حكماً بالسجن لمدة 18 عاماً. والأمر لا يتعلّق بتسريب أخبار على طريقة ويكيليكس على أهميتها، بل إن هناك عدداً من العلماء المتخصّصين من أيّد ذلك، بينهم تيودور تايلر الذي عمل رئيساً لبرنامج الأسلحة الذرية في البنتاغون، الأمر الذي يعني أن "إسرائيل" قوّة نووية رئيسية، يمكن أن تكون في المرتبة السادسة في العالم على قائمة الدول النووية، ولكنها ترفض الانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وهي تتشبّث بهذا الموقف منذ العام 1968. وفي الوقت الذي ترتفع الدعوات لمنع انتشار الأسلحة النووية، يتم غضّ النّظر عن تطويرها القدرات العسكرية النووية، وذلك تحت ذريعة الهواجس الأمنية والعسكرية من المحيط العربي. ولعلّ الاهتمام بالسلاح النووي كان قد بدأ مع بداية تأسيس "إسرائيل" حين خاطب ديفيد بن غوريون رئيس الوزراء لأول حكومة "إسرائيلية" بعض العلماء اليهود المهاجرين من ألمانيا إلى فلسطين بقوله: أريد منكم أن تهتموا منذ الآن بالأبحاث الذرية وبإنجاز كل ما يمكن إنجازه من أجل تزويد الدولة اليهودية المنشودة بأسلحة نووية. العُقدة الثانية: (الحدود) وهي تتعلّق برفض "إسرائيل" التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار المبرمة في العام 1982، والتي دخلت حيّز التنفيذ في العام 1994، وقد انضم إليها حتى الآن 167 دولة، في حين هي ترفض الانضمام إليها، بل إنها لا تعترف بالقواعد القانونية التعاهدية التي تم الاتفاق عليها. لماذا؟ الجواب باختصار: لأنها لا تريد ترسيماً لحدودها سواء كانت بحرية أو بريّة، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي لا تقرّ بحدودها، كما أنها الدولة الوحيدة بلا دستور، لأنها لا تريد إقرار مبادىء المساواة، الأمر الذي لا يعني سوى التمدّد على حساب العرب، كلّما كان ذلك ممكناً وفقاً لمشروعها العتيق بقيام دولة "إسرائيل" من النيل إلى الفرات، وهو مشروع حرب دائمة وعدوان مستمرّ. جدير بالذكر أن دولة فلسطين التي تم الاعتراف بها كدولة غير عضو في الأمم المتحدة في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) العام 2012، وعضو كامل العضوية في منظمة اليونيسكو، انضمت إلى اتفاقية قانون البحار في العام 2014، ضمن عدد من الاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها، مثلما انضمت إلى اتفاقية أخرى تتعلّق بمياه الأنهار والأحواض العذبة العابرة للحدود، أو المتشاطئة بين دولتين أو أكثر، وهي اتفاقية خاصة بالأنهار الدولية. وتوفّر اتفاقية قانون البحار نظاماً شاملاً للقوانين المعمول بها في محيطات العالم وبحاره، وتؤسّس وتثبّت لأعراف وقواعد من شأنها أن تحكم الاستخدامات والموارد، بما فيها ترسيم الحدود المتعلّقة بالمياه الإقليمية ومراقبة البيئة والأنشطة الاقتصادية والتجارية، وكذلك تسوية النزاعات بين الدول، وتحدّد المياه الإقليمية بـ 12 ميل، لكن "إسرائيل" كما تشهد الوقائع اليومية، تخرق تلك القواعد بصورة سافرة فيما يتعلق بالمياه الإقليمية لقطاع غزة وتمنع السلطة الفلسطينية من ممارسة حقهما في السيادة البحرية على حدودها، وذلك بفرض حصار غير شرعي وغير قانوني، وبالتالي غير إنساني وغير أخلاقي في انتهاك سافر وصارخ للقانون الدولي، ولا سيّما لقانون البحار، كما تقوم بمنع الصيادين الفلسطينيين من الصيد في المياه الإقليمية. وعلى الرغم من أن "إسرائيل" ليست طرفاً في اتفاقية قانون البحار، لكن ذلك لا يمنع من تقدم دولة فلسطين بالشكوى ضدّها في المحكمة الدولية الخاصة بقانون البحار والتي مقرّها مدينة هامبورغ (الألمانية)، والهدف هو التعريف بالحقوق وتأكيدها أمام المجتمع الدولي، وخصوصاً بالحجج القانونية والمسؤولية الدولية، وذلك لضمان التزام الدول الأخرى بالحقوق الفلسطينية، وهو جزء من معركة طويلة الأمد، خصوصاً وأن الاتفاقية تعطي للدول حقوقاً سيادية بعمق 200 ميل بحري كمنطقة اقتصادية خالصة فيما يتعلّق بالموارد الطبيعية وغيرها، بما فيها الغاز الطبيعي الذي هو مصدر تنازع كبير، لا سيّما قبالة ساحل غزة. والأمر يخصّ لبنان أيضاً، فقد ارتفعت شهيّة الأطماع "الإسرائيلية" بسبب احتياطات الغاز والنفط المحتملة بالقرب من الشواطىء اللبنانية، وانفجر النزاع بشأنها في العام 2011، وما يزال مستمراً، وهو يشمل قبرص أيضاً. العُقدة الثالثة: (المستقبل)، فـ"إسرائيل" تدرك أن تطبيق العدالة الدولية ليس بصالحها، ولهذا السبب انسحبت من نظام محكمة روما الذي أبرم في العام 1998 ودخل حيّز التنفيذ في العام 2002. وفي الوقت الذي ذهبت إلى التوقيع عليه تكتيكياً في اللّحظات الأخيرة قبل إغلاق باب الانضمام لتكون دولة مؤسِّسة، فإنها انسحبت منه بعد دخوله حيّز التنفيذ، والسبب يعود إلى وجود نص يتعلّق بالاستيطان الذي تعتبره المحكمة الجنائية الدولية "جريمة تستحق المساءلة والعقاب". وإذا كانت "إسرائيل" قد انسحبت من نظام روما ومعها الولايات المتحدة، فإنهما لم يوقّعا أساساً على اتفاقية قانون البحار، أي أن "إسرائيل" لا تتصرف لوحدها في مخالفة القانون الدولي وانتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني والعربي، بل هي تحظى بدعم أمريكي مستمر على جميع الصعد المادية والمعنوية، وإلاّ كيف يسمح لها وهي بؤرة للتوتر، عدم إخضاع منشآتها النووية للرقابة الدولية؟ وتبقى المعركة مع "إسرائيل" لها أوجه متعدّدة، سياسية واقتصادية وثقافية ودبلوماسية ودولية وإعلامية، خصوصاً فيما يتعلّق بمواجهة هذه العقد القانونية التي تكشف حقيقة دولة "إسرائيل"، ومخالفتها لقواعد القانون الدولي. ويأتي قرار اليونيسكو بإبطال نظرية الهيكل التي تحاول "إسرائيل" التعكّز عليها تاريخياً لإثبات عائدية المناطق المقدسة في القدس، فرصة تاريخية مناسبة يمكن توظيفها باتجاه الدعوة لتنفيذ قرار الأمم المتحدة حول بطلان قرار ضم القدس الذي اتخذه "الكنيست الإسرائيلي" العام 1980، مثلما هو دعوة لتحمّل الدول الكبرى لمسؤولياتها، ولا سيّما بريطانيا وذلك بمناسبة مرور 100 عام على وعد بلفور الذي سيصادف العام القادم، ومطالبتها بالاعتذار والتعويض، لتمكين الشعب العربي الفلسطيني من نيل حقوقه غير القابلة للتصرّف وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. |