|
انتصار حلب انتصار للقضية الفلسطينية
نشر بتاريخ: 27/12/2016 ( آخر تحديث: 27/12/2016 الساعة: 10:23 )
الكاتب: نعيم الأشهب
انتصار حلب المدوّي يتجاوز، في مدلوله ومغزاه ، وبشكل غير عادي ،البعد السوري المحلي الى البعدين الاقليمي والدولي . فهو يؤشر ،على النطاق الاقليمي ، على بداية تشكل توازن للقوى جديد في منطقة الشرق الأوسط ، حصيلته المنطقية ستكون ظهور نظام اقليمي بديل ، تفقد فيه القوى الرجعية ، بقيادة السعودية، تفوقها وزمام المبادرة ، الذي استحوذت عليه منذ النكسة الكبرى لحركة التحرر القومي العربية ، في الخامس من حزيران 1967. أما في البعد الكوني لهذا الانتصار ، فهو تأكيد نهاية النظام الدولي أحادي القطبية. وفي هذا الصدد فإن أية مقارنة بين الدورين الروسي والأميركي في الصراع على الساحة السورية ، وقبل ذلك في اﻷزمتين الجورجية ٢٠٠٨ واﻷوكرانية ٢٠١٤، اللتين افتعلتهما واشنطن ، يؤكد ذلك.
بمعنى آخر، جاء انتصارحلب حصيلة مواجهة انتظمت فيها ليس فقط قوى سورية محلية وانما قبل ذلك وأبعد من ذلك بكثير قوى اقليمية ودولية في الأساس ؛ ومن هنا ، بالضبط ، تكتسب هذه المعركة مغزاها التاريخي باعتبارها نوعا من حرب عالمية . ولعل أفضل معيار لرصد أبعاد انتصار حلب ، هو في متابعة مظاهر المآتم والعويل المنتشر على امتداد دوائر الرجعية والصهيونية والامبريالية على النطاقين الاقليمي والعالمي . من المعلوم أنه منذ أن أفلح التحالف الرجعي في المنطقة بالتعاون مع الامبريالية واسرائيل في اغتيال الحراك الشعبي العربي ، الذي اندلع منذ بداية العام 2011 ، في سبيل مطالب مشروعة، فقد بقيت سورية "الجوزة" التي استعصت على الكسر، ومنها بدأ الرد المعاكس. ومعلوم أنه منذئذ تركز ثقل هجوم التحالف المذكور وتصاعد ضد سورية ، وكان من الطبيعي أن تستقطب هذه المعركة وتتحوّل الى بؤرة لمواجهة اقليمية ودولية ؛ وجاء انتصار حلب ، بعد صراع طاحن قارب ، زمنيا ، سنيّ الحرب العالمية الثانية، ليؤشر بوضوح الى اﻷفق الذي ستنتهي عنده هذه المواجهة ، بعد تصفية بقية بؤر اﻹرهاب فوق اﻷرض السورية والعراقية. وغني عن القول بأنه لا يمكن فصل هزيمة المحور الامبريالي - الصهيوني - الرجعي في حلب عن مسلسل هزائمه المتلاحقة ، منذ أواسط العقد الأول للقرن الحالي حصرا. ففي صيف العام 2006 حرّكت واشنطن كلب حراستها في الشرق الأوسط - اسرائيل - للعدوان على لبنان لتصفية حركة المقاومة فيها ، تمهيدا ﻹخضاع بقية أطراف محور المقاومة ، وفتح الطريق أمام فرض مشروع "الشرق الأوسط الكبير" الأميركي ، والنتيجة معروفة . وهكذا، شكل فشل العدوان اﻹسرائيلي على لبنان ، صيف العام ٢٠٠٦ نهاية مرحلة وبداية أخرى .فقد سجّل هذا الفشل نهاية حروب العدوان المباشر بجيوش الوﻻيات المتحدة وحلفائها، بمن فيهم اسرائيل ، تلك الحروب التي وقعت في الشرق اﻷوسط حصرا، بمجرد انهيار اﻻتحاد السوفياتي والنظام الدولي ثنائي القطبية .. وفي الوقت ذاته ، كان فشل العدوان اﻻسرائيلي على لبنان بداية مرحلة الحروب بالوكالة، بتجنيد عصابات اﻹسلام التكفيري. واليوم، فإن انتصار حلب هو مؤشر على فشل الحروب بالوكالة كذلك. وليس مردّ ذلك أن واشنطن وحلفاؤها أصبحوا أقل عدوانية وأكثر انسانية ، بل لأن الشعوب غدت أكثر وعيا واستعدادا لخوض الصراع دفاعا عن بقائها وحقوقها . في الوقت ذاته، فإن انتصار حلب مؤشر على النهاية المحتومة لسيطرة هذا اﻹرهاب على اﻷرض ، في سورية والعراق ، بعد ان تمدد فوق مساحات شاسعة ، تضم ملايين البشر والثروات واﻵثار، واحتمال تحوّل هذا اﻹرهاب كلية الى اﻹغتياﻻت وزرع المتفجرات وأعمال التخريب والشقاوة اﻷخرى.وجرائم هذا اﻹرهاب اﻷخيرة، التي رافقت انتصار حلب وتلته في عدد من المواقع: ألمانيا ، اﻷردن ، تركيا ، قد تكون مؤشرا على هذا التحوّل. لقد دخل اﻹرهاب ترسانة العولمة الرأسمالية المأزومة كأحد أدواتها الفعالة،للتخريب والتدمير ضد من يستعصي على إرادتها، وسيبقى هذا السلاح التدميري ملازما لها كظلها. بمعنى آخر: أصبح الصراع ضد اﻹرهاب المعولم يتلازم عضويا مع الصراع ضد العولمة الرأسمالية في أية بقعة من العالم. إن تشكل نظام إقليمي جديد ،تفقد فيه القوى الرجعية والصهيونية زمام المبادرة، ويفتح اﻷفق لعودة العنفوان لحركة التحررالقومي العربية ، جنبا الى جنب ، مع متغيرات دولية يتضاءل فيها الوزن النسبي لمعسكر اﻹمبريالية والعدوان بقيادة الوﻻيات المتحدة ..هذه وتلك هي مصادر واقعية لدعم نضال الشعب الفلسطيني في سبيل استعادة حقوقه القومية المهضومة. إن حكام اسرائيل الصهاينة الذين وقفوا طيلة اﻷزمة السورية ، سرا وعلانية، مع عصابات اﻹرهاب العاملة فوق اﻷرض السورية ، وقدموا لها مختلف أنواع الدعم والمساندة، يولولون اليوم بسبب انتصار حلب ،ويعلنون بأن ذلك سيعني أن حزب الله وايران سيصبحان ، مباشرة ، على حدودهم؛ وهذا اعتراف ﻻ يحتمل التأويل بأن عصابات اﻹرهاب في سورية تمثل حاجز أمان لهم. يبقى بعد هذا، أن تدرك القيادة الرسمية الفلسطينية ، ولو متأخرة، أين مكانها الطبيعي في الصراع الدائر في المنطقة ، وأن تتخلى عن اﻹنتظام في المحور، ليس فقط المتآمر على القضية الفلسطينية ، بل والخاسر في الصراع الدائر في المنطقة ، كما تشير الدﻻئل ، وكما يرمز انتصار حلب. |