|
مقترحات ناصر القدوة لمواجهة نقل السفارة
نشر بتاريخ: 24/01/2017 ( آخر تحديث: 24/01/2017 الساعة: 10:24 )
الكاتب: هاني المصري
قدّم ناصر القدوة، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، رؤيته لمغزى وأبعاد احتمال إقدام إدارة دونالد ترامب على نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وتضمنت مقترحات جديرة بالاهتمام يمكن البناء عليها، وبلورة خطة شاملة من شأن اعتمادها من القيادة الفلسطينية أن يساهم في تقليل احتمالية نقل السفارة، أو إحباطها إن تمت عملية النقل، ومنع دول أخرى من الإقدام على نقل سفاراتها، أو على الأقل إيجاد جبهة فلسطينية واسعة قادرة على التعامل مع الوضع الجديد بفعالية.
وقال القدوة حول احتمالية نقل السفارة: "لا يمكن الجزم بذلك، لكن يجب الاستعداد التام للتعامل مع كل الاحتمالات عن طريق وضع موقف فلسطيني تفصيلي وكتابته على الورق، وعرضه على الفلسطينيين والعرب والعالم كله، بحيث يتضمن توضيح مغزى وخطورة نقل السفارة. وأضاف: "نحتاج إلى عمل مشترك مع الدول العربية، خصوصًا مع مصر والأردن، وبقية التجمعات الأخرى". وتضمنت هذه المقترحات: أولًا: ضرورة معرفة تفاصيل نقل السفارة من دون قبول الاستهبال حول ما يقال عن نقل السفير وإبقاء السفارة أو نقلها إلى القدس الغربية، وفهم ما هو مصير القنصلية الموجودة في القدس منذ 140 سنة، التي تهتم بشؤون الضفة الغربية وقطاع غزة والفلسطينيين. ثانيًا: نقل السفارة انتهاكٌ خطير للقانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة وقرارات مجلس الأمن ذات الصِّلة، التي شاركت الولايات المتحدة في صناعتها وآخرها قرار (2334)، وانتهاكٌ للفتوى القانونية لمحكمة العدل الدولية. ثالثًا: تُشكَلُ هذه الخطوة تخلّيًا عن اتفاقيات دولية، الولايات المتحدة طرف فيها، بما في ذلك اتفاق أوسلو، وتخلّيًا عن ضمانات سابقة، بما في ذلك رسالة الضمانات الموجهة إلى الجانب الفلسطيني قبيل مؤتمر مدريد. رابعًا: تُشكل اعتداء صارخًا على حقوق المسلمين والمسيحيين، والحقوق الوطنية الفلسطينية، وستمس بالوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس. خامسًا: تشكّل سياسيًا إلغاء للعملية التفاوضية التي بدأت منذ توقيع اتفاق أوسلو، وبالتالي إلغاء الحل السياسي، وربما إلغاء حل الدولتين من خلال المفاوضات. أما بالنسبة إلى النتائج المترتبة على نقل السفارة، فهي أولًا ضرب النظم الدولية والقانون الدولي والمصالح الدولية المتعددة في القدس، وثانيًا، ضرب إمكانية تحقيق السلام عبر التسوية السياسية، وثالثًا، إخراج الولايات المتحدة من موقع الوسيط، ووضعها في موقع الدولة الخارجة والمعادية للعرب والمسلمين والمهددة للأمن والسلم الدوليين. وجوابًا عن سؤال ما العمل إزاء هذه الخطوة إن حصلت، قال القدوة: أولًا: جعل كل ما سبق واضحًا للجميع. ثانيًا: قطع العلاقة الفلسطينية مع كادر السفارة الأميركية المنقولة إلى القدس، ويترتب على هذه الخطوة إغلاق مكتب التمثيل الفلسطيني في واشنطن، وهذا الكلام لا ألقيه ببساطة، فأنا أعرف أهمية الولايات المتحدة، ولكن إذا أقدمت على هذه الخطوة فلا مفر من التعامل معها على هذا الأساس. ثالثًا: الإعلان عن عدم الاستعداد للتعاون مع الولايات المتحدة كوسيط، لا بشكل مباشر، ولا ضمن الرباعية الدولية، مع التأكيد على الاستعداد الدائم للحديث مع الولايات المتحدة والتعاون معها عند اتخاذ خطوات معاكسة. رابعًا: تقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي ضد عضو دائم من أعضائه لانتهاكه المباشر لقرارات المجلس، ودعوته للنظر في اتخاذ قرار للتراجع عن نقل السفارة، وهذا حصل سابقًا مع دول أخرى. وهنا، تقول المادة 27 من ميثاق الأمم المتحدة: "أن القرارات الدولية التي تتخذ تحت البند السادس في مجلس الأمن تطلب من عضو المجلس الذي هو طرف في النزاع المنظور فيه الامتناع عن التصويت". وهذا يعني أن احتمال النجاح في مجلس الأمن يتجاوز 60% إذا اشتغل الجانب الفلسطيني على هذا الأمر بشكل جيد. أما التحرك القانوني، مثل اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، فحتى إذا لم ننجح فيه، مع أن الأساس القانوني للشكوى شديد الوضوح، فهو أمر مهم لوضع حواجز ولجعل الآخرين يتعظون ويعرفون ماذا ينتظرهم إذا أقدموا على مثل هذه الخطوة. خامسًا: التحرك مع الأشقاء والأصدقاء للبحث في آليات جديدة للعملية السياسية، ولاتخاذ مواقف جماعية في التجمعات الدولية المختلفة، وفي الدول على انفراد لاتخاذ خطوات ولو كانت صغيرة. سادسًا: الاستعداد لما هو أسوأ ولاحتمال اتخاذ خطوات ستبدو منطقية نظرًا لتغير الموقف الأميركي، أو على الأقل لجهة أن الحكومة الإسرائيلية سترى في هذا التغير فرصة تاريخية لضم مستعمرات أو مناطق بكاملها. سابعًا: الاستمرار في اعتبار أن المعركة الأساسية ضد الاستعمار الاستيطاني وتعبئة كل القوى والطاقات الفلسطينية ضد هذا الخطر. ثامنًا: استخدام القنوات القانونية المتاحة فيما يخص مطالبة الدول بأن تلتزم وتنفذ التزاماتها التعاقديّة باتفاقية جنيف وغيرها إزاء المستعمرات والعاملين والهيئات العاملة فيها. ما يميز مقترحات القدوة أنها عملية ومحددة ومركزة على معاقبة من سيتخذ خطوة نقل السفارة، وهي الولايات المتحدة، وهذا يجعلها تختلف عن اجتهادات أخرى ركزت على الحديث عن فتح "أبواب جهنم"، وسحب الاعتراف بإسرائيل، وتنفيذ قرارات المجلس المركزي، وسحب البلدان العربية لسفاراتها من واشنطن، وتجميد عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، وهي خطوات مهمة، ولكنها إما أنها غير محددة وليست واقعية، أو اتخذت في قرارات سابقة على مستوى المجلس المركزي ولم تنفذ، وهذا يمكن تفسيره كنوع من التهرب من الرد المطلوب على خطوة نقل السفارة. لا يمكن اختصار الخطر بنقل السفارة، فما يمكن أن يجري من دونها لا يقل خطورة، كما لاحظنا من خلال إعلان الحكومة الإسرائيلية رفع جميع القيود على التوسّع الاستيطاني، وكأنّ هناك قيودًا تذكر؛ ما يعني أننا أمام سيناريوهين أسوأ من بعضهما: ضم "قانوني" مع نقل السفارة، أو زاحف للأراضي، أو دعم إسرائيل بالكامل من دون نقل السفارة من خلال دعم تفاوض ثنائي دون تدخل لإعطاء شرعية للأمر الواقع الاحتلالي العنصري الذي أقامته إسرائيل وفرض حل تصفوي للقضية الفلسطينية. يجب وضع مقترحات القدوة على قاعدة البحث على طاولة الحوار الوطني الشامل لبلورته وتطويره، ومن ثم تقديمه إلى القيادة الفلسطينية لاعتماده. وإضافة إلى ما تقدم به القدوة هناك أهمية عظمى لبلورة رؤية شاملة ينبثق عنها مسار سياسي جديد، يكون في أساسه الرهان على الشعب الفلسطيني، بحيث يُستنفر داخل الوطن وخارجه بأوسع تحركات شعبية ضد الاحتلال والاستعمار الاستيطاني، ومواجهة خطوة نقل السفارة وغيرها من الخطوات الإسرائيلية التي من المحتمل اتخاذها، مثل ضم مستعمرات أو مناطق لإسرائيل، ومن المحتمل تأييد إدارة ترامب لها، لأن الإقدام على هذه الخطوة وأمثالها يغير قواعد اللعبة برمتها، ما يجعل الفلسطينيين بحاجة إلى الرد بمستوى المخاطر والتحديات وما يتطلبه ذلك من تغيير المسار والسياسات والخطط والأشخاص، فلن ينفع اعتماد نفس السياسات أو تعديلها قليلًا، ولا نفس اللاعبين الذين استنزفوا في اللعبة القديمة، فالمواجهة هي التي ستسيطر على المشهد القادم. إن الممكن تحقيقه في هذه الظروف الحفاظُ على القضية حية وعلى الدور الفلسطيني فاعلًا، وتعزيز عوامل الصمود والتواجد البشري على أرض فلسطين، وإعادة الاعتبار لخيار المقاومة، والمقاطعة، إلى جانب العمل السياسي والديبلوماسي والقانوني على طريق تغيير موازين القوى؛ حتى تسمح بدحر الاحتلال وتحقيق الحقوق الوطنية الفلسطينية. تأسيسًا على ما سبق، يكتسب العمل لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة أهمية فائقة، ولكن من خلال وضعه في سياق إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية بوصفها قضية تحرر وطني، وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير على أسس وطنية وديمقراطية توافقية ومشاركة سياسية كاملة، إضافة إلى تحديد علاقة السلطة بالمشروع الوطني والمنظمة، بحيث يتم تغيير شكلها ووظائفها والتزاماتها بما يخدم تحقيق الحقوق الوطنية. |