وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

"رضيع غزة" يسلّط الضوء على ملف "مجهولي النسب"

نشر بتاريخ: 28/01/2017 ( آخر تحديث: 29/01/2017 الساعة: 13:42 )
"رضيع غزة" يسلّط الضوء على ملف "مجهولي النسب"
غزة- تقرير معا - فتحت الساعات القاسية الماضية التي أمضاها الرضيع الذي عُثر عليه في محيط معهد الأمل في قطاع غزة مساء الجمعة ملف الاطفال "مجهولي النسب" في القطاع، والذي ينتقلون بعد تلقي العلاج الى الجمعية الوحيدة التي تُعنى بالأطفال مجهولي النسب "جميعه مبرة الرحمة".
هذا الرضيع الذي لم تشفع له براءته وحاجته الملحة للدفئ والرضاعة والاحتضان من أن يتم رميه بالشارع في اشد أيام فصل الشتاء برودة، فاتحا الباب أمام تساؤلات عديدة حول الدوافع التي دفعت الام للتخلي عنه بهذه الطريقة التي وصفت بأنها الأكثر وحشية.
معا وفي محاولتها معرفة حثيثيات الحادث من خلال شهود عيان علمت أن الطفل تم وضعه في محيط معهد الأمل للأيتام في مدينة غزة، وفي تفاصيل أكثر دقة علمت معا أن سيدة وضعته في محيط المعهد وقالت لأحدهم "هذا أمانة عندكم" وقام الاخير بتسليمه للشرطة.
دافع مراسلة معا لمتابعة هذا الملف، جاء بعد متابعتها تعليقات المواطنين على هذا الخبر على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" امس، فمنهم من فقد قدرته على فهم قسوة قلب الام التي القت رضيعها في الشارع، وآخرون قالوا ربما الظروف التي تمر بها هذه الام اصعب من ان نتخيلها، فلربما كانت الام ضحية وليست مذنبة، وتساءل المعلقون هل تستطيع الام ترك رضيعها فالقطة لا تترك طفلها.. وتعليقات اخرى غلب عليها الحكم المطلق على والدة الطفل انها المجرمة والمذنبة... ولكن... من المجرم.!!!
الطفل الرضيع سيكون رقم 16 ممن يعيشون من اقرانه في جمعية مبرة الرحمة وسيكون له قريبا اسم تختاره الجمعية لمدة سبعة شهور لحين ايجاد اسرة غير منجبة تكون حاضنة له.
وفي تفاصيل الحضانة الشرعية للأطفال مجهولي النسب قال مؤمن بركات مدير الجمعية أن الجمعية تقوم باستخراج شهادة ميلاد رسمية لهم واعطائهم الاسم الأول فقط والباقي تدخله دائرة الأحوال المدنية في وزارة الداخلية بحيث يكون اسم رباعي لا يتعارض مع أي عائلة من عائلات قطاع غزة.
وأشار بركات الى أن الجميعة حصلت على فتوى شرعية بإضافة كلمة "مولى" بعد أن يتم حضانة الطفل ليحصل على اسم العائلة الحاضنة مثلا أن يكون الطفل على سبيل المثال "محمد مولى محمود احمد".
ويصل الأطفال مجهولي النسب الى جمعية مبرة الرحمة من الجهات الرسمية سواء شرطة او المشافي ومنذ اللحظة الأولى لوصوله يتم فحصه طبيا وتوثيق الحالة التي وصل بها وثم يتم عمل الاجراءات اللازمة من خلال التواصل مع المحكمة الشرعية والنائب العام لاستخراج شهادة ميلاد رسمية لينال حقوقه المدنية كأي إنسان في قطاع غزة.
وحول أعداد الأطفال مجهولي النسب أكد بركات ان العدد الذي يصل الى الجمعية انخفض في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ حيث سجل في السنوات الاخيرة وصول ما بين 3-4 أطفال فقط وهذا العدد يختلف عن عهد الاحتلال حيث كان العدد أكثر، وبلغت أعلى نسبة للأطفال مجهولي النسب الذين وصلوا الى الجمعية في العام ما بين 97 و98 حيث وصل الى الجمعية 11 طفل.
كثير من هؤلاء الأطفال كما يقول بركات مضوا في حياتهم العملية فتعلموا وكبروا وتزوجوا وأنجبوا من القاعدة التي تؤكد انه لا ذنب لهم فيما اقترف أباؤهم فهم لديهم كامل الحقوق في مختلف مناحي الحياة وتساءل بركات:" ما الذي يمنعهم من أن يكملوا حياتهم إذا كانوا أصحاب خلق ودين".
وانضم للمؤسسة منذ نشأتها 173 طفلاً مجهول النسب، فتأتي بهم جهات رسمية كالشرطة، منهم 152 طفلا احتضنتهم عائلات من قطاع غزة على مر السنوات الماضية، وبقي 15 طفلا وشابا، ومنهم من يتوفى لأنه يصل إلى الجمعية مريضاً أو مصابا بجروح نتيجة تركه في الشارع، مؤكدا انه لم يحدث ان عاد احد وسأل عن طفله.
الدوافع
الدوافع التي ادت الى التخلي عن هذا الطفل كانت اكبر من الام نفسها التي قيل انها "تجرّدت" من الامومة مرغمة لا برضاها فأي ام ستترك رضيعها يرسم حياته لوحده منذ اليوم الاول لولادته فتُحرم من احتضانه، وهي التي اطلقت صرخات الولادة معلنة قدومه وبحسب ترجيحات المختصين في شؤون المراة وعلم النفس فان احتمال "سفاح القربى" يقع خلف هذه الحادثة اكثر من أي احتمال اخر كالفقر مثلا او الانجاب بدون زواج نتيجة علاقات غير شرعية.
نادية ابو نحلة مديرة طاقم شؤون المراة ومختصة في شؤون النساء في قطاع غزة رفضت ان يكون الفقر هو السبب وراء تخلي العائلة عن الطفل مرجحة ان يكون خيار "سفاح القربي وزنى المحارم" هو الاقرب لتبرير الحادث.
وتقول في هذا الصدد:" اعتقد انه عندما يتم الحمل لفترة طويلة وينتهي بالولادة ويتم التخلص من الطفل بشكل غير رسمي خارج إطار القانون فإن 80% هي مؤشرات سفاح قربى والعائلة طرف بالموضوع ويمكن أن يكون سفاح قربى من الأب أو الأخ من العم أو الخال أو رجال العائلة بغض النظر من هم".
وذهبت ابو نحلة في ترجيحاتها الى ان يكون هذا الطفل هو نتيجة علاقة غير سليمة وغير صحية وغير شرعية وبالتالي كان هناك واقع وضغط كبير على العائلة كلها وليس المرأة التي اجبرت على التخلي عن هذا الرضيع".
وتابعت:" بالتالي حتى العائلة لا تكون في موضع إدانة مجتمعية لأن غزة بها قانون اجتماعي يحترم العلاقات الاجتماعية ويدين بشكل كبير "سفاح القربى" أكثر من العلاقات خارج إطار الزواج لأنها محرمات دينية وفكرية واجتماعية المجتمع يرفضها بكل شرائحه وبكل قطاعاته بغض النظر عن موقفه الايدلوجي هناك موقف رافض لكل جرائم سفاح القربى وزنى المحارم وبالتالي اعتقد ان الهدف منه حماية العائلة وسمعتها وليس حماية الطفل والمرأة وهذا يتطلب مراقبة واهتمام بشكل كبير".
وتساءلت أبو نحلة لماذا لا يتم استخدام الكاميرات المنتشرة في تلك المنطقة التي وجد بها الطفل لرصد الوضع الذي تم به إلقاء الطفل بحث يمكن الوصول إلى الأطرف التي قامت برمي هذا الطفل ومحاسبتهم ومعاقبتهم.
وبحسب ابو نحلة فإنه مجرد ترجيح وجودة المرأة واغتصابها بـ"سفاح قربى" هذا يعني أنها في وضع اخلاقي منهار ولا يوجد لها حماية وسيتم ابتزازها وبالتالي يجب متابعة وفتح ملفات تحقيق كاملة في هذا الموضوع وتوفير حماية لهذه السيدة التي تم الاعتداء عليها ومصادرة كل حقوقها مشددة انها ربما كانت في بيئة غير آمنة وقبل الولادة وبعدها وحياتها مهددة بالخطر وتكرار الاعتداء والاغتصاب.
واشارت ابو نحلة الى ان فكرة اغتصاب السيدة من محارم بحد ذاتها انتهاك خطير لكرامتها وحياتها وحقوقها مرجحة انها تعيش في ظروف نفسية واجتماعية صعبة .
وتابعت:" قد تكون نجت من العقاب الاجتماعي الذي يعاقب النساء بالقتل تحت ذرائع الشرف ولكن هي ستعيش لمدى الحياة بنفس حزينة ومشاكل نفسية واجتماعية صعبة"، وتؤكد ان النساء ضحايا الاغتصاب يعانين اضعافا مضاعفة من النساء الذين يتعرضون لكل اشكال العنف لان الاغتصاب له تبعات نفسية واجتماعية صعبة على النساء".
الدكتور فضل ابو هين الأخصائي النفسي ذهب لترجيح نفس الفرضية التي تحدثت عنها ابو نحلة مؤكدا ان مجتمعنا له طقوسه الخاصة وعندما تشيع خبر الحمل الكل يفرح ويكون في حالة انفعالية جيدة.
وتابع ابو هين :"اعتقد ان هذه الحالة هي حالة سفاح وحالة غير شرعية ،،،فالأم الطبيعية والزوجة الطبيعية حينما يأتيها الجنين وسيصبح طفل تشعر بأنوثتها وأنها زوجة وفي هذه الحالة حينما قرب موعد الميلاد قرب موعد الفضيحة والأمور السيئة وبالتالي هو ليس راحة لها وإنما جحيم وأذى لها".
وأكد أبو هين ان المجتمع الفلسطيني مهما كان وضع أي أسرة من الأسر فان الجنين بالنسبة لها عزة وكرامة وتأكيد لزواجها ولذاتها وهي تنتظره بأي حال من الأحوال وتساءل:" لكن ما الذي يدفعها إلى هذا الوضع حينما يكون طفل سفاح فان قرب من تشويه سمعتها وتشويه عائلتها وقربت الفضيحة وتشويه وقاعها وبالتالي يتم رميه للتخلص من تبعات هذا الموضوع".
وأيا كانت الترجيحات فان حادثة العثور على الطفل تفتح الباب أمام أهمية التوعية والإرشاد للنساء المعنفات وأهمية توفير الحماية لهن خاصة من يتعرضن للعنف داخل العائلة في ظل مجتمع به إشكاليات كبيرة تتفاقم نتيجة الضغوطات النفسية والاجتماعية.
كما تفتح الحادثة الباب على انتهاك حق الطفل ورميه في الشارع بدون حماية وبدون المحافظة على حقه في الحياة فهذا بحد ذاته جريمة بغض النظر عن الظروف التي تعيشها الأم أو الأب أو أي احد له طرف بالموضوع.

تقرير: هدية الغول