|
الإدارات الأميركية المتعاقبة دعمت ضم القدس وأيدت الاستيطان
نشر بتاريخ: 05/02/2017 ( آخر تحديث: 05/02/2017 الساعة: 10:35 )
الكاتب: محمد خضر قرش
منذ عدوان حزيران عام 1967 والإدارات الأميركية المتعاقبة تتخذ مواقف لفظية عامة من قيام سلطات الاحتلال الإسرائيلية بضم القدس الشرقية إليها وتوحيدها وجعلها عاصمة لها ونفس الشيء بالنسبة للاستيطان وحتى لاحتلالها للأرض والصمت على كل اعتداءاتها. فمنذ أن وضع عدوان عام 1967، أوزاره اكتفت واشنطن بعدم الاعتراف بضم القدس شفويا لكنها بالمقابل لم توافق البتة على أية قرارات ملزمة تصدر عن مجلس الأمن الدولي – كما فعلت مع العراق العربي حينما دخل الكويت - لسلطات الاحتلال تطالبها بوقف التهويد وتغيير معالم المدينة وهدم البيوت فيها وامتناعها عن إصدار تراخيص للبناء وفصلها عن محيطها وبيئتها وحاضنتها الوطنية الفلسطينية.
ولم تتوقف الإدارات المتعاقبة عند هذا الحد المؤيد عمليا للاحتلال وإنما ضغطت بشدة دون توجه الفلسطينيين إلى مجلس الأمن الدولي للتصويت على قرار محكمة العدل الدولية ضد الجدار العنصري الذي أقامته حول مدينة القدس والذي شبهه الرئيس جورج بوش الابن كالثعبان الذي يتلوى، مهددة دائما باستخدام الفيتو وكذلك فعلت مع تقرير جولد ستون حول المجازر وجرائم الحرب التي ارتكبتها سلطات الاحتلال في عدوانها على الشعب الفلسطيني المستمر في جناحي الوطن. بل انه وحتى تاريخه لم توافق الإدارات الأميركية المتعاقبة على صدور قرارات دولية وفقا للمادة السابعة من مجلس الأمن تدين التوسع الاستيطاني الذي اتسع وجزأ الضفة الغربية إلى قطع وتجاويف ودوائر ومربعات شبيهة بالجبنة السويسرية كما قال الرئيس الأميركي السابق الإشارة إليه، فيما عدا امتناعها عن التصويت في اخر أسبوعين من انتهاء ولاية باراك اوباما دون ان يرافقه أو يصاحبه إجراءات عملية مكملة أو متممة لتنفيذ القرار المذكور وغيره كثير. فواشنطن تتعامل مع الفلسطينيين على قاعدة- صحيح لا تقسم ومقسوم لا تأكل وكُل حتى تشبع-. فالتصريحات اللفظية للمسؤولين الأميركيين لم تمنع الاحتلال من مواصلة سياساته الاستيطانية في القدس والضفة. فواشنطن لو كانت راغبة حقا في عدم ضم القدس للاحتلال ووقف الاستيطان وهدم المنازل فيها لكانت فعلت ذلك منذ أول حجر أساس تم وضعه لمستوطنة بُنيت في القدس والضفة. فواشنطن ضد بناء المستوطنات لفظيا وكلاميا وشفويا ونظريا لكنها ضد اتخاذ إجراءات عملية لإجبار سلطات الاحتلال على وقف سياسة الضم والإلحاق وتهويد المدينة المقدسة. سلطات الاحتلال لو شعرت يوما أن الإدارات الأميركية المتعاقبة جادة وراغبة فعليا في إنهاء احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة والجولان لانسحبت منها منذ سنوات طويلة. والدليل انه بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 طلب الرئيس الأميركي إيزنهاور من ديفيد بن غوريون الانسحاب الفوري من سيناء فأذعن للأمر وانسحب خلال أقل من ستة شهور. فالمساعدات المالية الأميركية تتدفق لإسرائيل بمتوسط ثلاثة مليارات دولار سنويا بدون تحفظ أو وضع شروط كما تفعل مع الدول العربية وغيرها والأسلحة من كل الأنواع لم يتوقف إرسالها أبدا والمناورات المشتركة بينهما مستمرة والتعاون التقني في المجالات العسكرية وخاصة الصناعات الدفاعية في مختلف المجالات البرية والجوية والبحرية وحتى الفضائية المتعلقة بالأقمار الصناعية وبتجارب الاعتراضات الصاروخية من باتريوت وملاحقه لم تتوقف يوما،لذا لا تجد إسرائيل نفسها مجبرة أو تحت ضغط فعلي لوقف إجراءات ضم القدس ومواصلة الاستيطان فيها وفي الضفة الغربية؟؟. العبارات الإنشائية واللفظية المكررة والمخصصة للاستهلاك الإعلامي من قبل المسؤولين الأميركيين "باعتبار الاستيطان يشكل عقبة في وجه السلام وحل الدولتين وان مصير القدس يتحدد في المفاوضات النهائية “ليس أكثر من مجرد ذر الرماد في العيون وللتغرير والتضليل. وهناك نقطة عملية في غاية الأهمية اتخذتها واشنطن تعكس موافقتها على ضم القدس الشرقية تدريجيا وعدم اعتراضها الفعلي على الاستيطان فيها هو قيامها بإغلاق قنصليتها في القدس الشرقية الواقعة في شارع نابلس قبل نحو أربع سنوات إلى القدس الغربية إنما يعبر عن موافقتها عن أن المدينة المقدسة لم يعد لها وضعا مستقلا مرتبطا بالضفة الغربية وبإزالة عدوان 1967 طبقا لقرار مجلس الامن الدولي رقم 242. فلم يعد بمقدور الفلسطيني في القدس والضفة والقطاع تصديق أي معاملة أو الحصول على فيزا(تأشيرة) من القنصلية الأميركية في القدس الشرقية – والتي تحولت إلى مركز ثقافي - بل يتوجب عليه الذهاب إلى القدس الغربية. فماذا يعني هذا غير موافقتها على الضم وتوحيد الشطرين من المدينة المقدسة كعاصمة لدولة الاحتلال؟؟ وأهمية هذه النقطة تتأتى من أن كافة القنصليات الأجنبية القائمة في القدس الشرقية قبل عدوان حزيران بما فيها القنصلية الأميركية كانت وما زالت ترتبط مع وزارات الخارجية في عواصمها مباشرة وليس عبر سفاراتها في تل ابيب، فوزارات الخارجية في هذه البلدان هي المسؤولة عن عمل وأداء ومتابعة أعمال هذه القنصليات مباشرة. لذا فلا قيمة هنا للمواقف اللفظية المكررة والمملة والتي ليس لها رصيد، على لسان بعض المسؤولين الأميركيين لأنها لا تعني شيئا ولن توقف سياسة اغتصاب الأرض ومصادرتها خطوة بعد خطوة التي تنتهجها سلطات الاحتلال ضد القدس العربية. إن رفض الإدارات الأميركية المتعاقبة لتوجه الفلسطينيين إلى مجلس الأمن الدولي لإجبار إسرائيل على الانسحاب وتطبيق الشرعية الدولية بحجة أن ذلك سيؤثر على مفاوضات الحل النهائي إنما هو عذر وحجة أقبح من ذنب. فلو أرادت إسرائيل التسوية السياسية لفعلت ذلك بعد حرب أكتوبر1973 واتفاقيات اوسلوا، لذا فلا قيمة ولا أهمية لرؤية دموع التماسيح أو دموع الصياد وهو يهم يذبح الطيور، فالمهم هو ما تفعله يداه المتلطختان بالدماء وغير المتوقفتين عن القتل والذبح منذ سبعة عقود متصلة باستخدام السكاكين الأميركية الصنع. الفلسطينيون لا يريدون تصريحات لا تسمن ولا تغني من جوع ولا مواقف لفظية لا تعكس الرغبة والنية في تنفيذها على أرض الواقع. الفلسطينيون يتطلعون إلى فعل جدي من الإدارات الأميركية يلمسه المقدسيون والفلسطينيون والعرب. من هنا فان القول بان واشنطن ضد الاستيطان وتهويد القدس غير صحيح ويتعارض مع كل ما تقوم به من حماية إسرائيل المعتدية في مجلس الأمن واستخدام الفيتو لصالحها أيضا. من هنا نقول بأن الولايات المتحدة الأميركية كانت مع التوسع الاستيطاني في القدس والضفة وهي مع ضم القدس. فالسياسات التي تنتهجها سلطات الاحتلال تدريجيا وخطوة خطوة تطبيقا لسياسة هنري كيسنجر متفق عليها مع الإدارات الأميركية المتعاقبة. لم يعد الفلسطينيون والمقدسيون خاصة يثقون بالتصريحات الأميركية الفارغة التي تماثل إصدار الشيكات بلا رصيد بشكل دوري، فلم يعيدوا يقبلوها كضمانة لكونها غير قابلة للصرف. فتصريحاتها الورقية لم تعد تصلح حتى للف الترمس أو لوضع الزعتر والفلافل والكعك المقدسي بها. واشنطن لم تعد قادرة على بيع السلق على أهل سلوان الذين يئنون تحت وطأة الاحتلال الظالم والغاشم لحيَهم والناجم عن اغتصاب عقاراتهم ومصادرتها. فالرئيس أوباما المغادر أسوأ من ترمب القادم والعكس أيضا صحيح. الولايات المتحدة الأميركية دولة مارقة بامتياز ولا تستجيب إلا حينما تتضرر مصالحها وبدون ذلك لن تستمع واشنطن لكل المناشدات والدعوات الحزينة واليائسة والناجمة عن الضعف وقلة الحيلة، التي يطلقها العرب فما دامت مصالحها مؤمنة ومضمونة ومحمية بل ومزدهرة فما الذي يجبرها على الضغط على سلطات الاحتلال؟ |