وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

استعادة الشعب العربي

نشر بتاريخ: 06/02/2017 ( آخر تحديث: 06/02/2017 الساعة: 10:16 )
استعادة الشعب العربي
الكاتب: تحسين يقين
لعلها "عودة الروح"!
أو الوعي، أو الفعل، ولا روح ولا وعي ولا فعل بدونهم: الناس، الشعب!
الفن والمؤسسة الدينية والتربية والإعلام والاقتصاد والسياسة!
منظومة، إنها منظومة!
هل يمكن "سنسلة" الأمور بسلاسة؟ حاول يوما دريد لحام في لحظة بين الصحو والسكر الإجابة هو ومحمد الماغوط، لكنهما ركزا على الجانب السياسي، والحق أقوله كما يظن كثيرون، أن الجوانب كلها جانب واحد!
في "عودة الروح" لتوفيق الحكيم كانت رسالة الرواية هي التحرر من الاستعمار من خلال استعادة الروح التاريخية، واليوم لعلنا نتحرر من الاستعمار وتوابعه، ومن الجهل وأقربائه، من خلال استعادة أنفسنا، الاستعادة الواعية والمنتمية والملتزمة لنفسها والجماعة والجمهور.
لماذا انفض الجمهور مبكرا؟
لماذا زادت الفجوة؟
نحاول، وأيضا أرجو من القراء والقارئات مشاركتي في التفكير والفعل؛ لأن مسؤولياتنا جميعا تقتضي الفعل، ولم يعد مجال للزهد فيه!
صحيح أن المطلوب الآن: انقذني أولا ودع الملامة ثانيا!
ولكن، وباعتبار أن التشخيص يقود إلى العتاب واللوم_ إلا أننا ما زلنا بحاجة للتشخيص والتطبيب معا، فكلما شخصنا استطعنا المعالجة.
سنحاول مقاربة ذلك في مجالات المؤسسة الدينية، والتربية والإعلام، وبالطبع لن يكون الاقتصاد ولا بعيدا ولا نظم الحكم والسياسة بعيدة ولا بريئة، ولا الحالة الدولية، فالعلاقات بين الدول هي كالعلاقات بين النظم، وهي تتجلى في العلاقات داخل كل نظام على حدة.
ولعلي، وآخرين قبلنا وبعدنا، يتذكرون أنفسهم/ن كمشاهدين وشاهدين، لنمتلك مصداقية التفكير.
كلما نضجنا نستطيع تكثيف وصفنا، واستطعنا الاختصار أيضا..هي قصة تطول، لكن أحداثها الرئيسة محدودة!
في الفن: منذ الثمانينات، طغى على المشهد الثقافي والفني التسطيح بدعم من النظم الهزيلة، فصرنا مخيرين مثلا في السينما، بين فيلم هابط وآخر أكثر هبوطا، وفي المسرح كذاك، وفي الأغنية والموسيقى، أما الأعمال الناضجة، فقد تم إبعادها عنا، وإبعادنا عنها، لسبب بسيط أن أصحابها لم يريدوا الولاء والتبعية للنظم، أو على حد نحت الشاعر سميح القاسم "لم تنشد ولم تنشد أمير المؤمنين"، بكسر الشين في الأولى وضم التاء في الثانية! وهنا أترك أبناء جيلي كيف تم إتخامنا بالفن الهابط. ولولا بقية باقية ممن قرأنا لهم وشاهدنا وسمعنا مما أسس لشيء بنا وفينا ولنا لضعنا. لولا صحوة أثارها سؤال: ضحكنا واستمتعنا، لكن ما هي الرسالة؟
في المؤسسة الدينية، وأقصد المؤسسات الدينية وأحزاب الإسلام السياسي، كنا مخيرين للأسف بين نمذجين: العالم على باب السلطان، والروافضة الذين راحوا يطعموننا الأماني والأحلام بالاعتماد على خدر الماضي لا استعادته بشكل إيجابي، والنتيجة حصدها المجتمع العربي، انفض الناس عن المؤسسات الرسمية، حيث اصطادت جماعات الإسلام السياسي الشباب، ولولا تأملنا فيما يجري بعمق، وتفحصنا بالحياة الدينية العادية المعتدلة التي تتفق مع الفطرة والحياة، لضعنا.
في التربية والتعليم: كنا مخيرين بين التعليم الرسمي التلقيني، أو التعليم غير الرسمي التلقيني أيضا، في المؤسسات والإعلام وغيره. ولما كان هم النظم تكوين تعليم يتفق وأهداف نظم الحكم في "تنبلة" الأجيال، فقد تمت التنبلة بمنهجية في المدارس والجامعات، ولم يكن من السهل النجاة منها، ولولا بقية من أسئلة ومشاعر ما خلصنا، رغم أننا لم ننج تماما، فما زلنا نعاني من مخلفاتها، وهزاتها الارتدادية.
الإعلام: كان أحاديا، سعى لتلقيننا، كل نظام فرح بما لديه، وهكذا فقد تم تلقيننا من هنا، ومن هناك رد تلقيني على التلقين الأول، فتشوشنا بين الصحف والإذاعات ثم التلفزيونات فيما بعد فالفقضائيات والاعلام الالكتروني. فصرنا مخيرين بين هذا الأحادي السطحي البوق وذلك المتماهي معه في المنهج والمختلف لاختلاف المصالح بين هذا الحزب أو النظام، ولم يكن من السهولة أن ننجو.
والاقتصاد: كان صعبا علينا كشباب رومانسيين فهم ذلك مبكرا، لكن صار من السهل فيما بعد تأمل علاقات القوة داخل المجتمع الواحد، وتبعية النظم للدول الكبرى، فصرنا نفهم تلك العلاقات والمصالح. وبالطبع حتى اللحظة نحن غير قادرين على الحسم، لا هنا ولا هناك، لأن حسم ذلك يحتاج إلى إرادة سياسية وشعبية، تكون منظومة الحياة أصلا تنسجم مع التغيير الذي ننشده. وهذا يفسر الانتكاسة التي أعقبت وواكبت ما سمي بالربيع العربي، حيث أن المنظومات ظلت كما هي، فلم تتغير النظم لكن فقط الأفراد، وتلك مأساة ما حصل في الواقع، وما يحصل في التعبير عن ذلك في الأدب والفن، كما في مسرحية "دوخة" التونسية التي تساءلت كاتبت النص ومخرجته عما حدث ويحدث بعمق والتزام ووفاء وجرأة.
السياسة، تحصيل حاصل!
والنتيجة، انفض الشعب عن النظم، وتسارعت القطيعة، وصولا إلى تعبئة الفراغات بداعش وغيره!
هذا ما شهدناه، وما نشهده، والآن نحاول استعادته ثقافيا وفنيا.
نحاول استعادة الجمهور الثقافي والفني!
ستظل الثقافة مفتاح النهضة، هكذا كانت في البدء، والوسط، والآن وغدا..
لنركز قليلا هنا: لو أنفقت النظم على الثقافة والفن لتم تحصين الشباب والشعوب أمام المدّ الماضوي، المرتبط عضويا بالطامعين بخيراتنا.
كان من الممكن لبضع من الملايين المرصودة للثقافة والفنون أن توفّر علينا العشرات بل المئات من الملايين وأكثر؛ لكن خوف النظم من الثقافة والفنون الجادة أن تؤثر على ديمومة الحال، دفعها لإبراز وإشهار ما هو سطحي يستخدم الكوميديا الهابطة والجنس الرخيص، وتشجيع خفي على الإقبال على المخدرات المادية والمعنوية.
لا ينبغي أن يطول انتظارنا، فالعلاج معروف، وعلى النظم أن تفعل مرة ما فيه الخير، بأن تستعيد الشعوب والشباب بشكل خاص، لأن مصيرنا اليوم مرتبط بهذه الاستعادة، حتى ولو جاءت متأخرة.
لا تسألني إن كان سقوط برلين وتغير الأيديولوجيا هو السبب، لأن هبوطنا كان قبل ذلك بكثير!
معروف لنا بداية الهبوط والانتكاس تاريخيا أيضا وليس فيما بعد الاستقلال أو ما بعد 1967!
الفن ورجال الدين والتربية والإعلام والاقتصاد والسياسة!
إنها منظومة!
إنها كذلك!
"أعطني مسرحا أعطيك شعبا عظيما"، وأضاف آخر: خبزا على المسرح ليعطي شعبا مثقفا"..لا نعرف على وجه الدقة من قال الأولى، والثانية كذلك وإن نسبت مرة لأفلاطون وأخرى لشكسبير.
لعل آخرين "يسنسلونها" مرة أخرى، وهم يفعلون ما يجب حتى نظل هنا، على هذه الأرض العربية العزيزة.
كفانا اختيارا بين السيئ والأسوأ!
وستظل الثقافة مفتاح النجاة والخلاص والعبور وتحصين الشعوب العربية ضد الظلامية والتخلف والتطرف والاستبداد.