وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

جريمة في رام الله

نشر بتاريخ: 08/02/2017 ( آخر تحديث: 08/02/2017 الساعة: 11:10 )
جريمة في رام الله
الكاتب: رائد محمد الدبعي
لم أتفاجأ أبدا بحجم الجدل، ومساحة الاهتمام الشعبي الذي واكب قرار النائب العام الفلسطيني بضبط كافة نسخ رواية "جريمة في رام الله" في كافة محافظات الوطن، عبر فضاء العالم الوهمي ممثلا بوسائل التواصل الاجتماعي، وأتوقع أن يخصص العديد من خطباء المساجد خطبهم القادمة للحديث عن الموضوع، إذ أن المجتمعات الشرقية بشكل عام، بما فيها مجتمعنا الفلسطيني، تتفاعل مع الأخبار المثيرة، ولا سيما إن كانت تحمل في طياتها مدلولات جنسية، تفسح مجالا رحبا، وتشكل فرصة خصبة، لاستحضار روايات مشوقة على المقاهي، وفي الجلسات العامة، لا تخلو من المبالغة، وإضافة الرتوش التي تخدم خيال المتحدث، أو تسترعي اهتمام المتلقي، ولا سيما في ظل حالة الإحباط، واليأس وانعدام الأمل التي يعيشها المواطن الفلسطيني في ظل انغلاق دواعي الأمل، وانسداد آفاق أي تطور في أي من المجالات ، كما أنها تشكل ساحة هامة للتنظير، والتعبئة، والاستحواذ على اهتمام الرأي العام الشعبوي البسيط، الذي يلقي السمع طربا للأخبار المغلفة بطبقات من المبالغة، والعبارات العامة، التي تفسح المجال للخيال أن يغوص في تخيلاته الجنسية بلا حدود، تحت شعار الدفاع عن عفة المجتمع، وأخلاقه، أو منع خدش الحياء العام .
بكل الأحوال، لست هنا للدفاع عن كاتب الرواية، أو لوضعه تحت المقصلة، وليست الرواية هي المقصودة في هذا السطور، فأنا حتى اللحظة، كغيري من معظم من كتب، أو صرّح حول هذا الموضوع، لم يطلع على الرواية بعد، أو اطلع على بعض عباراتها المجتزأة، عبر تغريدات بعض المواطنين في وسائل التواصل الإجتماعي، علما بأن الصخب الذي تركه قرار النائب العام، سيحفز عشرات الآلاف من الشباب، على قراءاتها، وسيقود نحو نشر نسخ رقمية منها، ستتاح لجميع القراء على امتداد المعمورة مجانا ، كما أرى أن قرار النائب العام، سيقود نحو ميلاد القصة بلغات متعددة، كما حصل مع رواية الخبز الحافي لمحمد شكري، التي ترجمت إلى ثمانية وثلاثون لغة أجنبية، قبل أن تطبع باللغة العربية، أو أولاد حارتنا لنجيب محفوظ،
ما أسترعى اهتمامي هو مصادفة قرار النائب العام بحجب الرواية، وضبط نسخها مع مصادقة برلمان الاحتلال على قانون شرعنة الاستيطان وسرقة الأراضي الفلسطينية، وبعد أقل من ثمان واربعين ساعة على خوض أسرانا في سجون الاحتلال، معارك حقيقية داخل سجون الاحتلال، كادت أن تقود لا قدر الله إلى سقوط العشرات منهم شهداء، لولا لطف الله، وإرادتهم الفولاذية في وجه القمع المتصاعد يوميا ضدهم من قبل إدارة السجون العسكرية، وبغطاء كامل من حكومة الاحتلال.
المواطن البسيط ليس ملاما بجعله قصة الرواية تطغى على قرار المحتل الذي يكاد يكون الأخطر خلال العقود السبعة الماضية ، والذي يكتب عمليا السطور الأخيرة من رواية المخطط الصهيوني القائم على أرض أكثر وعرب أقل، كما أن التفاعل الشعبي الباهت مع أزمة الأسرى الأخيرة، وقضايا لا تقل أهمية مثل احتمال نقل الإدارة الأمريكية الجديدة لسفارتها من تل أبيب للقدس، جميعها مؤشرات إلى عقم أدوات ومنابر توجيه الرأي العام، والوعي العام، ممثلة برجال الدين، الذين شكلوا سابقا أحد أهم أعمدة تعبئة الجماهير، وصقل وعيهم الوطني، ويكفي أن نستحضر أسماء منها عز الدين القسام، والحاج أمين الحسيني، الذين حولوا محاريب المساجد إلى منصات لإطلاق الوعي الوطني، وكذلك وسائل الإعلام المستقلة، والحرة، والمؤسسات التعليمية على مختلف المستويات، وصناع الرأي العام، من أحزاب،وحركات، وقوى سياسية، وكتاب، وصحفيين، ومؤسسات شبابية، ومجتمع مدني، إذ أنها جميعا، توجه ثقافة المواطن، وتساهم في تحديد عمق وعيه، ومسارات اهتمامه.
بكل الأحوال، أرى أن هناك قرارات تستوجب الحزم أكثر لمنع خدش الحياء العام، منها على سبيل المثال، حظر المواقع الإباحية التي تحتل بيوتنا، علما أن العديد من الدول قد حظرتها بالفعل، إلا أن ما يخدش الحياء العام بنظري أكثر من أي شيء آخر، هو التصريحات الممجوجة حول إنهاء الانقسام الدامي، والذي أخرج الوطن بمواطنيه، ومؤسساته، ونظامه السياسي، من كونهم مواطنين، إلى رعايا، ومختطفين، وقصّر.