|
حول مؤتمر الشتات الفلسطيني
نشر بتاريخ: 22/02/2017 ( آخر تحديث: 22/02/2017 الساعة: 10:36 )
الكاتب: زهير الشاعر
كنت أتمنى أن يكون هناك إدراك مبكر لحالة التذمر الهائلة التي تجتاح الأوساط الفلسطينية بسبب حالة الفساد التي تنهش مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية التي بلغت ذروتها بين الفلسطينيين في كل أماكن تواجدهم الذين باتوا يرون بأن مقدرات هذه المنظمة أصبحت محتكرة لصالح فريق من المنتفعين وأبنائهم والذين تتقاطع مصالحهم بعيداً عن الهم الوطني الجامع للكل الفلسطيني.
مما حذا بالمثقفين والمفكرين وأصحاب الرؤى الوطنية من أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات للتداعي للإلتقاء في مدينة أسطنبول التركية في نهاية الشهر الجاري ، وقد فُسِرَت هذه المبادرة من البعض بأنها محاولة للإلتفاف على شرعية منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد ، ونزع شرعيتها بسبب ضعفها ووهنها وتآكلها من الداخل نتيجة الفساد الذي بات يفترسها. لكن في تقديري أن هذا المؤتمر لن يكون ضمن أهدافه في الوقت الحالي ايجاد بديل لمنظمة التحرير الفلسطينية وبالتالي لا داعي للمبالغة بالتعبير عن التخوفات من إنعقاده، لأن هناك حالة إدراك في صفوف الفلسطينين بشكل عام بأن ذلك الفكر يحمل مخاطر كبيرة على الهوية الفلسطينية من جهة أمام التحديات التي تواجهها القضية برمتها، ومن جهة أخر على الحالة الفلسطينية الأمنية التي تمثل الضمانة الحقيقية للسلم الإجتماعي بشكل عام. لذلك فإنني أرى بأنه في الوقت الحالي سيهتم هذا المؤتمر بتسليط الضوء على وضع الشتات الفلسطيني، ومواقع التهميش التي يعيشها أبناء الشتات والجاليات الفلسطينية والتحديات التي تواجه القضية الفلسطينية، ومحاولة طرح توصيات يكون الهدف منها جامع وليس إنشقاقي أو إفراز بدائل غير منطقية في ظل التحديات القائمة، أي أن المؤتمر من المفترض أن يكون لدعم القضية الفلسطينية على المستوى الخارجي وليس الدخول في إنقسام مع الوطن. لكن هذا لا يعني تجاهل حقيقة أن الجميع قد بدأ يعاني معاناة كبيرة من الطريقة الإدارية والسياسية الإنفرادية التي تتحكم بمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية التي تسيطر بالمجمل على كل المقدرات التي تهم الشعب الفلسطيني في الخارج ، لذلك يبدو بأنه كان لابد من التلويح بهذه الخطوة لدق الجرس أمام المسؤولين عن هذه المنظمة لجعلهم ينظرون إلى الأمر برمته بطريقة أكثر جدية و بمسؤولية أكبر وقدرة أوسع على إيجاد حلول خلاقة للمشاكل التي باتت متراكمة وتواجه أبناء الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجدهم. للنجاح بذلك لابد من الأخذ بعين الإعتبار بأنه بات هناك ضرورة مُلِحَة للبدء بإصلاحات هيكلية والعمل على معاينة الكادر الذي يتحكم بهذه المنظمة برمتها ، حيث باتت مصالحه متفرعة ومتقاطعة بدون رقابة أو قيود تُذْكَر!، كما أنه يتوجب مراجعة كافة قرارات التعيين خاصة فيما يتعلق بمراكز التحكم بالقرارات الإدارية التي باتت تعتمد المحسوبية نهجاً لها ، وتجير الوظائف للأقارب والمعارف وغيرهم في سياق المحسوبيات ، بعيداً عن الكفاءة والمهنية المطلوبة التي تتناسب مع أهمية هذه المؤسسة الوطنية التي تمثل العنوان الأشمل للشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، كما أنه يتوجب العمل على لجم من باتوا يتغولون على كرامة الإنسان الفلسطيني ومعاقبته حسب منشأه الجغرافي الذي يستهوي مزاجهم وأهوائهم من عدمه، وهذا الامر لا يتوفر الا بتحقيق الإرادة السياسية التي تتمثل في العمل الجاد والمسؤول عن ضرورة اعادة تفعيل ملف المصالحة الفلسطينية بشكل عملي قابل للتطبيق ، لكي يكون هناك قدرة على فرز فريق رقابي قوي يهتم بمتابعة أداء القائمين على هذه المنظمة المتهالكة، ليكون هناك ضمانة للحفاظ على كرامة المواطن الفلسطيني في كل أماكن تواجده. كما أنه لا يمكن تجاهل حقيقة أن هذه المنظمة هي المسؤولة الرئيسية عن الإنفاق على الدبلوماسية الفلسطينية من خلال ذراعها المالي المتمثل بالصندوق القومي الفلسطيني ، حيث أن لها ما يقارب من مائة بعثة دبلوماسية حول العالم ، وهذه باتت تمثل الخاصرة الرخوة للقضية الفلسطينية حيث أنها تستنزف موازنة كبيرة بلغت ما بين 13- 15 % من موازنة السلطة الفلسطينية التي تحصل على أموالها بإسم الشعب الفلسطيني من الدول المانحة بهدف الإرتقاء بمتطلباته الحياتية والعمل على تطوير المنظومة الفلسطينية بشكل عام ، كما يرى المراقبون بأنها أضرت بالقضية الفلسطينية عندما تحولت إلى وكيل أمني في بعض البلدان وسيفاً مشرعاً على الطلاب والجاليات الفلسطينية، مما يستوجب وقفة وطنية تضع هذا الملف ضمن أولويات اعادة اصلاحها. هذا عوضاً عن أن دور القائمين على منظمة التحرير الفلسطينية بات يحتكر مقدراتها على أولاد المسؤولين فيها ومنحهم درجات وظيفية عليا على حساب الكفاءات من أبناء الشعب الفلسطيني ، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد لا بل أنها باتت تدفع رواتب للخونة والعملاء في حين أنها تحجبها عنالوطنيين الشرفاء من أبناء الشعب الفلسطيني بدافع غامض يثير الشبهات والتساؤلات ، مما خلق قناعة أصبحت تتزايد بين الفلسطينيين في كل أماكن توجداهم حول أنه لن يتبقي لهذه المنظمة مبرراً لكيتستمر كممثل شرعي ووحيد له، إن لم تعدل من مسارها وتعاقب الأدوات الذين إستولوا على المسؤوليةعنها وإستباحوا بذلك كرامة أبناء شعبهم وتغولوا على مقدراتها!. هذا خلق تساؤلاً مشروعاً حول إن كانت منظمة التحرير الفلسطينية تمثل الفلسطينيين بكافة توجهاتهموإختلافاتهم وأماكن تواجدهم بالفعل ؟ ، أم أنها باتت مشروعاً إستثمارياً يخدم مصالح فريق يتداول الحكم في سياق مصالحه المتقاطعة؟، فإن كان الأمر الأول هو الصحيح بالفعل، فعلى القائمين عليها أنيدركوا بأنهم ليسوا ملوكاً ليستبيحوا مقرراتها ويسقطوا حقوق أبناء شعبهم ويحتكروا مقدراتها ويجيرواقوانينها بما يخدم بقائهم ومنافعهم ومصالحهم الخاصة على حساب كرامة وأوجاع وآلام أبناء شعبهم!. غير ذلك ستزداد الخشية من أن يكون هناك بديل قادم ويتم الإلتفاف حوله من أبناء الشعب الفلسطيني في كل أمكان تواجدهم، بغض النظر عن إسمه، ليمثل بذلك الفلسطينيين بكل توجهاتهم بدون تمييز جغرافي أو إحتكار لصلاحيات في يد أحد أو تجييره لأهداف خبيثة لجهة ما!، لأنه على ما يبدو بأنهناك قلق حقيقي من أن هذه المنظمة التي كانت على الدوام ولا زالت ترفع شعار بأنها الممثل الشرعيوالوحيد للشعب الفلسطيني ، ولكنها تتجاهل عن عمد بأنه بسبب طريقة أدائها الهزيلة هذه وتغولها على حقوق الفلسطينيين لا بل تورطها في بعض الأحيان في تجويع أطفالهم وحرمانهم من دوائهم وحليبهم، لم يعد يتبقى من ذلك إلا إسمها فقط بتركيبتها الحالية وشكلها القائم!، وهذا يعني بأنها لن تستمر طويلاً في نهجها القائم بعيداً عن الرقابة والمحاسبة ، وبالتالي لربما تنحصر مهام تمثيلها في المستقبل القريب فيطواقمها العاملين فيها والذين إعتمد معظمهم ثقافة إستغلال مقدرات الشعب الفلسطيني وقهر وإذلالأبنائه بإسمها لا بل باتوا يحتكرونها. ! من الجدير ذكره أيضاً بأنه بعد قضية الإنقسام برز هناك توجه لخلق جسم آخر كان يهدف لأن يكون بديلاً بالتدريج لمنظمة التحرير الفلسطينية يسمى شبكة فلسطين Palestine Network ، ويقال بأن القائمين على هذا المشروع المعروفة أسمائهم وهم مسؤولين كبار، بعضهم لا زال موجود على رأس عمله في منظمة التحرير الفلسطينية وهو صاحب قرار !، وبعضهم في السلطة الفلسطينية وحركة فتح ، كانوا يهدفون في البداية لجمع مبلغ خمسين مليون دولار لتنفيذ هذه الفكرة التي يبدو بأنه تم وأدُهَا قبل أن تبدأ بالإنطلاق ، حيث أنها بقيت حبيسة الأدراج حتى يومنا هذا ولذلك أسباب يطول شرحها في هذا المقام وللحديث حول هذا الموضوع بقية بالتفصيل يوماً ما!. لذلك فإنني أرى أن فكرة تداول إنشاء جسم تمثيلي يخلق جسور من التكامل بين الداخل والشتات هي ليست وليدة اللحظة لا بل هناك من عمل عليها من داخل منظمة التحرير الفلسطينية نفسها قبل سنوات طويلة. وبالتالي يبدو أن الأمر برمته لا يتجاوز فكرة المناكفات في إطار الصراع القائم لضمان السيطرة والنفوذ والتمثيل وذلك من خلال عملية التحشيد القائمة في محاولة لخطف الأضواء خاصة في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية التي من المتوقع أن تؤثر على إمكانية الدفع بإتجاه تغيير ما على الساحة الفلسطينية في المستقبل القريب!. هذا يعني أن مؤتمر الشتات الفلسطيني الذي سيقام في مدينة أسطنبول التركية من حقه أن يقوم بأي شكل من المبادرة ليعلق الجرس بهدف إثارة أهمية فكرة الشراكة بين الجميع من أبناء الشعب الفلسطينيي ، التي يتوجب أن تقوم على الشراكة في إتخاذ القرارات السياسية في إطار فهم التحديات الدولية والإستعداد المنطقي للتعاطي مع متطلباتها وضمان ترسيخ مبدأ المحاسبة وتكافؤ الفرص بدون العمل على التلويح بتصعيد فكرة إنشاء البدائل، لأن ذلك سيعني حدوث شرخ كبير في المشهد الفلسطيني إجتماعياً وسياسياً وإقتصادياً لا بل وحدويا!. |