|
تعقيب على البيان الختامي للمؤتمر الشعبي الفلسطيني في إسطنبول
نشر بتاريخ: 28/02/2017 ( آخر تحديث: 28/02/2017 الساعة: 15:15 )
الكاتب: زهير الشاعر
مما لا شك فيه بأن مشاركة آلاف الفلسطينيين المهتمين بالشأن الفلسطيني وتحدياته من المثقفين والكتاب والإعلاميين والنشطاء السياسيين في المؤتمر الشعبي الفلسطيني الذي عقد في مدينة أسطنبول التركية يومي 25 ، 26 فبراير 2017 قد أعطى لهذا المؤتمر زخماً وإهتماماً إعلامياً هائلاً ، وقد كانت هناك فرصة للمؤتمرين بأن يخرجوا بتوصيات مدروسة بعناية لا تحاكي أجندة أحد وبعيدة عن العواطف والمكابرة والعنتريات الفارغة، ولكن يبدو بأن طبيعة الفلسطيني بشكل عام باتت تنحصر بالرغبة باللعب دائماً في المنطقة الخطرة.
هذا كان واضحاً جداً في البيان الختامي للمؤتمر الذي أشار إلى عدة نقاط مهمة للغاية لابد من التوقف عندها وتمحيص ما جاء فيها والبحث في مدلولاتها ومحاذيرها بطريقة محايدة بعيدةً عن العواطف والمكابرة. فمثلاً جاء في البيان أن المؤتمر "يؤكد على أنّ أولى خطوات الرد على السياسة الإحتلالية الإقتلاعية العنصرية التي تعيث بأرض فلسطين فساداً، لا يكون إلّا بتأكيد الحق الكامل غير المنقوص للشعب الفلسطيني في تحرير وطنه وإقامة دولته الفلسطينية على كامل ترابه وعاصمتها القدس"، وهنا لا أدري من أشار على المؤتمرين بهذه الصيغة الإنشائية البلاغية العاطفية الإنتحارية التي تقفل الأبواب في وجوههم قبل أن ترى فكرتهم النور، حيث أن هذه الكلمات التي تتساوق مع فكرة أن الفلسطينين لا يريدون السلام ما هي إلى هدية غالية الثمن تقدم مجاناً ووصفة سحرية لإستمرار الإحتلال والدفع بالحصول على مباركته من القوى الدولية وإدانة مجانية للشعب الفلسطيني بأنه لا يرغب بالسلام وهذا يتناقض مع فكرة أن الشعب الفلسطيني هو الشعب المظلوم الذي يسعى للحصول على حقه في تقرير مصيره في دولة مستقلة. كما جاء في البيان "وفي ضوء ذلك فإنَ المؤتمر يسجل اعتزازه بتمسَك أبناء شعبنا الفلسطيني في الداخل والخارج بحق العودة إلى دياره في أرض فلسطين التاريخية، حقاً غير قابلٍ للنقض أو الاجتزاء أو التفويض أو المقايضة أو الالتفاف عليه، وهو حقٌ جماعي وفردي لا رجعة عنه، وغير قابل للتصرف" ، وهذا كلام كان ممكن أن يتم صياغته بطريقة أفضل وأكثر مرونة وقوة حتى يتم تجاوز إنتقاده وإستغلاله حسب الأهواء العدائية التي تمتلك القوة والمال والإعلام لتسويق أفكار مضادة لهذه الأفكار!، ولكن يبدو بأن المكابرة العاطفية غلبت على هذه الفقرة أيضاً بذكرها كلمة التاريخية التي تفتح المجال لإستغلالها بشكلٍ يضر بقضية اللاجئين أكثر مما نفعها. كما ذكر البيان بأن " المؤتمر يطالب الفصائل الفلسطينية بالوحدة على قاعدة الالتزام ببرنامج المقاومة والميثاق القومي عام 1964 والوطني الفلسطيني لعام 1968" ، مما يعني أن هناك رغبة بالدخول في مفترق طريق جديد بغض النظر عن الظروف القائمة والتحديات الإقليمية والدولية الراهنة وهذا يعطي مبرر متقدم لزيادة التخوفات ولنسف الجهود الدولية لإحياء عملية السلام المهددة والتي باتت تترنح. كما أن المطالبة بإعتماد المقاومة المسلحة نهجاً في المرحلة القادمة لها محاذيرها وهذا يفتح الباب مجدداً أمام محاولة إعادة الإحتلال بشكله السابق للضفة الغربية وحروب أخرى على قطاع غزة ولربما أكثر شراسة مما سبق لا بل يفتح بوابة لضم أراضي الضفة الغربية على الأقل، وإسقاط فكرة بقاء السلطة الفلسطينية برمتها ، وهذا يطرح سؤال بعيداً عن العنتريات التي لم تعد تقدم ولا تؤخر شئ ، وهو هل الشعب الفلسطيني في الداخل لديه الإستعداد لتحمل ما سيترتب على ذلك وهو في الأساس بات منهكاً للغاية ويبحث عن الأمل ولا يريد المزيد من الحروب والدمار ، كما أن هناك تساؤل آخر، وهو هل الشعب الفلسطيني في الخارج لا زال يعيش رفاهية الإختيار ومستعد لأن يتحمل تبعات هذا النهج من ملاحقات أمنية في ظل التحديات الإقليمية والدولية التي لم تعد تحتمل المزيد من المغالاة الفكرية. كما قرر المؤتمر "النأي بنفسه عن التدخل في المحاور العربية والدولية أو التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية وللدول عامة ويعلن أنّ بوصلتهُ قضية فلسطين وشعبها في الداخل والخارج"، وهذا أمر حيوي ومفيد ويحافظ على حيادية الشعب الفلسطيني ورغبته بمد جسور من الوفاق والعلاقات الطيبة مع كل شعوب وحكومات الدول الأخرى. وفي رسالة واضحة للقيادة الفلسطينية، أكد المؤتمر على "ضرورة تغليب المصلحة الوطنية الفلسطينية العليا على أيّة ولاءات خاصة، وأنّ مظلّته ومنطلقه هي فلسطين الوطن والشعب"، وهذه النقطة تحمل أمرين هامين الأول هو دعوة القيادة الفلسطينية لتدارك مخاطر الإنقسام والتحديات الناجمة عنه والعمل على إنهائه فوراً ، والأمر الثاني يتعلق بضرورة تغليب المصلحة الوطنية العليا على المصالح الفردية والإرتباطات الخارحية، وهذا الأمر له محاذيره حيث أن فاقد الشئ لا يعطيه!. إختار المؤتمر العاصمة اللبناينة بيروت مقراً له كمؤسسة رسمية وحرص على عدم التصادم مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية لا بل أقر بأن هذه المنظمة هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني وبالتالي كان هذا إعتراف ضمني بالقيادة التي تتحكم بمقدرات هذه المنظمة ، وكان هناك مطالبات فقط لهذه القيادة بضرورة إعادة هيكلة هذه المنظمة حيث كان ذلك واضحاً بأنه إستجداء لفتح الباب لأصحاب أجندة محددة للمشاركة في القرار السياسي والمالي ولربما رغبة بفتح الباب للإستحواذ مستقبلاً على مقدرات هذه المنظمة ، حيث لم يتطرق هذا المؤتمر إلى ضرورة البحث في ملاحقة الفاسدين والمتآمرين ولصوص مقدرات هذه المنظمة التي هي ملك للشعب الفلسطيني بأكمله وليس لفريق من المتنفعين والمتواطئين والمشبوهين الذين شرع قيادتهم هذا المؤتمر!. كما أوضح البيان الختامي للمؤتمر الشعبي الفلسطيني بأن القائمين على هذا المؤتمر يعاهدون أبناء الشعب الفلسطيني على المضي قدمًا على طريق تحرير فلسطين، كل فلسطين من البحر إلى النهر، إلى أن تُصبح الدولة الفلسطينية بحدود فلسطين التاريخية وبعاصمتها القدس حقيقة لا حلمًا.، وهنا أتذكر موقفاً خلال وقفة تضامنية أمام السفارة الإسرائيلية في إحدى الدول الغربية وفجأة خرج أحد الأشخاص ليهتف From the river to the sea , Palestine will be free أي أنه كان يقول من النهر إلى البحر فلسطين ستكون حرة ، وحينها كان هناك تصوير بالفيديو من الكثيرين ممن لفت نظرهم هذه الوقفة التضامنية التي لم يتجاوز عدد الحضور فيها خمسة عشر شخصاً ، وكان هذا الحدث عقب إنتخابات عامة في هذا البلد! ، وكأن الرجل يقول لهم إن الجانب الإسرائيلي صادق بالفعل بما يدعي ، وهذه هديتي لهم في وقفة التضامن مع الشعب الفلسطيني وهي تقول بأن شعبنا لا يريد السلام والتعايش مع شعوب المنطقة لا بل هو شعب عدواني يريد أن يرمي أبنائهم في البحر!. هنا لا يراودني شك بأن هذه التصرفات غير المسئولة التي لا تمت بصلة للعمل السياسي والنظرة الوطنية العميقة وضرورة التحلي بالحنكة لمن يريد أن يتقدم الصفوف ليكون قائد ، هي المصيبة الحقيقية لقضيتنا الفلسطينية، وعندما يتم تبني مثل هذه الأفكار صراحةً وبشكل علني، ستضيف للمصيبة مصائب وستعمل على عزل هذا الشعب المكلوم وتعمق من مآساته الحياتية وتعطل من تطلعاته المشروعة. لذلك في تقديري كان الأجدر بالقائمين على هذا المؤتمر بعد الجهد الكبير الذي بذل لإنعقاده والإهتمام الإعلامي والإقليمي والدولي الذي حظي به ، بدلاً من إنتخاب قامات عفى على فكرها الزمن ، أن ينتبهوا لضرورة عدم المغالاة في توصياته التي لا تتناسب مع حجم التحديات والإمكانيات المتوفرة ، وأن يقدم رؤية واقعية ومنطقية تتماشى مع التحديات القائمة ومتطلباتها لا أن تذهب بعيداً في شعارات لم تعد تحظى بالمصداقية، لأن ضحايا هذه الأفكار المبالغ فيها هم أبناء الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجدهم الذين سُرِقَت أعمارهم وصودرت أحلامهم ودُمِرَ مستقبل أبنائهم وهم من يعانون الوجع والألم بالفعل ويتطلعون لحلول فاعلة ومنطقية وليس لمتاهات إضافية تعمل على تعميق أزمات باتوا يأنوا منها ولم تجلب لهم الأمن ولا الأمان ولا السلام ، بل جلبت لهم الدمار والويلات!. تنويه : لربما يكون هناك في القريب فتح لملفات غائبة تتعلق بالصندوق القومي الفلسطيني وشركة CCC وعلاقة ذلك بالسفارات الفلسطينية ، حتى يدرك البعض من قادة منظمة التحرير الفلسطينية بأن القيادة هي إنعكاس للرجولة وهي إلتزام وفعل بإقتدار وليس منحة أو هبة ، أو وسيلة للقمع والتعدي على كرامة وحقوق الأخرين ، ولا تأتي بناءاً على أقوال حمقاء وأكاذيب مستمرة وتصرفات جوفاء وعبث مراهقين بشوارب لا تليق إلا بالرجال ، ظنوا بأنهم فوق الشبهات والمحاسبة!.. |