|
بازار الحلول وفوضى الفشل
نشر بتاريخ: 01/03/2017 ( آخر تحديث: 01/03/2017 الساعة: 09:56 )
الكاتب: د.أحمد الشقاقي
تشهد بورصة الحلول السياسية للصراع في المنطقة، بازاراً من المشاريع المتضاربة في تكتيكاتها، والمختلفة في توجهاتها والمبادئ التي تنطلق منها، وما بين إسقاط حل الدولتين والدعوة لحل الدولة الواحدة الذي ينسف تجربة التسوية منذ مدريد، نجد أصواتاً تتحدث عن قوات دولية، وآخرين يقدمون مشاريع لدولة مؤقتة يتمدد فيها قطاع غزة على حساب سيناء وأجسام كانتونية في الضفة الغربية يديرها فلسطينيون وقرارهم أردني...
جملة الحلول المطروحة التي تشهد ازدحاماً في تفاصيلها، وجدت صداها- بشكل منفرد- بين الكتّاب والمحللين بعد نتائج الانتخابات الأمريكية الأخيرة، مما يؤكد أن الواقع الفلسطيني ينتظر فرضاً لحلول سياسية لن يكون الفلسطيني شريكاً في صناعة تفاصيلها، بعد أن انتصرت الهيمنة الإسرائيلية بشكل علني؛ إثر الدعم اللا متناهي من البيت الأبيض لحكومة الاحتلال. كذلك فإن هذا الواقع يعني فشلاً لبرنامج التسوية في الاستقرار على محددات الانطلاق لعملية سلمية، وبالتالي فإننا كفلسطينيين فقدنا سنوات سلام مخادع، ضاعت فيها بوصلة حركة التحرر، وتداخلت مفاهيم تضحيات المقاومة ببريق السلطة الواهم. من العيب أن نجد فلسطيني يرحب بمبادرة تسوية من الجانب الإسرائيلي -واقصد خطة هيرتسوغ- التي تتحدث في نقاطها العشر عن حل دولتين إحداها يهودية والأخرى معدومة السيادة ويتحقق هذا الحلم بعد عشر سنوات!! وفي ذات الوقت يتجاهل ذاك الطرف عن قصد وإرادة، مبادرة النقاط العشر التي أطلقها أمين عام حركة الجهاد الإسلامي د. رمضان شلح في أكتوبر من العام الماضي. كيف يمكن لفلسطيني بدأ في فقد دعم الرسمية العربية أن ينتظر من المنظومة الدولية أن تنقذه من فشله، وتقدم له ما يعيد الحياة لمشروعه المزيف؟ لا يمكن تفسير تهرب القيادة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية من مناقشة الخيارات الفلسطينية بعيداً عن واقع الفشل الراهن لبرنامج التسوية، وجميع علامات التساؤلات المشروعة تجاه هذا الواقع، تبحث عن أجوبة معلقة من قبل جهات بعينها، منشغلة بصراعاتها الشخصية على حساب القضايا الوطنية. إن الظروف السياسية الراهنة التي تعيشها المنطقة تدفع الجميع لرفع عناوين الحذر تجاه مجمل القضايا الشائكة سواء على الصعيد الداخلي، وحتى ما يخص شكل العلاقة مع الاحتلال. داخلياً يتواصل مسلسل الانهيار وسط استهتار رأس الهرم الفلسطيني في ما يخص العلاقات بين الفصائل الفلسطينية، وحتى داخل البيت الفتحاوي الذي يترأسه. فما بين تأجيل وسحب لملف تحضيرية المجلس الوطني والتي كانت من المفترض أن تلتقي منتصف الشهر الماضي. يذهب الخلاف الفتحاوي الداخلي نحو ترسيخ انشقاق جديد يأخذ أبعاداً أكثر تعقيداً بعد أن نجحت أطرافه في استثمار علاقاتها العربية لإحراج السلطة، ومنعت مصر ابرز قيادات فتح من الدخول إلى أراضيها، وسمحت كذلك للتيار الدحلاني بعقد مؤتمرات سياسية على أرضها. كذلك من المهم والمنصف ألا نجد حرجاً في الحديث عن التعقيدات التي تكبلتها المقاومة بخصوص سياسة الردع على اثر اتفاق التهدئة الأخيرة، والذي تنصلت منه دولة الاحتلال ومن أهم ما تم التوافق عليه بخصوص رفع الحصار، بالإضافة إلى حالة التهديد بالحرب على إثر أي حادث ميداني وهو ما يستنزف الجبهة الداخلية الفلسطينية، ويجعل المقاومة تترقب الفعل الإسرائيلي لبلورة موقف لا يتعدى رد الفعل حسب حجم التصعيد وخسائره. نثق بمقاومتنا الوطنية، ونعلم أن سعيها لتطوير إمكاناتها مستمر، ونقدر عمق الحاجة لتقدير معاناة الجماهير الفلسطينية، غير أن هذه المعادلة إن استمرت بهذه الوتيرة ستلحق بالغ الضرر بمفاعيل الصمود لدى المواطن الذي يرفض استمرار العدوان دون رادع يوقف تطاول الاحتلال، وما قدمته سرايا القدس خلال عملية كسر الصمت في مثل هذه الأيام من العام الماضي رسالة مقاومة تحترم، ونرى ملامحها اليوم في تصريحات القسام التي تحدثت عن موقف جاد للكتائب حال تكرر عدوان الأحد. خلاصة القول أن فشل برنامج التسوية وصل بنا إلى حالة الفوضى والفراغ، وبدلاً من الذهاب نحو برنامج سياسي يجمع عليه الفلسطينيين، يحفظ الحقوق والثوابت، ويتبنى المقاومة كخيار ويحترم التوجهات الوطنية. ينقسم أصحاب خيار التسوية على أنفسهم وتشتد المنافسة بينهم على حساب المصالح الوطنية. مطلوب من الرئيس عباس أن يزور غزة وأن يلتقي بأهلها، ويشعر بآلامهم ومعاناتهم وأن يواسي أبناء الشهداء، وأن نشهد ذات الصورة التي رأيناها في محافل بيروت الغنائية حاضرة في غزة ومخيماتها وقراها. |