وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

يتوارثون الإرادة قبل الإعاقة ويغرسونها في أراضي "صافا"

نشر بتاريخ: 06/03/2017 ( آخر تحديث: 06/03/2017 الساعة: 21:21 )
يتوارثون الإرادة قبل الإعاقة ويغرسونها في أراضي "صافا"
الخليل- معا- ألمت بالعائلة إعاقة وراثيّة، لكنّ الإرادة التي يملكها الأب تعجز أمامها عقبات العمل في أرضه، وكذلك أبناؤه، المزارع احمد محمود بحر يقطن في بيت يتوسط أرضه، وتصل إليه من خلال طريق ترابي تحفه الأراضي الزراعية في منطقة "صافا" في بلدة بيت أمر شمالي الخليل.
قبل عام، بدأت عائلة المزارع بحر تعمل في استصلاح جزء من أراضيها من خلال مشروع إصلاح الأراضي "جذور" الذي ينفذه اتحاد لجان العمل الزراعي بتمويل من الاتحاد الأوروبي.
تتكون عائلة بحر من 21 شخصاً، بما فيهم أمه وأخته، يقول: إنه ورث إعاقة يديه من أمه، حيث لم يكتمل نمو أصابع اليدين في الخلقة، وعندما تزوّج أنجب 7 من أبنائه يحملون ذات الصّفة الوراثية، وكذلك عندما زوّج أحد أبنائه ولدت حفيدته بذات الإعاقة.
تبلغ مساحة الأرض التي يملكها بحر نحو 80 دونماً، بالإضافة لـ 120 رأساً من الأغنام، استهدف مشروع استصلاح الأرض 20 دونماً منها، حتى أصبحت الآن مزروعة بأشجارالخوخ والعنب والمندلينا، وبذلك أصبحت جميع الأراضي التي يملكها بحر معمّرة.
وأوضح بحر: في السابق كنت أفلحها بمحاصيل حب وبغذاء للأغنام التي نربّيها، لم تكن أرض مستوية، كانت الصخور تملؤها وتجعلها غير مؤهلة للاستثمار، قمنا بالتسجيل في المشروع بعد الإعلان عنه في بيت أمر، وكنا من المستفيدين".
تسوية الأرض وحفرالآبار
آليات زراعية ضخمة وصلت الأرض، وبدأت تزيل الصخور الكبيرة وتكسّرها، بحيث "تساوي عاليها مع واطيها"، حتى أصبحت الأرض مساحات واسعة مقسّمة إلى حقول مؤهلة للزراعة.
وأضاف بحرأن المشروع شمل تسييج الأرض من كافة الجهات، وبناء "الجدران الحجرية" بين الحدود الداخلية للأرض وعلى حدودها الخارجية، "حفروا لنا بئرين كبيرين للمياه، في منطقتين يسهل من خلالهما الوصول إلى معظم أنحاء الأرض".

وأوضح أنه وبناء على طلب العائلة، وفّراتحاد لجان العمل الزراعي للعائلة أشجاراً مثمرة، والتي تدرك العائلة أنها الأنسب والأفضل استثماراً في المنطقة، حيث تتناسب مع المناخ وكذلك رغبة العائلة في زراعتها، بالإضافة للأشجار المثمرة يحضّر المزارع بحر للزراعة الصيفية في الأرض، أهمها: الفقوس والكوسا واليقطين.
محمود الابن الأكبر.. يقود العمل!
لم يصب الابن الأكبر للمزارع بحر بالصفة الوراثية، يقول محمود: إن العمل يقسّم في الأرض بحسب قدرة أفراد العائلة على إتمامه، "بعض الأمور لا يقوى والدي وأخوتي المصابين بالإعاقة على عملها، أقوم بها أنا وزوجتي وأخوتي الآخرين".
قاطعه المزارع بحر وأشار إلى أن أكثر ما لا يستطيع عمله هو القيام بحلب الأغنام، لأنه أمر يحتاج إلى يدين اثنتين في العمل، " لكنّي استطيع على الخروج بالقطيع لرعيها في الأرض، أقود الجرارالزراعي". كما يشتهر بحرفي مهارته المميزة في تركيب الأشجار اللوزية في بيت أمر.
أكد محمود على أن أهمية المشروع كبيرة للعائلة، حيث أن الاستثمار سيتضاعف عشرات المرّات، لم يكن الإنتاج في السابق كبيراً، ناهيك عن أن المحصول كان يستخدم كغذاء للأغنام، أما الآن معادلة الاستثمار في الأشجار مختلفة تماماً، "في العام،القمح لاينتج أكثر من 2000 دينار أردني،لكن الأشجار موسمها يمكن أن يصل إلى 50 ألف دينار أردني".
وأوضح أنه بعد خروج آليات المشروع الثقيلة من الأرض، عملت العائلة على البدء بالاستصلاح في إزالة الحجارة، "عملنا بأيدينا، لم نحتاج إلى عمّال من الخارج، نعمل منذ عام في الاستصلاح، كان في الاتفاق مع الاتحاد أنه إذا ازدادت الحجارة في الأرض فإننا المسؤولون عن إزالتها، وإذا نقصت الحجارة في بناء السناسل علينا أيضا إحضارها، وبعد إزالة الحجارة وتعزيل الأرض قمنا بزراعتها نحو 800 شجرة".
"الأرض لازم تعطيها عشان تعطيك"
وأضاف أنه يقوم بتسويق محاصيل الأشجار المثمرة في بلدتهم بيت أمر، فيما يتفقون مع تجّار كبار يزودونهم بالثمر من أجل تصديره إلى محافظات الوطن،وكذلك إلى السوق الإسرائيلي، وفي بعض الأحيان إلى قطاع غزّة حين يسمح الاحتلال الإسرائيلي بذلك.
وتابع: "الأرض لازم تعطيها عشان تعطيك، بعض المزارعين يقومون بحرثها مرّة أومرتين في العام، نحن نحرثها 5 مرّات،وأحياناً يسمدونها مرّة واحدة، ولكن عائلتنا ترش السّماد 7 مرّات في العام.. لم يخرج أحد من أفراد العائلة للعمل في الخارج، طوال العام نعمل في الأرض سوى أيام الأمطار، وفيها يكون موسم الحليب وإنتاج الجبنة البلدية".
ووصف الاستثمار في الأرض أنه رائع، ويدر دخلاً مادياً يعيل 21 فرداً في العائلة، ويحمد الله على نعمته وعطائه، في ذات الوقت يقول: "هناك من يملكون أراضٍ أكثر منّا مساحة وقيمة، ولكنّها لا تنتج لهم شيئاً لأنهم لا يولونها اهتماماً".
يتنهد الأب بحر وينظر إلى "صوبّة" الحطب أمامه، ويقول: "لا أتخيّل أن يأتي يوم، يتخلّى فيه أبنائي عن الأرض، لأنهم تربّوا على خيرها وعلى الحياة معها، الابن الذي يولد يرانا كيف نعيش مع الأرض، ويدخل في العيش كلما كبر".
وأضاف: "ورثت الأرض جميعها عن والدي، فأنا وحيده من الذكور رحمة الله عليه، ولي أختان، أعطيتهما قيمة ورثة الأرض أموالا نقدية على حسب طلبهن، والدي كان مزارعاً وتوفي قبل 30 عاماً".
وأشار إلى وصيّته الذي كان يرويها له كلّ صباح: "كان يوصيني أن لا أفرّط في الأرض، ذاتها وصيّتي لأبنائي".
عائلة المزارع بحر، لا زالت تؤمن أن الأرض حبلى بكنوز الخير التي تطفو على سطحها كلّما تغلغل محراثهم في ثنايا ترابها، كام يواصل أفرادها الخطى على وصايا السابقين بالحفاظ على الأرض، التي بها يحافظون على بقائهم.