وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

اذار الهلال الاحمر الفلسطيني

نشر بتاريخ: 07/03/2017 ( آخر تحديث: 07/03/2017 الساعة: 01:22 )
اذار الهلال الاحمر الفلسطيني
بقلم: أشرف عباهرة

الواقع الفلسطيني حافل بالتضحيات والبطولات.. ففي كل ساعة نسمع قصة اغرب من سابقتها قد يأخذها العالم نموذجاً أو مرجعية لشعب بأكمله... وقد يقلدها من خلال فيلم او مسلسل يعرض عبر شاشات التلفاز، فيتأثر بها المشاهدين جميعاً بمضمونها وعمق تعبيرها.
إن سنين الإحتلال للأرض الفلسطينية جعلتنا نتعرف على أمور تختلف عن الأخرى، وعلى اشخاص عرفناهم وشاهدناهم وكانوا دوماً امام اعيننا، وهم جزء من مجتمعنا الفلسطيني المناضل. فلقد شاء القدر ان يعرفنا عليهم بالصورة الغريبة التي قد يتمناها الكثير منا، ان يكون احد ابطالها او مشاركيها.
ان نضال الشعب الفلسطيني وتضحياته كانت ردة فعل على بطش الاحتلال وجبروته، وتجبره بهذا الشعب الأعزل، فهب يناضل بكل فئاته، كبيراً وصغيراً يدافع عن حقه المسلوب بالطرق والوسائل المتاحه.. واعتبر هذا النضال وهذه المقاومة مشروعة كون الشعب الفلسطيني يرزح تحت نير الإحتلال وهذا ما اكد عليه القانون الدولي الإنساني، واجمع عليه كل فقهاء الشريعة وشجعه اصحاب الضمائر الحيه في العالم، ممن قاتلوا من اجل الحرية والإستقلال... فاعتبرنا النضال عدة طرق وعدة خيارات، وكل اختار الطريق الذي يبدع فيه.. فالعلم والصناعة والزراعة والتجارة والأدب مقاومة، والترابط الإجتماعي والأسري مقاومة..

وهنا اريد ان اتحدث عن مقاومة ذات نكهة مختلفة.. إنها المقاومة من أجل بلسمة جراح الإنسان والإنسانية، يقوم بها رجال ونساء، شباب وشابات، موجودون بيننا في كل مكان في فلسطين وخارجها، يجوبون السهول والجبال بزيهم المميز يركضون صوب الحدث لإنقاذ ما تبقى انقاذه، يكدون و يجتهدون، يصلون الليل بالنهار بلا مقابل. ولا يقتصر عملهم على شيئ محدد... إنهم موزعون بين المناطق تجمعهم الخبرة والزي الموحد.. إنهم ابناء جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، متطوعون وعاملون.. نعم انهم الجنود المجهولون الذين رسموا من عطائهم اسطورة التضحية والإنسانية. انهم من كسروا حاجز الصمت بجهدهم وعرقهم وتضحياتهم الجسيمه.. فهم الذين قبضوا على الجمر عندما شعر الآخرون بالبروده... انهم من قدم دمه زيتا ليضئ قناديل المرحلة القادمة ليقضوا على العتمة وصانعيها...إنهم من وصل الليل بالنهار وجدّ واجتهد وناضل وأي نضال كان...
إنه نضال الإنسان الحر من أجل الإنسان ليبقى حراً، إنه نضال سماه البعض بنضال البقاء في زمن يذهب فيه كل شيء،. وهم من طرقوا الأبواب لخدمة الإنسانية، فكانوا اول المستجيبين، فمسحوا دموع الغير ورسموا البسمة على شفاههم، وسهروا من اجل ان ينام غيرهم وعطشوا من اجل ان يشرب الآخرون... انهم من اضاف للإنسانية بعداً جديداً، يفتخر به كل من احب الإنسان وقاتل من اجل الإنسانية.. متطوعون كانوا خرجوا من ازقة المخيمات وحارات القرى وساحات المدن وخيم الشتات، ليكونوا جنباً الى جنب مع اخوانهم ضباط الإسعاف ينتظرون ساعة الصفر وينتظرون الطارق القادم من المجهول، ليطلب العون منهم ويكونون اول المستجيبين ... لم ترهبهم الدبابات .. ولا الطائرات ولا الرصاص المنهمر من كل حدب وصوب، محاولا ايقافهم وصدهم عن تقديم واجبهم تجاه ابناء شعبهم الجريح.. فكان منهم الشهيد والجريح والأسير، ولكنهم استمروا يقومون بواجبهم الوطني والديني والأخلاقي والإنساني تجاه ارضهم وتجاه شعبهم. ولم تقتصر خدماتهم على ابناء شعبهم فقط، بل منحوها لكل محتاج بغض النظر عن مذهبه او لونه او دينه، عدوا كان او صديقاً، لأنهم اعتبروا الإنسان اثمن رأس مال على وجه الأرض، فكانت صورهم نقية جلية واضحة كعين الشمس، وتغنى بإنسانيتهم ابناء شعبهم واشقائهم العرب والاصدقاء الأجانب.. فكان لهم دور فعال، ليس في فلسطين فحسب، بل في دول الجوار.. فقد ساندوا اخوانهم واهلهم المشردين المشتتين في سوريا ولبنان ومصر والعراق، وكانوا اهل المحبة والوفاء، وخلال مسيرتهم الانسانية الطويلة رسموا واقعا لايغيب عن الوجدان، وزرعوا بذور المحبة والتضحية ليقطفها كل من سلك دربهم وسار عليه. فرحل منهم الكثير.. نعم لقد رحل الكثير منهم وهم يقدمون خدماتهم لطفل او لشاب او لشيخ، رحلوا وهم يحاولون ان يبلسموا جراح شعبهم النازفة.. فبدلا من ان يكافأوا بالورود والأزهار استهدفوا بالقذائف والرصاص من اناس ادعوا الإنسانية، من اناس انتزعت انسانيتهم فاستشهد هؤلاء الرسل، رسل الرحمة.. واعتبرهم اصدقاؤهم شموعاً تنير لهم الطريق التي سيسلكونها من بعدهم.
عشرات الشهداء ومئات الجرحى سقطوا من هذا الجيش الإنساني، وهم في زيهم الرسمي، قُطفوا كالورود الجميلة وسط صحراء قاحلة واختلط دمهم الزكي بتراب الارض فشكل من أديمها هلالاً احمر جديداً مصنوعاً من وشائح حمراء بلون دمائهم..لم يكن شهر اذار كباقي اشهر السنة على الهلال الاحمر الفلسطيني ، بل كان شهرا مليئا بالاحزان والمعاناة على رحيل اربعة من ابناءه متطوعين واطباء وضباط اسعاف، فقبل خمسة عشر عاماً وبعده بعام وفي نفس اليوم والساعه تعانقت ارواح اربعة من كوادر ومتطوعي الجمعية ليرتقون الى بارئهم شهداء اوفياء شاكين لله قساوة الاحتلال وجبروته ضد رسل السلام لم يذهبوا ليقاتلوا، بل ذهبوا لآداء الواجب الذي نذروا انفسهم من اجله.. واستمرت المسيره وكبر الجيش، وها نحن نشاهدهم في كل مكان، وفي كل المناسبات يتسابقون نحو الهدف، ليكونوا اول الواصلين، تاركين خلف ظهورهم نواميس الخطر والخوف، الذي قد يلحق بهم من الجنود الآثمه... راسمين على عتبات الزمن شكلاً جديداً من اشكال النضال والتضحيه الإنسانية، واضعين امام اعينهم تحقيق الهدف النبيل... متوجين انفسهم بأكاليل العطاء على ما بذلته ايديهم الميمونة من فعل انساني نبيل، فهنيئاً لشعب سهر لراحته جنود كهؤولاء حملوا ارواحهم على اكفهم.. وهنيئاً لوطن أنار سماءه هلال نور من اسماء وصور هؤلاء الرجال.. هنيئاً لهم على هذا العطاء الذي يقومون به، وهنيئاً للانسانية جمعاء على من عقدوا العزم على حمايتها، وبلسمة جراحها، رغم الألم والخوف والاضطهاد.