|
الأرض في بينالي الشارقة والماء والمحاصيل والطهي..
نشر بتاريخ: 13/03/2017 ( آخر تحديث: 13/03/2017 الساعة: 11:19 )
الكاتب: تحسين يقين
تلكم هي الأربع ثيمات التي يرتكز عليها بينالي الشارقة الثالث عشر، والتي تتركز وتتمركز حولها النشاطات الفنية هذه الأيام الآذارية.
وبهذا ينضم هذا البينالي بما يتضمن من فنون تشكيلية وبصرية وفنية إلى البيناليات والمهرجانات العربية التي تشتبك مع هموم الواقع العربي واهتماماته، باتجاه يتجاوز التعبير إلى التغيير بما يتطلب ذلك من نبل وإنسانية ورؤية فكرية وسياسية. الأرض-المكان، في ظني وظن آخرين، تشكل البعد الرئيسي في حياتنا كأفراد، وجماعات وأمم، ومع نشوء الدول، أصبح الاعتراف بأي دولة يتطلب وجود إقليم خاص يكون لبشر فيه السيادة عليه. ولعل أهم تداعيات المكان-الأرض، هو الزمان، فلا مكان بدون زمان، ولا أرض بزمان مطلق، ولا مكان ولا زمان بدون الإنسان، حيث تشكلان جناحيه اللذين يطير بهما وقدميه اللذين يحط بهما وعليهما. حينما سئلت يوما عن العلاقة مع الأرض، ظن السائل أنني سأتحدث في السياسة والهوية والصراع، وفوجئ بي وأنا أسرد على مسمعه علاقتي الذاتية مع الأرض الزراعية كوننا قرويين، وطالت سرديتي، وتشعبت، وصولا إلى النباتات البرية التي نأكلها نيئة طازجة من الأرض، ولعلي أثرت شهيته وأنا أتحدث عن طعومها ونكهاتها. ذلك هو البعد الذاتي.. الماء والأرض والمحاصيل والطهي.. وهي ليست مرتبطة معا، بقدر ما هي متكونة معا؛ لذا سيكون أول بحث للناجين من البحر أو الفضاء هو الماء، ضالة الحلق، ثم ما يتيسر من ورق شجر تلبية لنداء المعدة. أما إذا تيسرت النار، فسنكون إزاء طعام.. بعد ذلك هل سيبقى للناجين من طلبات وطموحات؟ أم أن ذلك مدعاة لخلاص إنساني آخر يتجاوز مجرد البقاء الحيّ إلى بقاء معنوي آخر؟ وهذا هو البعد الموضوعي، الذي يمتد من مكان السكن والإقامة، مرورا بالوطن- الدولة، والوطن القومي، فالأرض فالكون! من الذي صاح سعيدا بالخلاص: إنها الأرض! هل كان من مركب تحطم؟ في البحر أو الفضاء؟ هنا تصبح أي أرض وطنا وملجأ رائعا ودافئا. وهنا ونحن على أبواب يوم الأرض المجيد الذي يصادف فلسطينيا في الثلاثين من آذار، نتشوق للتعرف على فعاليات بينالي الشارقة من جهة، ونحتفي به عن بعد من جهة أخرى، سعداء وسعيدات بوجود رام الله هناك كواحدة من المدن التي ستجري فعاليات بينالي هذا العام فيها، جنبا إلى جنب مع إستنبول وبيروت وداكار، بالإضافة للبلد المضيف الشارقة، حيث وفقا لتقرير الزميل يوسف الشايب من البينالي، فإن دورة هذا العام ستشهد "توسعاً مكانياً إلى جانب امتداده الزمني، حيث ستكون الشارقة أثناءه نقطة ارتكاز ومحوراً لمدن وجغرافيات عدة" . هل من دلالة ما!؟ في حديث الشيخة حور بنت سلطان القاسمي رئيسة مؤسسة الشارقة للفنون، ربما نعثر على إجابة ما، حين شددت سموها على "قيم الحوار والتعاون وإعادة التشكيل المستمر التي يقوم عليها البينالي ما يتيح إمكانات جديدة لفهم دورنا في سياق عدم اليقين العظيم الذي نعيشه في عالم اليوم". ما الذي فعله "عدم اليقين العظيم الذي نعيشه"؟ إنه دور الفن إذن، إنه الدور الإنساني النبيل. من الشارقة إلى رام الله، مرورا بإستنبول وبيروت وداكار، هل من تداعيات سياسية وثقافية لهذه المدن؟ ترى ما الذي يجمعها معا؟ وما الجامع مع العالم أيضا؟ لا نحتاج اليوم لذكر تفاصيل الجمع، لأن ما يجمعنا على الأرض كثير، أكثر بكثير مما يفرقنا، ووجود البينالي داخل الإقليم العربي وخارجه دلالة إنسانية على المشترك بيننا حضاريا وإنسانيا. ولعلّ عنوان هذه الدورة "تماوج"، يقودنا إلى التركيز والتعمّق بما نفكر به ونشعر، كون الفنون ليست مادة جمالية فقط بل فكرية وشعورية أيضا. وتعمّق قيّمة البينالي كريستين طعمة هذا المنطلق الفني والفكري أنه يأتي "في ظل تحوّلات مجتمعية وأخرى سياسية عصفت بأوضاعنا، إلى جانب طول المسافات التي فرّقت بيننا" حيث جاءت مقاربتها كقيّمة لهذه الدورة من بينالي الشارقة "أقرب إلى التفاعل الحيوي مع صدمة التغيرات، متحرّرة من شرطيّ الزمان والمكان". وهذا يقودنا مرة أخرى للحديث عن دور الفن الجمالي والفكري في التغيير، وليس في المحاكاة البسيطة للواقع، حيث تطمح قيّمة البينالي القادمة من بيروت، حيث يصير فضاء البينالي "سلسلة من عمليات التنشيط والإحياء" بهدف " مقاربة الصيغ الممكنة التي تسائل ماهية البينالي، وما يمكن أن يصير إليه"، من فعل ثقافي وإنساني يشكل الدور المرجو والضروري بل والأخلاقي، باتجاه فعل الخير الذي يمكث الأرض، حيث لا ضمانة ألا يأتينا الموج سوى بالخير فقط، وهذا يتفق مع رؤية طعمة:" الموج تقلّب في الشكل. والتقلّب، في حد ذاته، ليس بالأمر المحمود ولا هو بالمكروه. فحراك الموج، مدّاً وجزراً، هو تعاقب سرمدي بين التقدّم والتأخّر، لا يمضي قُدماً، وإنما يسري في فلكٍ دائري. مع ذلك، هو يحمل في طياته الطاقةَ والغذاءَ والإلهامَ والعافيةَ، كما يجلب معه، في الوقت ذاته، مآل التآكل والتخريب". انتهى الاقتباس. الماء والأرض والمحاصيل والطهي.. والثقافة والفنون والحكم.. لعل آخر المقالة يدفعنا للتأمل في الحيالة، لنبدأ من جديد في الحديث عن هرم ماسلو الذي يتحدث عن حاجات وطموحات البشر، "فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان"، بل بالفن أيضا؛ فحين يؤدي الفن دوره الإنساني تصبح الحياة أكثر جمالا وأمنا وسكنا، فبعد الاطمئنان على اللقمة وشربة الماء، سيكون هناك مجال دوما للفكر والشعور والإبداع، وقد يكون موجودا بدونهما ولكن على سبيل الاستثناء لا القاعدة. [email protected] |