|
قبل ارتياد فندق العالمين
نشر بتاريخ: 20/03/2017 ( آخر تحديث: 20/03/2017 الساعة: 10:20 )
الكاتب: تحسين يقين
إن لم يكن بالإمكان أبدع مما كان!
الحياة والإنسان والوطن والكون، كلهم يستحقون الأفضل! حالة تطهّر هي ما عشناها، تطول أو تقصر، لكن يمكنها الاستمرار في البقاء في وعينا ومشاعرنا! أصابتنا حالة زهد ليس في الدنيا البديعة، ولكن في الصراعات والنزاعات والاختلافات المؤذية. زهد بالشر والمشاكل ووجع الراس! هل تكون السياسة والنقد السياسي في ذهن الكاتب حتى ولو كتب نصا بعيدا عنها؟ هل لهذه الدرجة هي مؤثرة؟ وهل الحديث المباشر فيها صعب؟ أم أننا نحن من يقرأ ذلك كقراء ومشاهدين/ات كوننا مسكونين بأثرها على تفاصيل حياتنا؟ هل كانت البداية من تلك الليلة في صحراء الجزائر؛ حين تاه الكاتب الفرنسي إريك إيمانويل شميت عن الفريق المرافق ووجد نفسه وحيدا، فأعاد النظر في معتقداته، عام 2003، بعد حادثة تعرض لها الكاتب بعد زيارته الصحراء الجزائرية عام 1989 . تطرح مسرحية "فندق العالمين" أسئلة فلسفية ووجودية: أين نذهب عندما نسقط في غيبوبة, ونصبح في منزلة بين المنزلتين, أي بين الحياة والموت؟ بديعة الحياة ومبدعة، حين تلهم الكاتب شميت، فيبدع للعالم نصه العميق، في تأمل الحياة والموت، بل وتأمل ما هو أهم، وأقصد به: التغييب والنفي الذي يصنعه أفراد أو جماعات أو دول! "Simplified Arabic",serif;mso-fareast-font-family:"Simplified Arabic"" id="yui_3_16_0_ym19_1_1489904804857_18247"- ولعنا نتذكر الوصايا الأخيرة على فراش الموت، وكتب التراث تحفل بها كثيرا، كما تحفل بها ذاكرتنا وتجاربنا الشخصية، حيث أن جوهرها متقارب، وهو حب الراحل للاطمئنان على أسرته، وأهله وأصحابه وو "Simplified Arabic",serif;mso-fareast-font-family:"Simplified Arabic"" id="yui_3_16_0_ym19_1_1489904804857_18254"- وشعبه! الاطمئنان على مستقبل الفرد وأسرته اهتمام إنساني نبيل، لكن لعل هناك من الاهتمام ما يفوق ذلك نبلا، ألا وهو الاهتمام بمستقبل شعب، بحيث يفعل من واجبه الفعل كل ما يقوي بقائنا على هذه الأرض، وكل ما يزرع الأمل للأطفال والفتيان والشباب. تحدثنا في مقال سابق عن الإنسان في مرحلة متوسطة بين يقظة العقل وغيابها، لتكون الحال المتوسطة شفيعا للمتحدث إن تجرأ قليلا أو كثيرا، وهي تشبه حالة العاشق الذي مثّل أنه نائم، فراح يعرض الحب وكأنه يهذي، هو كان جادا، لكن مثّل النوم، ليحتفظ بخط الرجعة إذا تم صدّه. ومثل ذلك تمثيل المزاح والحال جدّ، للسبب نفسه، وهو أن يخلق له مبررا إن لم يجد آذانا أو رضى ما! وبعد مشاهدة المسرحية الجزائرية المقتبسة عن نص بالعنوان نفسه للكاتب شميت، ضمن مهرجان المسرح العربي التاسع بوهران، وأثناء تنقلنا ما بين مسرح السعادة ومسرح بوعلولة، سيرا على الأقدام ليلا، كنت كالمأخوذ تأثرا بها، حيث كان الشعور الأول هو ضرورة كسر حاجز الخوف من الرحيل، لأنه قادم قادم، أكان رحيلا عن وظيفة أو عن مكان أو عن الحياة نفسها كلها! أما الشعور الثاني، فمرتبط به، بل نتيجة له، وهو أن نكون أكثر إنسانية. أهم هذه المشاعر جاءت إثر لعب الدكتورة س بأحد النزلاء، حين تنادي عليه، حيث وجد نفسه مرة واحدة أمام خيارين، إما العودة إلى الحياة أو الرحيل عنها، وفي ظل خوفه، تخبره بأن ذلك إنذار كاذب! تحذير كاذب أو تنبيه: قمة التوتر وقمة السخرية! هل يكون العمر أو الشيب أو طول الإقامة في الدور؟ ربما تكون السياسة في ذهن الكاتب والقارئ، بسبب الحضور والتأثير علينا كأفراد يودون الخلاص، لكن لو أعدنا التأمل في الحياة والموت، لوجدنا أن هناك صلة مع السياسة، باعتبارها وسيلة ادارة حياة البشر، كأسرة كبيرة. وأظن أن هناك موانع لضبطنا ونحن ندير حياة الجماعات والشعوب، من خلال احترام القانون وتوخي العدالة، إضافة لحضور الضمير والتقوى والإنسانية! سمت بي المسرحية إنسانيا، فقلت "مش محرزة هالمشاكل"، يمكن أن نعيش بتخفيف النزاعات الى الحد الأدنى، بين الأفراد والجماعات والدول. هكذا تحدثت لنفسي ولصاحبي في الرحلة المخرج فتحي عبد الرحمن عضو لجنة التحكيم في هذه الدورة. كأنه شريط سينمائي يمرّ أمامي، تأملت رحلة الإنسان الذات والمعنى، فظهر لي كثيرون ممن مضوا، وممن انشغلوا بالنزاعات ينصحون بتخفيفها. تخيلت عدة شخصيات متنازعة تحلس لتحل مشاكلها على فنجان قهوة. تخيلت مشاكل الساسة والحروب، هي أيضا يمكن أن تحل إن صفت النوايا. ما نتردد به ونحن منشغلون جدا وبحدية، يمكن أن نحسمه باتجاه تصالحي بعد وقت يمرّ، فلم التردد! نوازع الاقتتال والتنافس، ألا يمكن أن يصيبها التحول الإنساني؟ تجهم الوجه، سيكون أكثر جمالا لو كان مبتسما. كما في المسرح كذلك في الحياة! حاكى الفن الحياة، فحين أطال كتاب المسرح حياة البشر، أمكنهم التعبير عنها، وأهم ما فعلوه هو التعبير عن الصراع ودوافعه وردود الأفعال. كيف؟ يكون الناس-شخوص المسرحية في حال عادية محايدة، بلا تمايز، حيث يصعب التمييز بينهم إنسانيا وخلقيا وفكريا، ثم يفد شيئا أو شخصا فيه مطمع ما لهم/ن، عندها تبدأ البداية الحقيقية لهم، حخيث يخف تمثيل دور الفاضل/ة من الخارج والسطح الإنساني، ليبدأ الظهور الحقيقي من الداخل. وهنا نتعرّف فعلا على معدن البشر. وهكذا يتطور الصراع وصولا لحل ما، بعد أن يبلغ الصراع ذروته، خصوصا في المسرح الكلاسيكي، حيث يبدأ فعل التطهير، باتجاه الخير بتصوير نتائج الشر السلبية. وهنا، في "فندق العالمين"، في مرحلة الغيبوبة، نتذكر ذلك، ونرى نوازع الخير والشر، ولكن إن تأملنا أكثر، سنجد أن الغيبوبة لا تقتصر فقط على الغيبوبة المرضية، بل هناك غيبوبات أخرى، يمكن أن نتعرض لها، وتكون الخيارات محدودة، وليست في أيدينا، مما يوجهنا إنسانيا لعدم تفويت فرصة اختيار الفعل الإنساني في الوقت الذي كان من الممكن الاختيار. وأظن أن المسرحية قد قصدت إيصال المشاهد إلى تأمل رحلته في الحياة، بحيث يسائل نفسه ويحاسبها، قبل الرحيل! في لقائي الأخير مع الكاتب الراحل سلمان ناطور، لاحظت عليه ثقل الكلمة والحركة، تحدثنا مؤثرا الاستماع، وبالاعتماد على الود الذي نما بيننا، فقد باح الراحل كثيرا كأنه في مونولوج، بل كأنه الشخص الوحيد في مونودراما. حين رحل بعد ثلاثة أيام، تعمقت في التفسير، أو بالأحرى كأنه هو من عمّق تفسيري ومضى في النهاية الأخيرة، فاتحا لي بداية جديدة ربما على نص جديد! هو نصه إذن، وكل ما أصنعه فقط أن أروي ما باح به، فهل أستطيع فعل ذلك إنسانيا وفنيا ومسرحيا وسياسيا!ّ لقد عبر مبدع السينوجرافيا الفنان عبد الرحمن زعبوبي عن حالة التردد من خلال اللونين الأبيض والرمادي، وهو الذي تعرض للغيبوبة إثر حادثة لثلاثة ايام لم يتذكر منها سواهما، التردد. ثمة تشابه بين حالة التردد واللون الرمادي. أزعم أننا قادرون على التخلص من التردد، بالفن وغيره: الشعور الإنساني العميق والفكر الملتزم. كما في الحياة كذلك في المسرح! أبدع الكاتب شميت والمخرج والمخرج أحمد العقون، لعل هناك من يبدع مثلهما في الإدارة والحكم! |