|
القمة العربية بين ثورة الشك وقصة الأمس
نشر بتاريخ: 21/03/2017 ( آخر تحديث: 21/03/2017 الساعة: 20:23 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
يعتبر المجتمع الفلسطيني من المجتمعات الفريدة في العالم، التي تقبل التنوع والاختلاف، ويعيش فيه المسلمون والمسيحيون واليهود والسومريون والشركس والدروز وباقي طوائف الاديان، بل إن المجتمع الفلسطيني من أوائل المجتمعات العربية التي قبلت ظهور تيار شيوعي ومنحته حق الاختلاف والمشاركة.
وحين هرب اليهود من أوروبا استقبلهم المجتمع الفلسطيني كاولاد عم وتشارك معهم الحياة واقام أول "كيبوتس" يهودي على وجه الكرة الارضية في "بتح تكفا" عام 1882، وهكذا إلى حين تم نقل فواتير الصراع في الحرب العالمية الأولى إلى هذا المجتمع الصغير والمتنوع، كما جرى افتعال تهجير مليون يهودي عربي من مصر والعراق وسوريا والمغرب العربي إلى فلسطين، فانفجر الصراع منذ مئة عام وحتى اليوم. وتثبت الحقيقة التاريخية أنه لم يكن هناك خلل في تكوين المجتمع الفلسطيني ولا في طوائفه، بل كان قبل العام 1948 من أكثر المجتمعات العربية تعلماً وتطوراً وازدهاراً، وإنما هي أزمة قامت بريطانيا المترنحة بترحيلها من أوروبا إلى فلسطين، واستخدمت في ذلك التهجير المنظم والتسليح وعدم المساواة ما جعل الطرفين يتناحران على أرض فلسطين ويقتلان بعضهما الأخر في دائرة مفرغة لا تنتج الا الدم، وسيتستمر الوضع على هذا الحال بشكل لا متناهي إذا لم يتدخل العالم لكسر الدائرة واخراج المتناحرين منها إلى بر الأمان. عام 1947 كان أعلى طموح الأحزاب الصهيونية ومعها عصبة الأمم وبريطانيا هو الحصول على موافقة عربية لمنح اليهود حكماً ذاتياً صغيراً في حي تل أبيب بمدينة يافا وبعض مناطق الساحل مثل الخضيرة واحياء يهودية اخرى على الساحل يتناسب مع رغبتهم في الانغلاق وممارسة طقوسهم وطعامهم المختلف. ولكن تسليح بعض العصابات الصهيونية وما اقترفته من اخطاء وجرائم في ظل سوء الإدارة البريطانية، وفقدان هيبتها كدولة عظمى (جرائم مثل اغتيال المبعوث برناديت وسجن رئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيغن في سجن عكا لخمس سنوات بتهمة التفجير وتشكيل منظمة ارغون التي كانت تلبس اللباس العربي والكوفية وتطلق النار وتنفذ اغتيالات سياسية وقومية) ساهم في التدهور نحو الحرب المفتعلة التي اشرف عليها كلوب باشا شخصياً.. فقام بتحييد الجيش الاردني القوي وحدد قوة مشاركة سبعة من الجيوش العربية بالف او الفين جندي فقط ، فقامت " دولة "اسرائيل بشكل قسري وخاطئ وعلى حدود لا تتناسب مع مطالبتهم بالحكم الذاتي اليهودي وبالغت اسرائيل في تقدير حجمها وقوتها ونشأ جيل يهودي يعتقد انه قادر على احتلال الوطن العربي بالقوة ولا يزال حتى يومنا هذا وصار اليهود في فلسطين يرون العالم من فوهة البندقية، فاتسع الجرح وصارت حروبا ومعارك لا تنتهي ولن تنتهي. فكانت حرب 1967 وحرب 1973 وبعدها صار الصراع عربياً اسرائيلياً حتى قام الزعيم عرفات بخطوة مفاجئة اساسها مبدأ الارض مقابل السلام ووقّع تسوية تاريخية اخذ اليهود بموجبها 78% من فلسطين لليهود واكتفى العرب بـ 22% للعرب، ورغم أنّ غالبية العرب لم يعجبهم ذلك ووقفوا ضد عرفات الا أنه وقع مع الرئيس عباس اتفاقية اوسلو لتبدأ مرحلة جديدة من عمر الصراع وفرصة لم تتكرر لكسر دائرة الدم وانعاش التنمية. بعد قتل اسحق رابين وياسر عرفات بفارق تسع سنوات عاش العالم العربي واسرائيل مرحلة حرجة خرجت فيها الامور عن السيطرة، وتراجع معسكر السلام وتقدم اليمين المتشدد في الجانبين ما يشكل خطراً على التسوية التاريخية. وقد يكون لزاماً عليناً أن نستذكر هنا عجز المجتمع الإسرائيلي والفرقاء والمجتمع الدولي عن طرح افكار السلام وانهاء الصراع والتعويل على الزمن في حل المعضلات أو الاعتماد على الاخرين في التدخل وهو حالة عجز فكري وسياسي تقود المرحلة، وتسيطر عليها من كل الجوانب، فلم يعد اليمين المتطرف والمتشدد يكتفي بعدم طرح الحلول وانما صار يحارب ويهاجم أي جهة تطرح حلولاً لوقف نزيف الدم ووقف الاحتلال. مع انتخاب الرئيس عباس تجدد الأمل الدولي في السلام والاتفاق وطي صفحة الخلاف، ولكن فوز حماس بانتخابات البرلمان أرعب إسرائيل والأمريكان الذين اخطئوا بشكل خطير في مقاطعة الحكومة الفلسطينية لمدة 14 شهراً ما تسبب في الانقسام والاقتتال ونشوء حكم اسلامي في غزة وتهاوت قوة السلطة إلى الحد الادنى. فصارت العشائر اقوى من السلطة وصارت الأحزاب اقوى من السلطة وصارت إسرائيل تعتقد أنها هي التي تحمي السلطة وتعلن ذلك وهي تعلم أو لا تعلم أنها بذلك تضعف السلطة، وتضعف فرص استعادة قطار المفاوضات على السكة المطلوبة. في 2007 جاءت فرصة ذهبية لتحريك المياه الراكدة عندما تم تعيين د. سلام فياض رئيساً للحكومة الفلسطينية، ولكن الأمر انقلب إلى عكسه حين كثفت إسرائيل الاستيطان وأهانت حكومة سلام فياض من خلال اجتياح مناطق "الف" في كل ليلة ما دفع المجتمعات العربية إلى الاستهانة بالدكتور فياض وبالرئيس عباس وان إسرائيل تتعامل مع القيادات الفلسطينية الليبرالية باستهانة وازدراء وظهر شعار (إن إسرائيل لا تفهم الا لغة القوة) وصار معظم العرب يصدقون ذلك، ففي حين خنعت إسرائيل وركعت أمام مطالب حزب الله وحركة حماس كانت تعتقل الوزراء وتهينهم على الحواجز حد وصل الأمر الى استشهاد الوزير زياد ابو عين خلال تدافع مع جنود بسبب رغبته في زرع شتلة زيتون امام قرية فلسطينية. وتراكمت الامور وتواصلت اعتداءات المستوطنين فيما كان قادة الأمن الإسرائيلي يحذرون حكومة نتانياهو من الانفجار القادم اذا ما واصل الحاخام جليك وغيره من المتطرفين في اقتحام المسجد الأقصى، وشتم النبي محمد في وسط المسجد الأقصى والبصق في وجه الرهبان المسيحيين، وشهدن أعوام بين 2009- 2014 أعلى درجات الاعتداء على الفلسطينيين والقرى وإحراق البساتين وإحراق المساجد والكنائس، وظهرت منظمة تدفيع الثمن دون أن تعتقلهم إسرائيل أو تقدم اياً منهم للمحاكمة حتى إحراق الطفل محمد أبو خضير في القدس وإحراق عائلة دوابشة في قرية دوما، فانفجرت الانتفاضة الثالثة. والأن يقف الجميع أمام خيارين ضعيفين لا يحلان أية مشكلة ولن ينتج عنهما السلام، الأول حل الدولة الواحدة وهو ما يرفضه اليهود الذين يفضلون الانغلاق وبناء الجدران، والثاني حل الدولتين الذي يعطي الفلسطينيين دولة من الناحية الشكلية، لكن اسرائيل تريدها دولة عاجزة وفاشلة اقتصاديا وصناعيا ومائيا وجغرافيا وأمنيا وديموغرافيا، فهي دولة تفصل الفلسطيني عن الفلسطيني ولا تضمن العمل ولا المال ولا المطار ولا البحر ولا الميناء ولا أي من مقومات الدولة الحقيقية. وفيما تتسابق الامم من أجل التنمية والازدهار لا تزال إسرائيل تحتل فلسطين وتحاصر غزة وتقوم بتهويد القدس، ولا يزال كل عربي يتمنى في قلبه الموت لليهود وأن تصبح حياتهم جحيماً لا يطاق انتقاماً لما على هدم البيوت والاستعمار والأسرى ومصادرة الأراضي. وفي حال استمر السياسيون في كلا الطرفين التفكير بنفس الطريقة والعمل بنفس الأدوات فان خطر الصراع الديني قادم وهو أمر يشكل خطرا على حياة الكوكب كله ويجعل من الموت صناعة المستقبل. لا يوجد أفكار للحل. لا يوجد قادة يملكون الجرأة لطرحها. ضعف التيارات الليبرالية ودعاة السلام. استقواء اليمين والتيارات الراديكالية. تحول القضية الفلسطينية إلى لعبة إقليمية. فشل الإدارة الأمريكية بشكل كامل وفاضح في رعاية عملية السلام. عدم رغبة باقي الدول العظمى في التدخل. والأخطر نشوء جيل لا يؤمن إلا بالحرب وبالقوة ولا يثق بالسلام. |