|
هنيئاً للشعب الفلسطيني الأبارتهايد الجديد
نشر بتاريخ: 08/04/2017 ( آخر تحديث: 08/04/2017 الساعة: 15:07 )
الكاتب: د. وليد القططي
الأبارتهايد باللغة الأفريكانية الخاصة بالمستوطنين الهولنديين البيض في جنوب أفريقيا مصطلح يُشير مدلوله إلى نظام الفصل العنصري الذي فرضه المستوطنون الأوروبيون البيض على السكان الأصليين الأفارقة السود وعلى الآسيويين الملونين الذي جلبوهم للعمل. وتقوم ركائزه على مشروع استيطاني فوقي استعلائي عنصري يُميز ويُفضّل العرق المُسيطر الحاكم على السكان الأصليين، ويُعطيهم الحق في السيطرة على مقدرات البلاد، هذا النظام تصحبه نظريات تُبرر التمييز وتؤصل للعنصرية، وتُعطي بُعداً أيدلوجياً للاستعلاء وتضع غلافاً أخلاقياً لممارساتها غير الأخلاقية.
نظام الأبارتهايد انتهى في جنوب أفريقيا عام 1994 عندما فاز حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بأغلبية ساحقة في الانتخابات وأصبح رئيسه والمناضل الكبير نيلسون مانديلا رئيس حكومة دولة جنوب أفريقيا. ولكن نظام الفصل العنصري لم ينتهِ في أماكن كثيرة من العالم سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ومنها الكيان الصهيوني القائم على أساس تفضيل اليهود كعرق مميز ومُفضّل على (الغوييم) غير اليهود. ويبدو أن عقلية الأبارتهايد هي التي تحكم أصحاب القرار في السلطة الفلسطينية في تمييزهم بين موظفي الضفة وموظفي غزة. عقلية الأبارتهايد هي الأفكار والمعتقدات والقناعات والممارسات التي تُفضّل مجموعة معينة على حساب المجموعات الأخرى بناءً على مجموعة معايير أو واحدة منها ليست لها علاقة بالكفاءة والاجتهاد والعمل، بل لها علاقة بمعايير عنصرية من الزمن القبيح الذي عفا عليه الزمن فاندثر، ومن هذه المعايير السوداء مكان السكن الذي تم فيه التمييز بين الموظفين فخُصمت نسب كبيرة من رواتب الموظفين بناء على أماكن سكنهم لصالح الموظفين القاطنين في الضفة المحتلة وضد الموظفين القاطنين في قطاع غزة المُحاصر. وهذا شكل من أشكال التمييز المرفوض أخلاقياً وإنسانياً ووطنياً وقانونياً. والمبررات التي ساقتها حكومة الوفاق التي هي في الحقيقة حكومة الشقاق برئاسة الدكتور رامي الحمد لله – غير المحمود في الأرض ولا في السماء- هي مبررات واهية وحجج ساقطة بمجرد عرضها ومناقشتها، ومن هذه المبررات الأزمة المالية التي تمر بها السلطة، فإن كان ذلك صحيحا، فلماذا لم تطبق هذه الخصومات علي موظفي الضفة المحتلة وهم أكثر عددا من موظفي غزة المحاصرة؟! ولماذا لم يوجه هذا التقشف إلي رواتب القطط السمان من موظفي السلطة أصحاب المقام الرفيع الذين يستنزفون نسبة كبيرة من ميزانية السلطة؟! ولماذا لم تُقلّص نفقات الوزارات والسفارات والسفريات وغيرها؟!. ومبرر أخر يتحدث عن أن موظفي غزة يتقاضون أجرا دون عمـل والسؤال هو من طلب منهم أن لا يذهبوا إلي أعمالهم؟! أليست السلطة نفسها التي عاقبت من استمر في عمله بقطع راتبه بحجة عدم الالتزام بالحكومة الشرعية ، وهذا المبرر غير دقيق إذا علمنا أن ما عدده (17) ألف موظف هم علي رأس عملهم من مجموع (25) ألف موظف مدني وأن هؤلاء الموظفين محرومون من الاستفادة من العلاوات المختلفة رغم أنهم يؤدون أعمالهم في الوظيفة المدنية دون تقصير. ومبرر أخر يتحدث عن أن قطاع غزة يمثل عبئا ماليا علي السلطة رغم أن السلطة تجني من الضرائب المفروضة علي البضائع الداخلة لغزة (المقاصة) ما نسبته (40%) من أحوال المقاصة التي تمول السلطة كما أن أموال الدول المانحة تقدم للشعب الفلسطيني في الضفة وغزة، هذا في الوقت الذي تخلصت السلطة من هذا العبء المزعوم عندما توقفت عن توظيف الخريجين من غزة في وزارتها ، وعندما قطعت رواتب الآلاف الموظفين المغلوبين علي أمرهم ، وعندما أوقفت كل العلاوات والترقيات للعسكرييـــن ومعظم المدنيين ، وعندما تقاعد وتوفى الآلاف من الموظفين بطريقة طبيعية . ومبرر أخر يتحدث عن أن هذه الخصومات تمت بالاتفاق مع الاتحاد الأوروبي واستجابة لمطالبه وضغوطه علي السلطة . وقد نفى السيد شادي عثمان المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي في فلسطين لوكالة سوا الإخبارية مساء يوم الجمعة أن يكون للاتحاد الأوروبي علاقة بموضوع الخصومات علي رواتب موظفي السلطة بالقطاع مشددا علي أن هذا الموضوع شأن داخلي فلسطيني. وفي كل الأحوال فإن الاستجابة لمثل هذه المطالب ليس له نهاية أو حدود ويُفرّغ السلطة مما تبقى لها من مضمون وطني ويجعلها مجرد إدارة مدنية للاحتلال تنفذ أوامره بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق طرف ثالث. وخُلاصة الكلام لو طالت هذه الخصومات كل موظفي السلطة، لكان وقعها أقل سوءاً، فالمساواة في الظلم عدل، أما أن تأتي هذه الخصومات بهذه الطريقة العنصرية لتطال جزءاً من الموظفين تم تصنيفهم على أساس مكان إقامتهم في غزة البائسة التي لا يرديها أحد، وكأنه عقاب لأهل غزة بعد سنوات طويلة من الاحتلال والحصار والانقسام والمعاناة والصمود والمقاومة فهذا يشير إلى نوع جديد من التمييز على أساس السكن يندرج ضمن نوع آخر من الأبارتهايد فهنيئاً للشعب الفلسطيني الأبارتهايد الجديد. |