وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

بدون مؤاخذة- التاريخ العربي يعيد نفسه مرّات

نشر بتاريخ: 09/04/2017 ( آخر تحديث: 09/04/2017 الساعة: 09:24 )
بدون مؤاخذة- التاريخ العربي يعيد نفسه مرّات
الكاتب: جميل السلحوت
يتأكّد يوما بعد يوم أنّنا كورثة لثقافة "الصّحراء الوحشيّة" لا نتعلّم من التّاريخ، ولا نتّعظ من تجاربنا ولا من تجارب غيرنا، وبالتّالي فإنّ هزائمنا تتوالى وتتسارع بطريقة محزنة، حتّى خرجنا من التّاريخ كأمّة تعشق الهزائم وتتغنّى بها، فارتضينا بالهزيمة ذاتيّا، وهذه أبشع أنواع الهزائم، وإلا كيف يمكن تفسير اصطفاف دول عربيّة مع اسرائيل وتركيّا في تأييد الضّربات الأمريكيّة للقاعدة الجوّية السوريّة في ريف حمص؟ وكيف ارتضينا بكعب نيكي هيلي مندوبة أمريكا في الأمم المتّحدة، والذي تخطى كلّ الأعراف والقيم الدّبلوماسيّة، عندما هدّدت بضرب كلّ من ينتقد اسرائيل بكعب حذائها العالي؟
وإذا ما وصلت غطرسة القوّة الأمريكيّة إلى التفكير بنعال الأحذية بدل استعمال العقل والحنكة السّياسيّة، فإنّ التّاريخ العربيّ الحديث يعيد إلى الأذهان مقولة:"التّاريخ يعيد نفسه مرّتين" لكنّ التّاريخ العربيّ الرّسميّ الحديث يعيد الهزائم مرّات ومرّات، فالأنظمة العربيّة التي أيّدت وموّلت وشاركت أمريكا وحلفاءها في احتلال العراق العظيم وتدميره وقتل وتشريد شعبه، واعتبرت ذلك"تحريرا للعراق من الدّكتاتوريّة" هي نفسها التي تدرّب وتموّل وتسلّح القوى الظّلاميّة التي تدمّر سوريّا وتقتل وتشرّد شعبها، وتستنزف جيشها العربيّ، خدمة لأجندات السّيّد الأمريكيّ، وحليفتيه تركيّا واسرائيل، لذا لا عجب في أن تكون دول الخليج العربيّ واسرائيل وتركيّا أوّل من أيّدوا العدوان الأمريكيّ على القاعدة الجوّية السّوريّة، وكأنّ الرّقص على دمار سوريّا وقتل وتشريد شعبها، واستنزاف جيشها بكعب حذاء إدارة الرّئيس الأمريكيّ ترامب، في وقت يجري فيه انتقادات لاذعة للعدوان الأمريكيّ على سوريا، يعيد إلى الأذهان الرّقص طربا بالسّيوف العربيّة مع الرّئيس الأمريكيّ الأسبق جورج دبليو بوش على دماء العراقيّين وأشلاء العراق العظيم.
وما تأييد العربان للقصف الصّاروخيّ على القاعدة الجوّيّة السّوريّة إلا تأكيد جديد على استمراريّة العمل على تنفيذ "مشروع الشّرق الأوسط الجديد" لإعادة تقسيم المنطقة العربيّة إلى دويلات طائفيّة متناحرة، بعد أن استنفذت اتفاقات "سايكس بيكو" مهمّتها بعد قرن من توقيعها، لكن هذه المرّة بأيد ومال ودماء عربيّة، وتحت شعارات "اسلاميّة" رنّانة، ونستذكر هنا ما جاء في كتاب "أعمدة الحكمة السّبعة" للجنرال البريطاني لورنس بأنّ "القوّات البريطانيّة عبرت قناة السويس بقيادة الجنرال اللنبي في الحرب العاميّة الأولى، ووصلت نهر الأردن ملحقة الهزيمة بالعثمانيّين، دون أن تراق نقطة دم انجليزيّة واحدة، فقد كان قتلى الجيش البريطانيّ من سكان المستعمرات"!
ويبدو أنّ سياسة "كعب الحذاء الأمريكيّة" تلقى رضوخا عربيّا منقطع النّظير، وإذا كانت بعض الأنظمة العربيّة تحتمي بأمريكا للحفاظ على عروشها، فإنّ من يحمي هذه العروش حقيقة هي شعوبها، على قاعدة:"اخدم شعبك يحميك" وليس أمريكا، التي تحمي مصالحها وتتخلّى عن سدنتها عندما تنتهي صلاحيّاتهم، كما حصل مع نظام حسني مبارك في مصر، ونظام زين الدين بن علي في تونس وغيرهما.
وللتّذكير فإنّ من دمّروا واحتلوا العراق وقتلوا وشرّدوا شعبه بناء على أكاذيب اختلقوها، هم من يفعلون الشّيء ذاته في سوريّا وليبيا وغيرهما، وهم أنفسهم من يغذّون الطّائفيّة البغيضة في المنطقة. وهم من يدعمون ويموّلون الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربيّة. وهم أنفسهم من يشكّلون ما يسمّى "بالتّحالف السّنّي" من بعض الدّول العربيّة وتركيّا واسرائيل؛ لمحاربة ايران، وترسيخ الأطماع التّوسّعيّة الاسرائيليّة.
وللتّذكير فإنّ السّكوت العربيّ على احتلال العاصمة الفلسطينيّة القدس، كان البداية لرفع العصمة عن أيّ عاصمة عربيّة، لذا فإن اسرائيل احتلّت واستباحت العاصمة اللبنانيّة بيروت عام 1982، واحتلّت أمريكا العاصمة العراقيّة بغداد عام 2003، وهي التي قادت وموّلت ودعمت ولا تزال تدمير ليبيا منذ العام 2011، والشّيء نفسه منذ العام 2012 في سوريّا، وما الحرب على اليمن منذ 2015 بمنأى عن ذلك. ولن تتوقّف "الفوضى الخلاقة"! عند ذلك بل ستتعدّاها إلى عواصم عربيّة أخرى.