|
حماس والفرصة الأخيرة
نشر بتاريخ: 10/04/2017 ( آخر تحديث: 10/04/2017 الساعة: 09:21 )
الكاتب: شفيق التلولي
إذن ثبتت وجهة السلطة الوطنية الفلسطينية تجاه قضية انهاء الإنقسام الذي يعصف بجناحي أراضيها في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ ما يزيد عن عقد من الزمان استأثرت خلاله حماس بغزة، فيما أمسكت السلطة بزمام الأمور في الضفة الغرببة وبما يترتب عليها من التزامات إزاء قطاع غزة، في الوقت الذي يستفحل فيه الغول الإستيطاني محاولاً التهام أراضي الضفة الغربية ويمعن في تهويد القدس التي يحاول أن يسحبها هذا الإحلال الإستيطاني بعيداً عن الجسد الوطني الفلسطيني.
هذه الوجهة انجلت بما حمله الإجتماع الأخير للجنة المركزية لحركة فتح من نتائج والذي انعقد بعيد قرار حكومة الوفاق اقتطاع ثلث رواتب موظفيها في المحافظات الجنوبية؛ حيث أسفر الإجتماع عن تشكيل لجنة للتواصل مع حركة حماس بهدف تشكيل حكومة وحدة وطنية، وعلى الأغلب فلم تكون هذه اللجنة حوارية كسابقاتها بقدر ما هي حامل لرسالة حاسمة تمثل الفرصة الأخيرة لحركة حماس؛ لعلها تنقذ الجميع من الحالة المتردية وبخاصة في غزة التي تدفع الثمن الأكبر المترتب على هذا الإنقسام. ربما ثمة العديد من أوراق اللعبة وعناصر القوة التي تمتلكها حماس محلياً واقليمياً تمكنها من التكتيك والمناورة؛ لعدم الرضوخ أمام السياج المفروض عليها بهدف ثنيها عن المضي في مشروعها الذي تأخذ له من غزة نقطة ارتكاز وفرض نفسها على الخريطة وتنفيذ برنامجها السياسي الذي يصل بها إلى تثبيته كمشروع استراتيجي إذا ما وصلت إلى سدة الحكم على امتداد الجغرافيا الممكنة في حدود ما أقرتها اتفاقية أوسلو للسلطة الوطنية الفلسطينية، ومن ثم الديموغرافيا الفلسطينية من خلال منظمة التحرير الفلسطينية التي لا تمانع من الانخراط فيها بشروطها وليس بالوضع القائم التي هي عليه، على الرغم من ازدياد الوضع سوءاً واشتداد الطوق المفروض عليها وبرميل البارود الذي لم يعد يتسع المزيد من الحشو، غير أن السياسة الجديدة التي يحاول أن يفرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على العالم تؤشر إلى نيته حسم قضايا المنطقة العربية بمن فيها القضية الفلسطينية وقد تكون غزة الورقة التي لن يسمح بتفشي حبرها على طاولة اللعب الإقليمي أكثر من ذلك؛ وبالتالي سيحاول ترتيب أحجار الدومينو ايذاناً بانتهاء لعبة الأمم؛ ولعل ضربته الأخيرة لسورية إحدى الأمثلة التي تبرهن على ذلك. ففي الوقت الذي تشعر فيه السلطة الوطنية الفلسطينية بأبعاد هذه السياسة وتأثيرها على مستقبل وجودها ومشروعها الوطني، وبالموقف المحرج جداً الذي يفرض عليها تحديات كبيرة وفقاً لهذه السياسة العالمية الجديدة؛ إذ أنها مطالبة بالعديد من الإستحقاقات التي لا تستطيع الإيفاء بها في ظل حالة الإنقسام المستشرية. كما وتدرك بأن حماس استمرأت هذه الحالة، بل وتعمل على اختمار مشروعها الذي تجلى في وثيقتها السياسية المفترضة؛ فلم تعد تحتمل أكثر مما يحتمل في سعيها الحثيث لدى حماس؛ لقبولها بتسليم غزة وتمكين حكومة الوفاق الوطني من الإمساك بزمام الأمور في المحافظات الجنوبية كما في المحافظات الشمالية، وأنها لم تعد تقبل بتمويل هذا الوضع الذي يصلب الإنقسام ويذكيه ويقويه إلى أجل غير مسمى. ومن الواضح أنها عمدت إلى سياسة جديدة تتبعها مع حركة حماس أساسها الحسم والتخلي عن دعم قطاع غزة بمن فيه قرارها الأخير القاضي باستقطاع رواتب العاملين في الوظيفة العمومية وتجميد هذه الاستقطاعات لحين ترتيب أوراقها المالية وأزمتها المفترضة؛ نتيجة للضغط الخارجي عليها. ولعل هذا القرار هو بمثابة عبء آخر تلقيه في وجه حماس ناهيك عن نيتها وقف العديد من الإمدادات الحياتية التي ما زالت تنفخ الروح في غزة مما يجعلها في ضيق كبير لا يحتمله المواطن، ولن يكون بمقدور حماس أن تستعيض عن ذلك العجز الكبير في مدخولات غزة بسبب هذه الإجراءات. يبقى ذلك مرهوناً بما إذا كانت السلطة الوطنية الفلسطينية قادرة على حسم هذا السجال الذي طال كثيراً بما أعدت له من ترتيبات ضاغطة على حماس وما رشح عن اجتماع اللجنة المركزية لحركة فتح بإيفادها لجنة قد تحسم الجدال وتفضي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية بشكل عاجل وسريع؛ فهل ستستجيب حركة حماس لهذا التوجه وتنقذ غزة مما هي فيه؟ أم ستعود إلى نفس المربع الذي يفرض عليها سيناريوهات جديدة قد تفتح الباب أمامها للعودة إلى المواجهة من جديد؟ خاصة إذا اشتد الحصار على غزة وتوقف عنها أسباب الحياة كالكهرباء والوقود والحاجيات الأساسية من صحة وتعليم وغيره، وفي هذه الحالة ربما تخرج جميع الأطراف خاسرة والخاسر الأكبر هو الشعب في غزة الذي لم يعد يستوعب المزيد من الحصار والحروب. هذا ما يفرض على فتح وحماس تحدياً كبيراً ستترجمه الجولة القادمة والمباشرة فيما بينهما، وباعتقادي بأنها ستكون الفرصة الأخيرة ليست لحماس فقط وإنما لفتح أيضاً؛ لأن الفشل سيذهب بمشروع الوحدة الوطنية بعيداً، وربما يكون أولى خطوات الإنفصال، ولا أحد يتوقع النتائج المترتبة على ذلك، ولا ندري من المتسابق فيما بينهما الذي ستقع عليه قرعة الإختيار؛ ليكون حصان الطروادة في الحلبة الإقليمية والدولية خصوصاً بعد تعادل الرؤى والبرامج السياسية مع بعض الفوارق البسيطة في الشكل والمضمون وهذا ما كشفته وثيقة حماس الأخيرة. الكرة الآن في ملعب حماس ويُنتظر منها تسجيل الهدف في المرمى، صحيح بأن السلطة الوطنية الفلسطينية قد أوصلتها رسائل قوية عبر قرارها الأخير بشأن موظفيها وتلويحها بقرارات أخرى قد تثقل كاهلها لما لهذه القرارات من أثر على سير الحياة في غزة، لكن فتح تلقفت هذه الرسائل وامتصت ضرباتها في اجتماعها الأخير، وجاءت بها إلى حماس ليس بعصا غليظة وإنما بصوت مرتفع يزيل العصي من العجلة ويدفع بها إلى الأمام. |