|
مهمات القيادة الفلسطينية الصعبة
نشر بتاريخ: 23/04/2017 ( آخر تحديث: 23/04/2017 الساعة: 16:05 )
الكاتب: د.محمد المصري
كثرت التحليلات والأقاويل من أطراف كثيرة ومتعددة بأن هناك خطة أو طبخة أو مؤامرة "لتصفية القضية"، وهذا هو التعبير الذي يحلو للبعض فيه أن يهّول الأمور ويضخم الحوادث، ليتحول إلى ما يشبه عرّافة إغريقية تنذر بالكارثة، ويحلو لهذا البعض أن يترنم وهو يقول: إن القيادة الفلسطينية ستقدم فروض الطاعة، وأنها ستخضع للشروط الجديدة، في مقالي هذا أحب أن القي الضوء على النقاط التالي، ليس رداً على كل ما سبق ذكره فحسب، وإنما أيضاً لتذكير الذات بالمواقف الفلسطينية التي تجعل من هذه القضية حاضرة دائماً على الأجندة الدولية، وما أقوله هنا لا أقوله وحدي، وإنما هو توجه عام واستراتيجي لدى أعلى المستويات وصُنّاع القرار.
أولى هذه الأمور أن السلطة الوطنية الفلسطينية كذراع تنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والمؤتمرة بأمرها، ترى نفسها وتُعرّف دورها بأنها تشتبك مع الاحتلال أولاً وأخيراً، وأن قضيتها هي إنهاؤه والتخلص من آثاره، وأنها موجودة لخدمة هذا الهدف، وأن كل ما تفعله وتقوم به هو من أجل ذلك، ومن أجل هذا الهدف بالذات، كان على السلطة الوطنية أن تدخل أو تنفذ الاشتراطات الدولية، التي هي بمثابة الضريبة لقبولنا في العالم والاعتراف بنا في الهيئات الدولية، ولهذا كان على السلطة الوطنية أن تحارب الإرهاب، ليس خدمة للاحتلال بقدر ما هو خدمة لاستقرار مجتمعنا وعدم اختطافه أو انتقاله إلى طور آخر أو هدف آخر لم نخطط له أو نتضرر به، ولأننا لن نستبدل الاحتلال بداعش، وإذا كان الاحتلال هو إرهاب أول، فإن الإرهاب الأعمى هو من نوع ثانٍ، وعلى السلطة أن تمشي على حد السيف لتشتبك مع الإرهابيين، سواء بسواء، لأنهما وجهان لعملة واحدة، لأن نضالنا إنساني وشريف ورفيع، فتوجب أن لا يتلوث بأي شبهة من أي نوع. هذا أولاً، أما ثانياً، ولأولئك الذي يصيحون ويكتبون بأن هناك "طبخة" أو "مؤامرة" أو أن القضية تمت تصفيتها، فأقول لهم أن لا تسوية قريبة أصلاً، أو ليس هناك ما يعرض أو يستحق النقاش، فلا السلام الاقتصادي ولا التحالفات الأمنية ولا الإغراءات بانسحاب هنا أو هناك أو بصلاحيات زائدة هنا أو هناك أو أية طرق التفافية على الطريق الصحيح والقصير، بقادرة على تغيير بوصلة الشعب الفلسطيني وقيادته بضرورة تسوية تضمن الحدود الدنيا لمطالب الشعب الفلسطيني. القيادة الفلسطينية مجربة وحكيمة، وقد تعلمت بمدادٍ مكتوب على الجلد والقلب، أن لا تسوية أفضل من تسوية رديئة، وأن التسوية مع الإسرائيلي تحتاج إلى الكثير من الضمانات والشهادات والتطمينات، وأن التسوية مع الإسرائيلي صعبة إلى درجة تتحول فيها إلى ما يشبه بدء صراع جديد، فإسرائيل اليوم، بهذه التركيبة وبهذه العقلية وبهذا الظرف، لم تعد بحاجة إلى تسوية ولم تعد بحاجة إلينا، وهي تريد ان تطوع وتخضع الإقليم كله، وليس الفلسطينيين فقط، لقد انفتح الصراع على مصراعيه، ولم يعد معنا فقط، فمن الصحيح أيضاً أن الإقليم العربي – الإسلامي يدخل طوراً تاريخياً جديداً، تريد إسرائيل فيه أن تكون هي المسيطرة بعد أن كانت معزولة طيلة عشرات السنوات، هذا يعني أن "الطبخة" غير جاهزة، وإن تم التفكير بها أو حتى التلويح بها، فالفلسطيني ما يزال هو رمانة الميزان، صاحب الكلمة الأخيرة، وحامل المسك وحامل الختم. ثالث هذه الأمور، أن القيادة الفلسطينية ترى أن قطاع غزة مختطف من قِبل حركة حماس حقاً، فقد فشلت الحركة في إدارة القطاع، وهي تدخله في أزمة تلو الأزمة، ولا تريد من السلطة الوطنية سوى أن تكون الصرّاف الآلي حقاً، بمعنى أن الحركة تريد أن تهدئ مع إسرائيل وتحظى باعتراف إقليمي ودولي، وتسيطر على غزة ومواردها وثرواتها وتفرض اسلوبها وفكرها عليه، ثم تطلب من السلطة الوطنية أن تنفق على هذا القطاع، ولأن هذا الوضع شاذ جداً، ولا يقبل به أحد، فقد كان لابد من إثارته أو طرحه على الطاولة من جديد، أي، المسألة تتعلق بإعادة التفكير من جديد بهذا الوضع الشاذ والاستثنائي، وحتى لا نكرر كل ما قيل، فإنني أذهب مباشرة إلى الجملة التي أعتقد أن الخلاص متعلق بها، ألا وهي أن الانتخابات هي مخرجنا جميعاً، تعالوا نحتكم لشعبنا، وبناءً على ما ذكرته في الأمر الأول، أرى أن البيت الفلسطيني الجامع والوحدة الوطنية بشروطها الدنيا، ستكون هي المخرج أيضاً من كل الضغوط الأمريكية والإسرائيلية والإقليمية، إذ قد تكون المرحلة القادمة هي مرحلة الضغوط غير المسبوقة على الفلسطينيين، وعلى السلطة الوطنية، لتعود إلى التفاوض اللانهائي دون اشتراطات أو استحقاقات، وعلى حركة حماس لتقبل بدويلة منفصلة. ولأنني أؤمن بأن حركة حماس حركة جماهيرية وقدمت للوطن خيرة قياداتها وشبابها، فلا يمكن لها أن تصادر المستقبل الفلسطيني بالانفصال أو الاختطاف، ولأنني أؤمن بالله وبشعبنا الفلسطيني، فإنني أطالبها بأن لا تتساوق مع الأطروحات الإقليمية والدولية أو حتى من يحاولوا التأثير عليها لأجنداتهم، حيث يتم الآن إعادة رسم الحدود، وتحديد خارطة جديدة للإقليم العربي، فلا نريد أن نصحو ذات يوم لنجد أن هناك كيانين فلسطينيين، أي أن نحصل على دولة دون أن نحصل على وطن، الدولة هدفنا، هذا أكيد، ولكن علينا أن نحصل على أرض هذه الدولة أولاً، ونسميها ونعود إليها ونسكن فيها، هذا هو الأهم. الأمر الأخير الذي أريد أن أُنهي به مقالتي، أن إدارة ترامب أثبتت أنها سريعة وحازمة وبنفس الوقت محتارة، وأنها تريد استخدام كافة العناصر الموجودة في الإقليم العربي لإنهاء المهمات سريعاً، ولا تستطيع القيادة الفلسطينية أن تقاوم كل هذه الضغوط، من الداخل والخارج، إلا من خلال الاستيعاب والتفهم وحكمتها، المعارضة ضرورية ولكنها أيضاً مسؤولية، فنحن بحاجة إلى الكل الفلسطيني أن يتوحد ويبتعد عن أجنداته الخاصة، ونقف خلف القيادة للخروج من هذه المرحلة بأقل الخسائر الممكنة، خاصة والجميع يعلم بأن لا دولة فلسطينية في القريب ولا حلول ناجزة على الطاولة، لذا، وحدتنا هي الأمان، وهي مصدر قوتنا حينما نقول لا. |