|
رسالة مفتوحة للسيد/ إسماعيل هنية (أبو العبد)
نشر بتاريخ: 09/05/2017 ( آخر تحديث: 09/05/2017 الساعة: 10:16 )
الكاتب: د. ناصر الصوير
بادئ ذي بدء اسمح لي يا أخ أبو العبد أن أهنئك بفوزك برئاسة المكتب السياسي لحركة حماس عن جدارة واستحقاق.
ما دفعني لكتابة هذه الرسالة لكم أخ أبو العبد هو الظروف المعقدة والأوضاع الصعبة التي لا تخفى عليكم بكل تأكيد ويعيشها الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة على حد سواء نتيجة جملة من الأسباب والتحديات، وما آلت إليه العلاقات بين السلطة الفلسطينية في رام الله ورئيسها السيد/ محمود عباس من جهة والسلطة الحاكمة في غزة وأعني بها حركة حماس التي تقفون على رأسها الآن من جهة أخرى، من سوء وتردي وتراجع وسلبية، الأمر الذي بات يهدد بشدة كينونة النسيج السياسي والاجتماعي الفلسطيني بأكمله، وينذر بتداعيات خطيرة بل وكارثية على القضية الفلسطينية برمتها. أخ أبو العبد .. أعلم تماماً كما يعلم الكثيرون غيري أنكم من أصحاب الفكر المستنير المنفتح على الجميع، ولديكم الجاهزية الكاملة والمرونة المطلوبة للتعاطي مع كل ما من شأنه وضع حلول للتحديات والمشاكل الخطيرة الماثلة أمام المشهد الفلسطيني على كافة الصعد، ويعلم الجميع أنكم من أكثر قادة حركة حماس قبولاً سواءً على الساحة الفلسطينية أو الساحتين العربية أو الإسلامية، وبناء عليه وجدت أنه من الأهمية بمكان أن أخاطبكم بعيون مواطن فلسطيني يعيش في الشارع الفلسطيني، يسمع ويرى ويعايش المشاكل والهموم والتحديات التي تواجه المواطن الفلسطيني في قطاع غزة، متمنياً أن تتضمن هذه الرسالة ما من شأنه أن يسهم بتحريك القاطرة الفلسطينية التي تقبع حالياً في قلب نفق مظلم ولو بسنتيمتر واحد نحو النجاة. ومن هذا المنطلق اسمح لي بأن أصارحك بمجموعة من الحقائق ما كنت سأستعرضها لولا يقيني التام بأن صدركم سيتسع لها وستضعونها إن شاء الله موضع الاعتبار: الحقيقة الأولى: أن المواطن الفلسطيني في قطاع غزة بعد عشر سنوات من الانقسام وما تخللها من مصالحات فاشلة لم تر النور ومناكفات وخيبات أمل متكررة، بات في حالة عصبية متوترة ومزاجية صعبة خصوصاً في ظل انسداد الأفق لإنهاء هذا الانقسام، واسمح لي أخ أبو العبد بأن أقول أن الشارع أصبح اليوم غير مكترث نهائياً بالتنقيب والبحث عن أسباب هذا الانقسام وعن المتسبب فيه، ولم يعد يضع في أجندته على الإطلاق: من الذي تسبب بهذا الانقسام؟ وأصبح بعد كل هذه السنوات الطويلة من الاتهامات والاتهامات المتبادلة بين قطبي الحياة السياسية الفلسطينية(فتح وحماس) يساوي بين جميع الأطراف في تحمل مسؤولية المعاناة والعذابات التي يتجشمها ويتكبدها.. لذلك فأنا أعتقد أن إنهاء الانقسام بشكل حقيقي صادق وفعلي يجب أن يكون في قمة أولوياتك على الإطلاق! خصوصاً أنك تمتلك القبول لدى قيادة فتح والرئيس عباس شخصياً بدليل عدم إقحامك بأي مناكفة إعلامية من تلك المناكفات الكثيرة والمتعددة التي وقعت بين فتح وحماس طيلة السنوات العشر التي خلت من عمر الانقسام، وترحيب أكثر من مسئول فتحاوي بانتخابك رئيساً للمكتب السياسي لحركة حماس! وتجسيداً لأهمية تحقيق هذا الهدف كما سيكون رائعاً أن تعلن أمام الشعب أن إنهاء الانقسام هو الهدف الأسمى الذي ستسعى لتحقيقه منذ الآن دون تأخير. الحقيقة الثانية : السلطة الفلسطينية في رام الله برئاسة السيد أبو مازن تدعي وتزعم أن كل قرار تتخذه ضد غزة ويحمل طابعاً عقابياً ناجم عن قرارات خاطئة اتخذتها حركة حماس، إما تحمل طابعاً استخفافياً بالسلطة ودورها في غزة أو طابعاً انفصالياً يسعى لتكريس انفصال القطاع عن الضفة، وكما هو معلوم فإن السلطة في رام الله بررت الإجراءات التي اتخذتها وستتخذها ضد القطاع بقيام حماس بتشكيل لجنة إدارية لإدارة شئون القطاع، وهو ما وصفته رام الله بالإعلان الضمني عن انفصال قطاع غزة عن الكل الفلسطيني، وشرعت بالرد على هذه الخطوة بإجراءات قاسية صعبت وعقدت على سكان القطاع حياتهم المعقدة أصلاً ! لذلك كم أتمنى أخي أبو العبد سد كل الذرائع وإغلاق كل المنافذ والمبررات والأسباب التي قد تسوقها رام الله لفرض إجراءات ضد القطاع، والإعلان فوراً عن حل اللجنة الإدارية وتهيئة الأجواء المناسبة لتفعيل عمل حكومة الوفاق الوطني، والابتعاد عن كل ما من شأنه منح الذرائع لفرض اجراءات عقابية ستزيد من عذابات سكان القطاع المثقلين بالهموم والمشاكل! الحقيقة الثالثة : مما لا شك فيه أن أحد أسباب إطالة عمر الانقسام هو التأجيج الإعلامي المستعر بين وسائل الإعلام التابعة للطرفين(حماس وفتح) الذي أوصل الناس لدرجة الإحباط واليأس، وجعل ثقتهم تتزعزع بمكونات الحياة السياسية الفلسطينية برمتها، وكم أصبحت صورتنا ممسوخة ونحن نتقاتل عبر الفضائيات ويردح بعضنا لبعض، وننشر غسيلنا أمام الرأي العام العربي والإسلامي والدولي، أرجوك يا أخ أبو العبد أن تقوم بوأد هذه الظاهرة الخطيرة من خلال إصدار توجيهاتك الصارمة والواضحة بتوقف كل وسائل الإعلام التابعة للحركة توقفاً تاماً عن جميع صور وأشكال التطاول أو التعدي الإعلامي ضد الرئيس والسلطة، وأن تقوم بالإعلان عن ذلك بوضوح كبادرة حسن نية، وأنا متأكد أن هذه البادرة ستجبر الطرف الآخر على التعاطي معها بالمثل. وستكون مفصلية لتهدئة الأمور وتهيئة الأجواء لمواصلة الطريق نحو إنهاء الانقسام بشكل كامل وتام بمشيئة الله... الحقيقة الرابعة : أثبتت سنوات الانقسام الطويلة أن التصريحات التحريضية التأجيجية غير الواعية والمسئولة من قبل الصف القيادي في الحركتين كانت سبباً في تدهور الوضع ودخولنا في هذا النفق المظلم، لذلك من الأهمية بمكان أن تتوقف هذه الظاهرة ويتوقف كل من هب ودب ويطلق عليه لقب (قيادي في الحركة) بأن يطلق العنان للسانه لتوتير الأجواء وشحنها بكميات هائلة من الكراهية والتحريض، لذلك أرجوكم أخي أبو العبد يجب أن توقف هذا النهج التوتيري، وأنا على قناعة أن هذه الخطوة ستقابل بخطوة مماثلة من قبل رام الله، الأمر الذي من شأنه تخفيف الاحتقان بصورة جوهرية. الحقيقة الخامسة : لا يشك اثنان أن تعاطي حركة حماس الايجابي مع القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان هو أحد الأسباب الرئيسية التي أوغرت صدر أبو مازن الذي يعتبر دحلان عدوه اللدود ومشكلة مشاكله، حيث اعتبر أبو مازن أن هذا التعاطي من قبل حماس بمثابة محاولة للانقلاب عليه وتقويض حكمه، لذلك فمن الحكمة وبُعد النظر أن تنأى حركة حماس بنفسها عن هذا الصراع المحموم بين عباس ودحلان، خصوصاً أن الحركة ادعت دوماً أن سياستها المعلنة عدم التدخل في الشئون الداخلية للغير محلياً وعربياً. الحقيقة السادسة : ليس سراً أن القطاع يعاني من مشكلات عويصة جداً ألقت بظلالها السلبية القاتمة على جميع مناحي الحياة في القطاع وأخص بالذكر مشكلة نقص كميات الكهرباء، وتفشي البطالة بين صفوف الشباب، وانتشار نسبة الفقر، لذلك علينا أن نعترف بأن المواطن تشبع إحباطاً ويأساً وأصبحت جميع التعليلات والتبريرات لديه مرفوضة وغير مقبولة حتى وإن كان بعضها محقاً وصحيحاً، وعليكم أخ أبو العبد العمل الجاد والمخلص والمثمر من جل إيجاد حلول دائمة لهذه المشاكل، ودعني أصارحك بأن إلقاء اللوم على الحصار تارة وعلى رام الله تارةً أخرى كأسباب لكل هذه المشاكل بات لدى المواطن غير مقبول وان كان صحيحاً، فهو يريد رؤية حلول ولا يريد سماع تبريرات، خصوصاً أن الأحوال المعيشية والاقتصادية تزداد سوءاً يوما بعد يوم، وهناك منغصات تعكر صفاء ونقاء المجتمع في غزة بين الفينة والأخرى، مثل جرائم القتل، والانتحار. الحقيقة السابعة : للأسف أخ أبو العبد أثبتت الوقائع والأحداث أن مجتمعنا مرتع خصب لانتشار الشائعات، في هذه البقعة الضيقة المكتظة عن آخرها بالبشر، لذلك فان القضاء على الشائعات لا يأتي بالضرب على يد مروجي الشائعات فقط، لأن الإعلام الالكتروني ووسائل الاتصال الاجتماعي أتاح لأناس يقطنون أقاصي الأرض من بث سمومهم ونشر الشائعات المغرضة دون حسيب أو رقيب، وأعتقد أن أفضل علاج لهذه المشكلة هو تبني سياسة قائمة على أقصى درجات الشفافية وأعلى درجات المصارحة بين السلطة الحاكمة والمواطن.. شفافية ومصارحة توضح وتبرر للمواطنين كل سلوك وقرار يصدر عن أي جهة سيادية حاكمة في القطاع، مما يسهم في قطع الطريق على انتشار الشائعات التي تسهم فعلياً في انتشار الإحباط واليأس في القطاع، فالسكوت والغموض هو من أهم الأسباب التي تؤدي إلى انتشار الشائعات وتدحرجها في قطاعنا ككرة الثلج تكبر وتتنامى وتتصاعد بصورة غير طبيعية. الحقيقة الثامنة : دأب المسئولون الفلسطينيون منذ قيام السلطة الوطنية وحتى يومنا هذا عند رغبتهم بالتواصل مع المجتمع المحلي الالتقاء بالمخاتير والوجهاء وذوي الحسب والنسب، وأنا هنا لا أقلل من شأنهم فهم من أعمدة المجتمع وطليعته، ولكن ليس خافياً عليكم أخ أبو العبد أن شريحة المثقفين في أي مجتمع هي التي تشكل نبضه المتقد وضميره الحي، لذلك أرجوكم التركيز على عقد لقاءات دورية دون توقف مع شرائح المثقفين(سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وإعلامياً) خصوصاً شرائح المثقفين المحايدين غير المنتمين للأحزاب والحركات والتنظيمات الذين لا ناقة لهم ولا جمل إلا مصلحة الوطن، وأؤكد لكم أنكم ستستمعون منهم لشهادة غير مجروحة لنبض الشارع وأحواله ومشاكله وهمومه. الحقيقة التاسعة : كما هو معلوم قامت سلطة رام الله الشهر المنصرم بخصم نسب كبيرة من رواتب موظفيها، ولديها خطط كما تناقلته وسائل الإعلام لإحالة معظمهم للتقاعد القسري، الشاهد هنا أن حركة حماس رفضت القرار وواجهته بدعم المحتجين من الموظفين التابعين لسلطة رام الله، وباركت خطواتهم التصعيدية ضد الرئيس، على الرغم أن هذه القضية تعتبر شأناً سلطوياً داخلياً لفئة من المجتمع ليس لها علاقة من قريب أو بعيد بسلطة حماس في غزة تطلق عليهم (المستنكفين) .. الخطورة في الموضوع أن سلطة رام الله اعتبرت تدخل حماس في الموضوع بمثابة تحريض وتأجيج ضد الرئيس لتقويضه وإفشاله ونزع الشرعية عنه، لذلك كم هو منطقي أن تنأى حماس بنفسها عن التدخل بهذا الملف الداخلي المحض، وتكرس جهدها لإنهاء الانقسام وهو الهدف الذي إن تحقق سيؤدي إلى فكفكة وحلحلة كل الملفات العالقة والمستعصية ومن ضمنها هذا الموضوع وغيره. الحقيقة التاسعة : لا يخفى عليكم أن أقصر الطرق للتواصل مع الآخرين هو الخط المستقيم المباشر، لذلك أنا أعتقد أنه من الأهمية بمكان فتح قناة تواصل بينكم وبين الرئيس أبو مازن مباشرة، وألا يقتصر هذا التواصل على تقديم التهنئات أو التعازي، وكلي ثقة بأن هذا التواصل إن تم فسيحدث انفراجة ايجابية كبيرة في العلاقات بين حماس وفتح والسلطة وستنقشع غيوم الشك بينن الطرفين شيئاً فشيئاً إلا أن يتحقق الهدف المنشود وينتهي الانقسام إلى غير رجعة إن شاء الله. السيد/ إسماعيل هنية (أبو العبد): أرجو ألا أكون قد أطلت الشرح، فأنا أعلم تماماً أن ما سقته لا يخفى عليك، وتعلمه وأكثر، وأعلم أنك أدرت بنزاهة وأمانة سفينة الحكم لسنوات عديدة، لكنه سعي مواطن مثلي لتذكير قائد مثلك عملاً بقول الله تعالى(فذكر إن الذكرى تنفع المؤمنين) ... (فذكر إن نفعت الذكرى) ولا ننسى أن الدين النصيحة .. ورحم الله عمر الفاروق الذي قال: رحم الله من أهداني عيوبي.. ختاماً أسأل الله لكم السداد والتوفيق وأن يسجل التاريخ أن القائد إسماعيل هنية نجح في إنهاء الانقسام وأعاد اللحمة ووحدة الصف لفلسطين وشعبها ... متمنياً لكم موفور الصحة وتمام العافية. وأقبلوا فائق الاحترام |