وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

هل إسرائيل أرحم من العرب؟!

نشر بتاريخ: 14/05/2017 ( آخر تحديث: 14/05/2017 الساعة: 10:08 )
هل إسرائيل أرحم من العرب؟!
الكاتب: سري سمور
لعل بعضكم أو كثيرا منكم سمع أو تعامل والتقى مباشرة بعض العرب المقموعين من نظمهم الاستبدادية يشيدون صراحة أو ضمنا بالاحتلال الصهيوني، من حيث أنه أهون وألين وأقل قسوة في التعامل مع الفلسطيني الذي يطلق النار ويلقي الحجارة، وأنه لا يفعل بالفلسطيني المقاوم ما تفعله النظم المستبدة بالعربي المعارض، وهذه جدلية لا تقتصر على عوام الناس، بل ثمة (نخب) تمارسها بكلام منمق، فتقارن بين وضع المعتقلين في السجون العربية، وبين أوضاع نظرائهم من الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية؛ وكيف أن معتقل الرأي في السجن العربي يمضي سنوات طويلة، مع حرمان من أبسط الحقوق، ويمكث سنوات طويلة في سجون أبناء جلدته بسبب كلمات مكتوبة أو مواقف كلامية أو أفكار سياسية لا أكثر، ناهيك عن التعذيب الشديد الذي قد يؤدي إلى الموت خلال الفترة الأولى من الاعتقال، بينما الأسير الفلسطيني لا يحاسب غالبا من قبل الإسرائيليين على مواقفه وآرائه وأفكاره، وإن حصل يكون الحكم قليلا جدا مقارنة مع نفس الحالة في المحاكم العربية، وأن حكم المؤبد يقتصر على الذين نفذوا عمليات أدت إلى قتل إسرائيليين، ويسمح للمعتقلين الفلسطينيين عادة بإكمال دراستهم الجامعية بنظام التعلم عن بعد، وهم حين يشعرون بنقص يخوضون-كما هو حاصل-إضرابا عن الطعام لتحسين ظروف اعتقالهم، ولا يتم التعامل مع المضربين بما يتم التعامل به عربيا مع سجناء الرأي والمعارضة، إذا فكروا مجرد تفكير بطلب تحسين ظروف الاعتقال المأساوية، كما يسمح للمعتقل الفلسطيني بالالتقاء بمحاميه، وهناك زيارات دورية من الصليب الأحمر، ناهيك عن رقابة شديدة من منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية والدولية؛ ويخرج المعتقل الفلسطيني من السجون الإسرائيلية ليحظى بالاحترام والمكانة المرموقة في مجتمعه وتنظيمه، وربما نمت له عضلات مفتولة من ممارسة الرياضة، أو صار يتقن لغة أو اثنتين بعد العربية؛ فيما يخرج المعتقل العربي بمجموعة أمراض جسدية ونفسية، مع نفور ونبذ من غالبية مجتمعه، خوفا من انتقام السلطات التي تظل تلاحقه وتعد عليه أنفاسه حتى بعد أن أخلت سبيله...وبهذا تعتبر السجون والمعتقلات الإسرائيلية فنادق درجة أولى إذا ما قورنت مع السجون وأماكن الاحتجاز العربية...وقد صوّر الروائي الراحل (عبد الرحمن منيف) حال السجون العربية في (شرق المتوسط) و(الآن هنا..أو شرق المتوسط مرة أخرى).
كما أن إسرائيل حين تفرض حصارا على منطقة فلسطينية فإنها لا تتسبب بالجوع المميت للأطفال وعامة الناس، بل تحرص سلطات الاحتلال على السماح بمرور المواد الغذائية والأدوية وبكميات كافية وأحيانا فائضة إلى المحاصرين.
كما أن المعابر الإسرائيلية فيها مقاعد مريحة وأجهزة تكييف ولا يطلب الإسرائيليون رشوة من أي نوع من المسافر الفلسطيني، مثلما يحصل مثلا مع الفلسطيني المسافر من قطاع غزة إلى مصر، وكلنا يعرف أو يسمع عن حجم الابتزاز المالي والنفسي الذي يتعرض له من الأشقاء الكبار!
ومن ناحية أخرى فإن الفلسطيني الذي يعمل بتصريح رسمي داخل الخط الأخضر يحصل على أجر أفضل بكثير مما يحصله الفلسطيني العامل في القطاع الخاص في المناطق الفلسطينية، وإن بذلا نفس الجهد وساعات العمل، بل قد يكون العامل لدى الإسرائيلي يبذل جهدا أقل وساعات عمل أقل من العامل عند أخيه وابن شعبه!
هنا نتحدث عن تعامل إسرائيل مع أعدائها الطبيعيين، فهي وإن قست عليهم وقتلت منهم وسجنت كثيرين، فإنها مقارنة مع تعامل النظام الرسمي العربي مع معارضيه، تظل أرحم وأهون وأخف ضررا، علما أن التعامل مع الأعداء يفترض فيه القسوة والدموية بلا حدود، ولكن إسرائيل المسلحة بكل العتاد والسلاح تستخدم القوة في زمان ومكان محددين ثم تتوقف تماما بعكس الأنظمة العربية التي يزداد غلّها وحقدها على مناطق بأكملها فتتبع معها سياسة الأرض المحروقة.
وبناء عليه أيها الفلسطينيون: ما بكم تريدون الخلاص من الاحتلال الإسرائيلي؟وخاصة أن بعضكم قد سجن في سجون أنظمة عربية دون أن يمس أمنها سنوات، ما كان يمكن لأقسى وأشد محكمة عسكرية إسرائيلية أن تحكم بها عليه بذات التهم.
كل ما سبق وأضعافه من أمثلة المقارنة بين الاحتلال الصهيوني، والأنظمة العربية عموما يمكن أن نسمعه أو أن نقرأه، وإذا أخذنا بظاهر الأوضاع دون تأمل جوهرها فإننا سنقول في غمرة العاطفة المندفعة:إن إسرائيل أرحم بل أفضل من العرب!
ولكن الأمور ليست بهذا التسطيح، والصورة تحتاج إلى تأمل أكبر، ولا أقول هذا الكلام فقط انطلاقا من دوافع النخوة والمروءة والغرق في الشعارات وخاصة(وأهلي وإن ضنوا علي كرام)، كلا كلا فتلك أمور أعلم أنه لم يعد لها محل من الإقناع، ولكن طرحي يقوم على مناقشة حقيقة (الرحمة) الإسرائيلية الغالبة التي يزعمها هذا الطرح.
بخصوص وضع السجون والمعتقلات فإنني أترك لمن أراد التوسع في الأمر العودة إلى دراسة أعدها الأسير (وليد دقة) وهي بعنوان(صهر الوعي-أو في إعادة تعريف التعذيب) فالإسرائيلي يعمل وفق خطة مدروسة متسلسلة في تعامله مع المعتقل الفلسطيني، وحين نتحدث عن مليون حالة اعتقال منذ 1967 نلحظ كيف أن الاحتلال غيّر وبدل في أدواته وأساليبه ولم يغير في الهدف الاستراتيجي الأكثر أهمية؛ فهو قبل 30 أو 40 سنة كان يستخدم ذات أدوات الجلاوزة العرب فتعرض المعتقل الفلسطيني إلى الكيّ بالسجائر والصعق بالكهرباء والضرب على أماكن حساسة، ثم انتقل حاليا إلى التعامل بأساليب أخرى أكثر دهاء، وهو يرى أن ما حققه بأساليبه الناعمة بتقليل أو حتى تجنب الضغط الجسدي على المعتقل أكثر بكثير مما حققه بأساليبه العنيفة القاسية، وأنه في السنوات الأخيرة قطف ثمارا لطالما تمناها!
وأما بقية الأمور التي يظهر فيها الإسرائيلي مثالا للعدل والإنسانية والرأفة والنزاهة مقارنة مع النظم الاستبدادية العربية؛ فإن هناك فكرة يجب ألا تغيب عن أذهاننا؛ ألا وهي حالة التحالف المعلن أحيانا، والسرّي أحيانا أخرى بين الأنظمة الباطشة بشعوبها وبين إسرائيل، وكذلك الرعاية الأمريكية لهذه النظم والدفاع عنها ودعمها، فأمريكا ترعى استبداد وقمع وفساد النظم العربية، وأمريكا أكثر من يعلم بحقيقة تعامل الأنظمة اللاأخلاقي والإجرامي التعسفي مع شعوبها، ولكن أمريكا- أكبر داعم لإسرائيل أيضا- وفي سبيل إبقاء المجاميع العربية في حالة استنزاف تشغلها عن الكيان العبري، وهي تواجه ما تراه أسوأ منه من أنظمة قمعية، تحرص على حياة الأنظمة وفق المعادلة المذكورة!
وفوق كل هذا فإن للسرديّة أهمية قصوى في الفكر الصهيوني منذ تأسس وتمأسس؛ فإذا كان النظام العربي الرسمي باطشا وقمعيا من أجل حزب أو عائلة أو مجموعة رجال أعمال أو كل ما ذكر، فإن حقيقة الدولة والأمة والكينونة مفروغ منها؛ أي أن الصراع هو حول من وكيف يحكم القطر العربي الفلاني؛ بينما في الحالة الفلسطينية فإن الصراع حول إلغاء الكينونة تماما حيث أن عنوانه المخيف:هل هذه أرض فلسطين أم هي أرض إسرائيل أو أرض الميعاد؟ وفي سبيل طغيان سرديتهم، يستخدمون القنابل والورود أيضا...فالهدف الاستراتيجي أسمى وأهم من الأسلوب والوسيلة.
فالسؤال المطروح ليس له وجاهة، فليست إسرائيل بأرحم من العرب، لأن ما يحصل في بلاد العرب إما منها أو في سبيل بقائها!