|
خلف القضبان ... كرامة وانتصار
نشر بتاريخ: 22/05/2017 ( آخر تحديث: 22/05/2017 الساعة: 14:27 )
الكاتب: د. سهير قاسم
يذكروننا برائحة الوطن، يعودون بنا إلى شذرات من الأصالة، يشدون على أمعائهم لتحيا القضية، قلوبهم تنبض بالحياة وعقولهم تحاور الآفاق، يرسمون لوحات من العزّ وقد صغرت عندهم سلطات الوهم الزائلة، هم الأسرى الذين يصنعون كرامة شعب من خلف القضبان، بصوت واحد موحد، بجوعهم يصرخون ويصرون على البقاء والانتصار، رغم غطرسة الاحتلال وزمرة المتسلقين الذين نسوا أو تناسوا الوطن وهمّه.
تخلّى هؤلاء الأسرى عن أبسط حقوقهم وقد تصدروا الحدث، ليحيا الوطن ولتعيش كرامة الإنسان، بين الحياة والانتصار، يخوضون حربًا على الاحتلال بأمعاء خاوية. فأين نحن منهم وأين هم منا؟! ومع صرخاتهم يتكرر التاريخ لتذوب أصوات أصحاب الحقوق والحريات بل تتطاير وتختفي، أؤلئك الذين يدّعون الحضارة والرقي الزائل بل الوهمي، فهل فعلاً ينقذون الشعوب المقهورة أم يزيدون عليها التسلط والدّمار! يأتون من كل صوب وفجّ... فإذا حضر الفعل غابوا ولا صوت لمساندة أو تعبير فعليّ على الأرض؟! حق لنا القول بأن الأحرار هم الأسرى، والأسرى هم الأحرار...! في زمن كُممت فيه الأفواه وأصابها العجز حتى عن التعبير، ربما حالة من الاختناق التي باتت تسود المشهد الفلسطيني برمته في ظل صمت عربيّ ودولي جائر حتى بتنا نشهد الفئوية والطبقية المتزايدة يوما بعد يوم وحدث ولا حرج، تناقض طبقي غريب عنا لم يعد يقتصر على جهة بعينها، بل أصبح غازيا للجميع حتى في مجتمعاتنا التي تعاني الاحتلال. وما بين الواقع والخيال يجول الفكر وتنساب الكلمات باحثة عن محطات من هنا وهناك لتقف عند واحدة منها فنرى معادلتين مختلفتين بل متناقضتين ربما يجمعهما النقيض، فذلك الأسير الشامخ خلق القضبان الذي يفرض الحياة ليحقق الانتصار وفي الجهة الأخرى ذلك المُتهافت على جذب الانتصار الوهمي حتى على حساب أصحال المعاناة، وكأنه عقولهم قد ران عليها الظلام، فهل ذلك مرض الكبر والوهم، أم ربما غاب الحياء وانتصر الزيف والنفاق وعشّاق حبّ الظهور على الشاشات والصفحات! وتخطر مشاهد أخرى في البال، منها التهافت غير المقبول في انتخابات المجالس المحلية والقروية الأخيرة في ظل ظروف قاهرة لشعبنا، فهل دوافع المتهافتين تعود إلى الرغبة في السلطة والمباهاة وتحقيق المكاسب الآنية، أم هو الشعور بالمسؤولية الوطنية والاجتماعية والالتزام والرغبة في العمل الجاد الدؤوب... ما الدوافع الحقيقية للتقاتل والتناحر من أجل الفوز؟! لا أظن الإجابة صعبة فالبدائل ومفاتيح الإجابة كثيرة ومتاحة أمام الجميع. أما المشهد الآخر فهو مرافقة ذوي الأسرى وإسنادهم من أجل حبّ الظهور والتقاط الصور لأغراض ومصالح شخصية، فتلك مشكلة حقيقية بات يعاني منها ذوو الأسرى والمجتمع برمته، فهل قضية الأسرى وذويهم العادلة سلالم لذوي المصالح الضيقة والمتسلقين؟! ذلك أبداً لا يعني التقليل من دور الإعلام في نشر الرسائل والقضية لكن التوظيف الفعال والجيد لذلك الإعلام يتطلب مراعاة المشاعر لفئة باتت تصارع الموت وهي تبحث عن العزّ والفخار. آن لنا تأمّل توجهاتنا واستراتيجياتنا في المجالات جميعها وإن كنت أخصّ السياسية منها حتى نجلب الحياة للأحياء، فهل بوصلتنا تسير في وجهتها الصحيحة لترتقي بنا ولنحقق الحياة؟ هل نأخذ العبر والدروس من التاريخ من كرامة الأسرى التي أصبحت أنموذجاً وبوصلة متجددة تجذب الانتصار وتحفظ ما تبقّى لنا من الدّمار؟ لنتذكر دائماً أننا أمام مسؤوليات كبيرة ما بين الواقع الحالي والظروف العصيبة وما بين حفظ التاريخ والقضية من خلال تربية جيل مشرق ينظر إلينا ويتأمل تصرفاتنا بعمق ليكون هذا الجيل نقطة الحسم والفصل الإيجابيّ ليأخذ على عاتقه المسؤولية ويقرر مستقبل القضية والاتجاه الصحيح، ذلك الجيل الذي يقف الآن على مفترق ما بين الكرامة وصنّاعها من أبطال هذا الشعب ... وبين أؤلئك الذين يتبعون الزّيف والرياء ممن تقودهم المصالح الضيقة التي تبعدهم حتى عن ذاتهم حتى أصبحوا مرضى العظمة ويستغلون الوطن والمواطن، فهل، سيحمل ذلك الجيل العظيم شمعة الأمل لتحقيق الانتصار الحقيقيّ والمأمول؟؟؟ |