|
زيارة ترامب.. قراءة في الخلفيات والأهداف
نشر بتاريخ: 25/05/2017 ( آخر تحديث: 25/05/2017 الساعة: 09:47 )
الكاتب: د. وليد القططي
منذ أن خرجت الولايات المتحدة الأمريكية من عزلتها الاختيارية، وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، وفشل العدوان الثلاثي البريطاني والفرنسي والإسرائيلي على مصر عام 1956، أصبحت هي الوريث الوحيد لبريطانيا في زعامة الغرب وحراسة مصالحه في الشرق العربي والإسلامي، وفي مقدمة هذه المصالح حماية وجود وأمن (إسرائيل)، وضمان استمرارية تدفق النفط العربي إلى أوروبا وأمريكا ونهب ثروات العرب والمسلمين.
وكل التحركات الأمريكية في المنطقة تتم في إطار هذين الهدفين المركزيين مهما اختلفت الإدارات الأمريكية المتعاقبة ومهما تغيّر الرؤساء الذين لا يملكون سوى هامش محدود في السياسية الخارجية الأمريكية، وفي إطار ذلك تتحرك إدارة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب الذي تتبع سياسة خارجية أكثر تدخلاً وفظاظة في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وأكثر عدائية وعدوانية ضد الرافضين لتقديم قرابين الطاعة والولاء لأمريكا، وأكثر استخفافا واستهتاراً تجاه الموالين والأتباع، وأكثر تحيزاً وقرباً للكيان الصهيوني، وأكثر شراهة وطمعاً في نهب ثروات الأمة. وفي إطار هذه السياسية الخارجية الأمريكية العامة يُمكن تسجيل بعض الفروق بين الإدارتين الحالية لترامب والسابقة لأوباما فيما يتعلق بالمنطقة تفيدنا في قراءة خلفيات وأهداف زيارة ترامب للمنطقة، وأهمها: أن إدارة اوباما كانت تنتقد السعودية في ملف حقوق الإنسان والديمقراطية بينما إدارة ترامب تركز على الأمن والمصالح الاقتصادية، وإدارة اوباما تحمّل السعودية بعض المسؤولية عن انتشار التطرف والإرهاب كمنبع للفكر الوهابي بينما إدارة ترامب تغض بصرها عن ذلك مقابل ابتزاز السعودية باعتبارها منبع للنهب الاقتصادي، وإدارة اوباما لم تهتم برأي السعودية ورغبتها في استمرار حصار إيران والتضييق عليها فوقعت الاتفاق النووي معها وهادنتها بينما إدارة ترامب أعلنت نيتها إلغاء الاتفاق وتجديد العقوبات على إيران وتقليص نفوذها في المنطقة، وإدارة أوباما نظر للإخوان المسلمين كشركاء يمكن التعاون معهم بخلاف نظرة السعودية لهم باعتبارهم بديل إسلامي سني ينافسهم على نفس الأرضية، بخلاف إدارة ترامب الذي فضل التحالف مع السعودية الوهابية. وبناء على السياسة الأمريكية الخارجية العامة والسياسة الخاصة للإدارة الحالية برئاسة دونالد ترامب تأتي زيارة ترامب للملكة العربية السعودية والكيان الصهيوني لتحقيق جملة من الأهداف يمكن تلخيصها بالآتي: أولاً: إقامة تحالف عربي إسلامي (سني) بدعم أمريكي وبمشاركة (إسرائيل) غير المعلنة في المرحلة الأولى على الأقل ضد إيران، وهذا ما صرّح به وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون بقوله: "إن الهدف من الاجتماع في الرياض هو الاتحاد ضد إيران" وهذا ما ردده مراراً وتكراراً نتنياهو ومضمونه أن إيران تشكل خطراً وتهديداً مشتركاً للعرب و(إسرائيل) وأن العرب قد أدركوا أن عدوهم هو إيران وليس (إسرائيل)، وهذا يتفق مع الرغبة السعودية في التصدي للنفوذ الإيراني في المنطقة. وهذا التحالف سيكون موّجهاً أيضاً ضد النفوذ الروسي في الشرق العربي في إحياء للحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي. ثانياً: تغيير طبيعة الصراع في الشرق الأوسط من صراع عربي إسرائيلي إلى صراع عربي إيراني أو سني شيعي، وهذا يتسق مع تغيير العدو واستبداله من الكيان الصهيوني إلى إيران والفرس من الزاوية القومية أو إلى الشيعة و(الرافضة) من الزاوية المذهبية. يُضاف إليهم ما يُسمى بالإرهاب الإسلامي السني ممثلاً في القاعدة وداعش وأخواتهما بعد أن أدَوا دورهم بإمتياز في خدمة السياسة الأمريكية والمصالح الإسرائيلية وحان أوان قطف الرؤوس. ثالثاً: تجريم مقاومة الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وحشد العرب والمسلمين الخاضعين للإدارة الأمريكية ضد المقاومة الفلسطينية، وهذا ما ذكره صراحة ترامب في خطاب الخلافة أمام أكثر من خمسين زعيماً عربياً وإسلامياً بقوله: "علينا أن نتوّحد خلف هدف واحد هو هزيمة الإرهاب والتطرف" ثم أضاف "أن حزب الله وحماس وداعش يمارسون نفس الوحشية" فزج إسم حزب الله وحماس وداعش كحركات إرهابية يعني أن الإرهاب والتطرف هو العداء لدولة (إسرائيل) ورفض الولاء لأمريكا، وأن الاعتدال هو القبول بـ (إسرائيل) والولاء لأمريكا. رابعاً: إحياء عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية الميتة، واستئناف المفاوضات الثنائية المباشرة بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية بدون شروط مسبقة ومرجعية دولية وسقف زمني، وعلى أساس رؤية إسرائيلية ليكودية ترفض إقامة دولة فلسطينية حقيقية بين البحر والنهر، وتصر على السيطرة الإسرائيلية الأمنية والعسكرية والاقتصادية على كامل فلسطين التاريخية، وضم الكتل الاستيطانية الكبرى لـ (إسرائيل)، وبقاء القدس موّحدة عاصمة للكيان، في مقابل السلام الاقتصادي ( تسهيلات اقتصادية)، وحكم ذاتي موّسع في كانتونات فلسطينية معزولة. خامساً: دمج الكيان الصهيوني في الإقليم العربي والفضاء الإسلامي كدولة طبيعية في إطار ما يُعرف بالسلام الإقليمي المبني على المبادرة العربية للسلام التي كانت تشترط تنازل الكيان على الأراضي العربية المحتلة عام 1967 وحل مشكلة اللاجئين مقابل السلام والتطبيع مع الكيان الصهيوني، ويبدو أن العرب أسقطوا الشق المتعلّق بالقضية الفلسطينية وأبقوا على السلام والتطبيع وسيتم إضافة التحالف ككرم عربي أصيل في القريب، فيتحقق بذلك حلم إسرائيل الكبرى سياسياً بعد تعذّر تحقيقه جغرافياً. سادساً: توقيع صفقات سلاح كُبرى بمئات المليارات من الدولارات (460 مليار) خلال عشر سنوات في أكبر صفقة على مدار التاريخ في مجال الأسلحة ستنعش الاقتصاد الأمريكي وتدر أرباح هائلة على الشركات الأمريكية سيجد بعضها طريقه إلى الكيان الصهيوني، وستوّفر مئات ألاف فرص العمل في أمريكا، وهذه هي الأموال التي تحدث ترامب في حملته الانتخابية أنه سيأخذها من السعودية والعرب مقابل حمايتهم وهو الشيء الوحيد الذي يملكونه على حد تعبيره. وهي أموال يدفعونها مقابل حماية أنظمتهم وعروشهم ليس لهم حق فيها لأنها ملك الأمة فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يُغلبون. وأخيراً في ضوء هذه القراءة في خلفيات وأهداف زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لكل من السعودية و(إسرائيل) لا مناص من التأكيد أننا نعيش في مرحلة تاريخية ليست هي الأصل بل الاستثناء من تاريخنا، وحتماً سيذهب الاستثناء والشاذ ويعود الأصل والطبيعي وأهم ملامحه عودة العزة والكرامة للأمة وعودة فلسطين إلى حضن الأمة مُحررة تُرفرف عليها رايات العزة والكرامة بألوانها الفلسطينية العربية والإسلامية, |