وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

حبس من يجاهر بالإفطار.. مرة اخرى وكمان وكمان

نشر بتاريخ: 02/06/2017 ( آخر تحديث: 04/06/2017 الساعة: 09:33 )
حبس من يجاهر بالإفطار.. مرة اخرى وكمان وكمان
الكاتب: عدنان عطية رمضان
كتب: عدنان رمضان
بعض الامور التي نواجهها في حياتنا اليومية ورغم صغرها أومحدوديتها فانها تعكس حالة ثقافية قيمية وقانونية كبيرة وتؤسس لطريقة عيش مجتمعات فمثلا اثارت قضية قرار التائب العام بسجن من يجاهر بالإفطار في رمضان جدلا واسعا بين مؤيد ومعارض والامر قد يبدو طبيعيا ان نجد ان هناك اراء مختلفة حول قضية ما بين مؤيد ومعارض أو متحفظ وغير ذلك بالرغم من الملاحظات والتعليقات على صفحات التواصل والتي تعاملت مع هذا الموضوع تعكس حجم الخطر وتؤشر لنوع من المآزق التي وصلنا اليها والتراجع الذي يعيشه مجتمعنا الفلسطيني.
ان هذا القرار ليس قرارا اعتياديا أو عابرا كما يحاول البعض ان يسوق ويصور وكأن من يناقش هذا الموضوع يتصيد في الماء العكر أو يبالغ أو غير ذلك من تهم يوزعها منظري الانحدار الذين لا يرون ابعد انوفهم وحتى وان كان يتم العمل به قديما أو في اكثر من مكان فهل يحق لنا ان نسال عن علاقة مثل هذه الممارسات في ما وصلنا اليه الان.
فالاراء الفردية وحتى وان عبرت عن توجهات ومواقف اغلبية وقبل ان تتحول الى سياسات وقوانين واوامر تنفيذية يحق للناس بل يجب عليهم ان يثيروها مرارا وتكرارا وان يناقشوها من جوانبها المختلفة ان يفهموها ويفهموا ابعادها واثارها وعدالتها وعلاقتها بالدستور أوالعقد الاجتماعي الذي يجب ان لا يعبر عن اراء الاغلبية بل عن مصالح وحقوق الجميع ويعطي فرصا متساوية للتمتع بالحقوق والعمل والتاثير في كافة القضايا التي تمس حياة الناس ليس في هذه اللحظة بل ايضا في في مستقبل هذه الجماعات مع العلم ان وجود الظاهرة أوقدمها أوحتى قانونيتها لا يعني صحتها من خطئها ولا يعني عدم اثارتها أونقاشها وهذا المنطق السلفي والاعوج بعدم النقاش في المتوارث له بالغ الاثر في الحالة المتردية التي نعيشها في عالمنا العربي اليوم.
لماذا نسرع الى اغلاق المواضيع تحت ذريعة انها مواضيع صغيرة تافهة وتمس فئة صغيرة واحيانا وبسهولة يتم توجيه تهم حرف البوصلة واستخدام سلاح التشكيك ووضع من يثير هذه القضية موضع المتهم ،القضية ليست في عدد الذين يفطرون في رمضان أوفي عدد الصائمين اومن ينتمون لهذا الدين أوذاك أوهذا الاطار الفكري أوذاك مع العلم ان اهتمام الشعوب والمجتمعات بحقوق اقل الناس عددا هو ما يؤشر لديمقراطيتها وليس العكس وانتبهوا الى اننا ندافع عن حقوق الصائمين في مجتمعات الغرب ونحارب اجراءات الاحتلال وسياساته في تقييد الحريات الدينية لغير اليهود.
القضية اصلا هي في الحقوق الفردية والجماعية وتجلياتها وفرص ممارستها وتغييبها أوغيابها أوالتحايل عليها تحت ضغط الثقافة السائدة التي تنزع يوما بعد يوم الى الانغلاق والغاء الاخر وتتفاقم سياسيا ومجتمعيا وثقافيا وعلى مستوى القيم في ظل حالة عالية من الانكشاف والضعف والقابلية للتاثر من تيارات وتوجهات وممارسات اقل ما يقال عنها انها تدميرية وخطيرة جدا تجاه الحريات بشكل عام وخاصة عند ارتباطها بشكل أوباخر بقضايا االدين والمقدس ما يسمح بانتشار وتطبيع الاعتداءات على حقوق الناس باسم الدين انظروا كيف يبرر البعض اعتدائه على فتاة غير محجبة بحجة انه صائم أواهانتها لانها لا توافق نظرته لمحترمية المراة أوالمبادرة لاعتداء جسدي على شاب بحجة انه مخمور أوسجن صاحب راي مخالف للحزب الحاكم أوالمسؤول تحت حجة تهديد الامن الوطني أواثارة النعرات .. أو... أو والامثلة على ذلك كثيرة.
نحن هنا في فلسطين من المفترض اننا نسعى ونؤسس لمجتمع حر وتعددي متسامح وحداثي لا ان نتغنى بقيم الحرية والحقوق في كل الاوقات والامكنة وان نتجاوزها ونلغيها في الممارسة والتطبيق ، الحرية ليست فكرة بل هي نظام قيم وسلوك وممارسة مختلفة الاوجه في فضاء عام يعطي نفس الفرص للجميع للتمتع بكامل الحقوق ،ونحن هنا حيث تغيب عن فلسطين والفلسطينيين فرص ممارسة التشريع والجدل والنقاش والمحاسبة عبر بنى وهياكل ونظم جمعية وحيث تتراجع وتتخلي الاحزاب والمنظمات عن دورها ومسؤولياتها تصبح اثارة هذه القضايا عبر الاعلام أووسائل التواصل ذات اهمية كبرى لما لها من دور في تكوين الثقافة والتوجهات العامة ونشر قيم التعددية واحترام الاخر .
التمييز بين الاخلاقي والقانوني هي ثمرة التقدم البشري وعلامة المجتمعات العصرية وهناك فروق وحدود بينهما رغم كل المشترك البعض يغيب الحدود و يخلط بشكل متعمد واحيانا عن جهل بين الاخلاق والتشريعات والقوانين بالرغم من العلاقة الوطيدة بنهما وعلاقة التاثر والتاثير القائمة بين الاخلاق والقوانين والعوامل والمعايير المشتركة والمتضمنة في الجانبين، الا هناك فروق كثيرة بين الموقف الاخلاقي والذي مرجعه بالاساس الضمير ويتم في الغالب بالتربية وبين تشريع أوقانون أوامر تنفيذي لمرجعية قانونية أولسلطة تنفيذية ويتم في الغالب بالتعلم وعندما ترتقي المجتمعات تتجلي قيم الاخلاق اكثر من قيم القانون وتكتسب القوانين اهميتها الكبرى في مرحلة بناء الدول.
نعم هناك اخلاق عامة بالرغم من ان الاخلاق في اساسها فردي ومرجعها ايمان الناس بها لكن مرجعية القانون هي الدولة و وسلطاتها المختلفة وتنطلق من هياكل جمعية متفق عليها ولا تخضع لتقديرات فردية ولا يجب ان تكون كذلك واذا اردنا ان نؤسس لمجتعات قوية فان وضوح الحدود بين القضايا المختلفة ووضوح المفاهيم من اهم وسائل صيانة الحقوق ولو ان حكما قضائيا اعطى للفرد حقه الكامل حتى لو تعارض مع توجهات الغالبية فانه يثبت قوة القانون ويعلم الناس اهميته كمرجع اكثر الف مرة منكتب وخطب ومحاضرات في الحقوق.
وفي كل مره يضيع القانون حق الافراد امام اتحت طائلة الثقافة السائدة فاما يبهت القانون وتقل قوته وتعزز ثقافة القطيع وفي كل مرة يتهاون الناس وخاصة النخب في الدفاع عن حقوق افراد أواقليات لانهم شعبويون أويخشون مواجهة الجمهور فانهم يساهمون في التاسيس لدول ومجتمعات داعشية لنراجع كيف ومتى بدا نشر فكر التطرف الديني والفكر التكفيري وكيف ارتدى لبوسا مجتمعيا ثم دخل عالم السياسة باسم "الجهاد ".
انا لست مع المجاهرة بالإفطارواشهاره في رمضان والخلق الحميد يدفعنا الى احترام معتقدات الاخرين ولست كذلك مع الصائمين ضد المفطرين وفرض نمط وطريقة عيشهم على المختلفين عنهم ، انا لا انحاز لفئة دينية على حساب اخرى أوللنساء ضد الرجال أوالعكس انا مع وطن يتسع للجميع ويعامل الجميع بنفس الطريقة وبنفس الميزان وادعو للدفاع وبقوة عن القيم التي تبني حركة تحرر وتحرير للانسان وعقله وتصون وتحترم كرامته بغض النظر عن افكاره ومعتقداته لانهاء الطريق الوحيد لمجتمع قادر على هزيمة الظلم والاحتلال بعنصريته وفاشيته.