|
الخاسرون الرئيسيون العرب وتركيا ولاحقا إيران
نشر بتاريخ: 08/06/2017 ( آخر تحديث: 08/06/2017 الساعة: 15:22 )
الكاتب: محمد خضر قرش
ما يجري في الوطن العربي معروف ومشاهد وملموس ميدانيا وبشكل يومي للقاصي والداني ولا حاجة لذكره أو حتى الإشارة إليه. فإشغال جيوش الدول العربية ومؤسساتها الأمنية المختلفة بالحروب التدميرية المجرمة التي تشنها المنظمات الإرهابية من داعش والنصرة وأخواتهما والتي تم تأسيسها وتدريب عناصرها على يد الأجهزة الأمنية الأميركية والإسرائيلية وبتمويل مباشر من دول النفط العربية تحديدا كخطوة لا بد منها لإضعاف قوة العرب العسكرية وتمزيقها وشل قدرتها على الدفاع عن الأمن القومي العربي وخاصة الدول المحورية الرئيسة التي طالما حملت عبء النضال العربي وقادت المعارك ضد الاستعمار وحاربته و/ أو واجهته وقاومت وجوده لعقود طويلة ليس في الوطن العربي فحسب وإنما في أفريقيا وآسيا مثل (سوريا العراق ومصر وليبيا والجزائر واليمن).
وجاء تأسيس المجموعات الإرهابية لخدمة الاستراتيجية الأميركية الإسرائيلية بغرض إضعاف وتفتيت وتجزئة الوطن العربي على أسس عرقية ومذهبية وطائفية ولحماية الوجود الإسرائيلي وتقويته بالدرجة الأولى. وقد أُطلقت على العملية في البداية "الفوضى الخلاقة" كتعبير عما ستؤول إليه الأوضاع لاحقا. ولم تقتصر خطوات الإضعاف والفوضى على الجانب السياسي والأمن القومي وإنما امتدت يد الإرهاب لتدمر الاقتصاد الوطني ومؤسساته وتنهب ثرواته الطبيعية وتخرب مصانعه وتشرد وتهجر أبناء الوطن الواحد إلى بقاع الأرض. فقد امعنت قوى الإرهاب المسنودة والمدعومة من قوى الشر والعدوان في هدم وتخريب المنجزات الاقتصادية التي تمت من خلال قصف وتفجير وتعطيل المنشآت والمؤسسات الرسمية والخاصة بما فيها محطات توليد الطاقة والابار النفطية والمياه لغرض تحويل الفرد العربي إلى متسول كل همه الحصول على ضرورات الحياة اليومية والبحث عن الامن الشخصي له ولعائلته وإضعاف ثقته بالعروبة والإسلام وبانتمائه القومي. وكان من الطبيعي أن يترتب على كل ذلك تراجع الاهتمام بشكل كبير بالعدو القومي المستمر وتجاهل احتلاله لكل فلسطين وفي المقدمة القدس أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين وكنيسة القيامة. فالمستفيد الأكبر من كل ما يجري في الوطن العربي، هو الاحتلال الإسرائيلي الغاشم الذي قام بتوسيع الاستيطان ومصادرة الأراضي وبناء الجدار وإضعاف الموقف الفلسطيني أكثر وأكثر لأجل تقديم المزيد من التنازلات وإنهاء المشروع الوطني المتمثل في قيام الدولة المستقلة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين إلى ديارهم. فلم تعد القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية تحظى بالأولوية بل لم يعد مطروحا على جدول واهتمامات العديد من الدول العربية بما فيها تلك التي تصدرت النضال الوطني طيلة العقود الطويلة السابقة على إنشاء المجموعات الارهابية. وبدون الإطالة والإسهاب فالأهداف الرئيسة التي سعت الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها وخاصة إسرائيل لتحقيقها من وراء التشكيلات المختلفة للمجموعات الإرهابية والممولة من أموال النفط العربي، يكمن في: 1- تجزئة الوطن العربي وتفتيته وإعادة رسم حدوده من جديد على أسس مذهبية وعرقية وطائفية لذلك كان لا بد من تعميق الجراح والامعان في القتل والتدمير والتفجير وخاصة للمدنيين لتوليد الكراهية والحقد بين أبناء البلد الواحد لجعل إمكانية إعادة توحيده مستحيلة. 2- إطلاق يد الاحتلال الإسرائيلي لإعادة رسم خريطة وجوده والتي تحقق امنه واستقراره لعقود طويلة قادمة عبر بناء المستوطنات والجدران وعقد المعاهدات بدون ضجيج أو اعتراض من أي دولة بما في ذلك منظمة التحرير نفسها. 3- استدخال وزرع ثقافة الهزيمة والاستسلام والقبول بالأمر الواقع لدى الشارع العربي والاقرار بحق الوجود الإسرائيلي وعدم محاربته ونسيان القدس وفلسطين والجولان والانفتاح على الاحتلال وإقامة علاقات طبيعية وودية معه بدون النظر الى حقوق شعب فلسطين. 4- استدعاء الاستعمار من جديد للحضور والتواجد في الوطن العربي وإقامة قواعد عسكرية له ممولة بالكامل من قبل الدول النفطية. 5- افقار الدول العربية وتدمير منشآتها الاقتصادية وجعلها غير قادرة على مناهضة الاستعمار الجديد وإسرائيل وجعل إعادة بناء اقتصادها حلم غير قابل للتحقيق في المدى المنظور. 6- تبديد الثروات والارصدة والأموال العربية المودعة في البنوك الأميركية والأوروبية على تمويل وتدريب المنظمات الإرهابية وعقد صفقات التسليح ودفع الجزية للولايات المتحدة مقابل الموافقة على بقائهم حكاما فحسب. 7- إلصاق تهمة الإرهاب على النضال الوطني المشروع للشعب الفلسطيني واية نضالات محتملة لحركات التحرر العربي في المستقبل. 8- مباركة الدول العربية على الاتفاقيات التي تعقدها منظمة التحرير مع سلطات الاحتلال لتصفية القضية الفلسطينية وتمريرها من خلال جامعة الدول العربية مع تقديم كل الضمانات التي تطلبها إسرائيل. خسارة تركيا وإيران تلك أبرز الخسائر المباشرة وغير المباشرة التي ستلحق بالوطن العربي فيما لو قدر لهذا المشروع ان يحقق أهدافه الشيطانية المنوه عنها، أما فيما بتعلق بالخسائر البارزة المحتملة التي ستلحق بتركيا جراء استمرار سياستها الحالية فستكون: أ - اقتطاع مساحة ليست قليلة من أراضيها ذات الأغلبية الكردية. فمصالح الولايات المتحدة لم تعد تتطابق مع المصالح التركية الحالية والعضو المرشح للخروج من حلف شمال الأطلسي نتيجة تضارب المصالح وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بالقضية الكردية. ب- لن يسمح لتركيا الجديدة بدخول الاتحاد الأوربي والحصول على العضوية الكاملة والتمتع بالمزايا والمكاسب جراء الانضمام. فالأخير لم يوافق على انضمامها حينما كانت علمانية وتخدم المصالح الغربية وتوفر له القواعد العسكرية بما فيها التجسسية بحكم عضويتها في حلف شمال الأطلسي ورأس حربة للأحلاف الغربية، لذا فمن الصعوبة بمكان التحاقها الان أو في المستقبل بالاتحاد بعد كل ما تم وجلاء تضارب المصالح وظهور الاختلافات الكبيرة بينهما. لقد مضت عقود أربعة وهي تنتظر الموافقة على قبولها عضويتها لكن مقعدها ظل خارج قاعة الاتحاد ولم يبرح عتبتها منذ ذلك الوقت. ت- دخول تركيا إلى سوريا والعراق بشكل عسكري مباشر ودعمها للمجموعات الإرهابية أعاد إلى الأذهان دور الاحتلال العثماني في الشرق العربي وما لحق بها من عداء العديد من الدول المحورية (مصر وسوريا والعراق) وقطاع واسع من الشعب العربي، وبات ينظر إليها كاحتلال جديد أو محاولة تكوين إمبراطورية عثمانية صغيرة تضم سوريا والعراق بالإضافة إليها. ث- فشلت تركيا في إقامة روابط أو تحالفات دائمة مع الدول العربية أو بعضها نظرا لخشيتها من الأهداف التركية غير المعلنة. فعلاقتها مع الاخوان المسلمين وحماس فشلت وكذلك مع بعض دول الخليج سواء فيما يتعلق بالحرب العدوانية الدائرة في اليمن أو بالعلاقة مع إيران فهي لم تحقق اية مكاسب ذات مغزى في المنطقة كلها حتى تاريخه. أما فيما يتعلق بالخسائر المحتملة لإيران فإنها ستكون في ثلاثة مجالات (كل هذا في حال استمرار الوضع كما هو عليه الان) الأول، يخص مشكلة الأكراد حيث سيتم اقتطاع جزءا من أراضيها ذات الأغلبية الكردية وضمها للدولة الكردية العتيدة التي تخطط الولايات المتحدة الأميركية لإقامتها والذي سيتم بعد نجاح فصل الأراضي الكردية في شمال العراق وسوريا وتركيا. فإقامة دولة كردية بات مصلحة أميركية إسرائيلية بالدرجة الأولى. والثاني، الخسائر السياسية والاقتصادية في علاقتها بالعالم العربي تحديدا نتيجة سطوة وتأثير اللوبي الخليجي، السعودي بالأساس، والثالث من المحتمل جدا تعرضها لموجات مخططة من العمليات الإرهابية وتحديدا في الشمال الغربي حيث الأغلبية الكردية وفي الجنوب الغربي حيث الأغلبية السنية مما سيعرض أمنها الداخلي للخطر ويمهد لفصل المنطقتين عنها في المستقبل. وعلى ضوء ما تقدم ولتقليل الخسائر بين الأطراف الثلاثة المشار اليها وخاصة التركية الإيرانية فأنه لا مناص من إعادة تموضع تركيا والانضمام لدول الشرق الأوسط كدولة أصيلة والتخلي عن أوهام تشكيل الإمبراطوريات أو محاولة إعادة أحياء ما دفن وأصبح عظاما قبل نحو قرن وعليها أن توقف تدخلها في سوريا والعراق والتخلي نهائيا عن دعم المجموعات الارهابية. فالتصاقها بالغرب لم يجلب لها اية منافع ذات دلالة. فعدم تنسيقها مع إيران سيتسبب بفقدانهما جزءا من أراضيهما لتكوين دولة كردية معادية لهما ومدعومة من إسرائيل. لذا فمن مصلحة تركيا وإيران، أن تعملا معا للحفاظ على وحدة الاراضي العراقية والسورية لمنع تأسيس أو إقامة كيان كردي والتنسيق الدائم فيما بينهما. أما فيما بتعلق بالعرب فالأمر يبدو في غاية الصعوبة في الوقت الحاضر نظرا لغياب الروافع الوطنية الشعبية وغلبة حالة الاسترخاء والخمول والكسل وقبلها التشرذم على الأحزاب بكل أيدولوجيتها، بالإضافة لوجود رغبة لدى بعض الأنظمة العربية للعودة للوصاية الأميركية والغربية بكل ما يتطلب ذلك من نتائج على مستقبلها أو مستقبل الوطن العربي ككل. فالتاريخ والحقائق يقولان، انه بدون مصر وسوريا والعراق لا يمكن لهذه الامة ان تنهض. لذلك يتم التركيز عليها لتفتيتها. فالعرب هم الخاسرون ومستقبلهم في مهب الريح ومفتوحا على كل الاحتمالات والتوقعات. والرابح الوحيد حتى الان هي إسرائيل والغرب. |