|
الأزمة الخليجية: تحديات وأهداف ومصالح
نشر بتاريخ: 09/06/2017 ( آخر تحديث: 09/06/2017 الساعة: 11:54 )
الكاتب: زهير الشاعر
مع فشل الوساطة الكويتية بين دولة قطر من جهة والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة من جهة أخرى، بات المشهد الخليجي والعربي مرشحاً للتصعيد أكثر، وذلك من خلال المضي قدماً في تحقيق أهداف هذه الخطوة الصادمة للعالم، ولكن يبدو أن هناك عدة عوامل دخلت على خط الأزمة الخليجية ستغير من مجرى الأحداث القائمة، ولربما تعمل على تخفيف هيجانها وإطفاء شعلتها.
من هنا لا بد من الإشارة إلى أن اتصال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مساء الأربعاء 7 يونيو 2017 مع أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وعرضه الوساطة لحل الأزمة الخليجية القائمة، وذلك بعد عدة تغريدات له، كانت صادمة للجانب القطري، وفهمت بأنها تشجع أطراف الأزمة الآخرين على المضي قدماً في إجراءاتهم ضد قطر. يبدو أن هذا الاتصال جاء بعد أن أدركت الإدارة الأمريكية خطورة الأحداث خاصة في ظل المشاكل التي تواجهها هذه الإدارة في داخل الولايات المتحدة الأمريكية، ولربما جاء هذا الاتصال بعد فهم أن ترك الأمور تسير بدون تدخل أمريكي للتحكم في بوصلتها سيفسح المجال أمام مفاجآت غير محسوبة، كون أن هذه الأزمة أظهرت أن قطر لم تعد لوحدها وأن هناك عوامل قوة لديها تجعلها تصمد أمام التحديات الناجمة عن هذه الأزمة الحادة مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين. مما سيدفعها لعدم التفاعل مع شروط هذه الدول الخليجية الأخرى لحل هذه الأزمة، وهذا سيعزز فرصة التصادم فيما بينهم، هذا عوضاً عن أنه بالتأكيد لا يخدم مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة التي تحرص على علاقات متوازنة مع جميع دول مجلس التعاون الخليجي كما عبر عن ذلك وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون الذي حض هذه الدول على الجلوس على طاولة المفاوضات لحل الخلافات فيما بينها. هذا الاتصال الحكيم من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في تقديري أنه جاء في سياق إدراك من الإدارة الأمريكية لضرورة تخفيف سخونة الأحداث المتعلقة بهذه الأزمة بين دول الخليج مع عدم التراجع عن متطلباتها فيما يتعلق بمعالجة ملف الإرهاب وتجفيف مصادر دعمه، وهذا ما صدر عن البيت الأبيض حول هذا الاتصال، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أكد للشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر على ضرورة أن تعمل كل الدول في المنطقة معاً لمنع تمويل الجماعات الإرهابية ووقف الترويج للفكر المتطرف. من المعروف أن هذه النقطة تعتبر هي الشرارة التي أشعلت هذه الأزمة بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية من جهة ودولة قطر من جهة أخرى، خاصة بعد الهجمات الإرهابية التي استهدفت الأقباط المصريين وكنائسهم. إلا أن العرض الذي قدمته إيران لدولة قطر بفتح موانئها الثلاث لتزويدها بكل ما تحتاج نتيجة هذه الأزمة، أثار تخوفات الآخرين من انعكاسات هذا الموقف على الوضع الأمني في المنطقة برمتها، ومن أن تجد إيران لها موطئ قدم أقوى في قطر وهذا سيعمل على تعزيز علاقاتها ونفوذها مع قطر في مواجهة المملكة العربية السعودية وهذا ما لا تريده الأخيرة. هذا بالإضافة إلى أن البرلمان التركي أقر مساء الأربعاء 7 يونيو 2017 قانونا يقضي بالسماح بنشر قوات تركية في القاعدة العسكرية التركية في قطر، وفق الاتفاقية الموقعة مع الدوحة في العام 2007، بعد حصوله على تأييد 240 نائباً تركياً، وهذا يشير إلى أن تركيا حسمت موقفها من هذه الأزمة وحددت إلى جانب أي طرف ستصطف، وهذا جاء بوضوح على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال إفطار أقامه حزب العدالة والتنمية في أنقرة وذلك أمام السفراء المعتمدين في تركيا، عندما قال بأن بلاده ستقف بقوة إلى جانب دولة قطر وتدافع عنها وتحاول تفنيد الاتهامات الموجهة إليها، وهذا يعني أيضاً بأن الأمر بات مرشحاً لتوتر العلاقة ما بين المملكة العربية السعودية وتركيا ولربما إضفاء المزيد من التعقيد على هذه الأزمة. كما أن حركة حماس الفلسطينية دخلت على خط الأزمة حيث عبرت عن أن قطر لن تنحني بالشكل الذي تريده المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من أجل السير مع الرُكب وتنفيذ السياسة الأمريكية والإسرائيلية حسب ما جاء على لسان أحد ناطقيها!، جاء هذا بالتزامن مع زيارة بعض قياداتها السياسية والأمنية إلى العاصمة المصرية القاهرة بناءً على دعوة من الأجهزة الأمنية المصرية لتدارس التطورات في المنطقة ولتحديد موقف الحركة الفلسطينية التي اتهمها الرئيس الأمريكي خلال القمة العربية الإسلامية الأمريكية التي عقدت في العاصمة السعودية بالإرهاب، من هذه التطورات. هذه التطورات وهذه التقاطعات المعقدة في تطور الأحداث سيجعل جميع الأطراف بحاجة ماسة إلى أن تعيد النظر في الساعات القادمة في هذا الاندفاع نحو التصادم وتتعاطى بحذر خوفاً من انفلات الأمور بطريقة يصعب التحكم بها لاحقاً. لذلك في تقديري، أن التحالف القوي ما بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية قابله تحالف آخر بدأت معالمه تتضح وهو بين قطر وإيران وتركيا وحركة حماس الفلسطينية، وذلك بهدف خلق حالة من التوزان في مواجهة هذه الأزمة، وهذا لربما سيعمل على صعوبة إن لم يكن مستحيلاً تحقيق الأهداف المرجوة من هذه الأزمة بجلب دولة قطر وأموالها وإمكانياتها الإعلامية إلى حظيرة التحالف الآخر على الأقل في الوقت الحالي، وذلك حتى تبدأ المعركة الرئيسية بمواجهة إيران من جهة وتوجيه ضربة قاسمة لحركة حماس الفلسطينية بعد محاصرتها وتضييق الخناق عليها لجلبها مرغمة إلى حظيرة التحالف السني الجديد في سياق المتطلبات الدولية وتحدياتها. السؤال هنا هو، هل دولة قطر تستطيع أن تتراجع وتترك تحالفاتها التي تجد نفسها بينهم في موقف قوي ومؤثر في سياسات المنطقة، لتذهب إلى التحالف الآخر الذي تنظر إليه بأنه يعادي سياساتها وطموحاتها بأن يكون لها دور في قيادة المنطقة وتخوفاتها من أن تكون فيه تابعة وبدون أي نفوذ أو تأثير؟!. من وجهة نظري أن دولة قطر لن تتراجع عن مواقفها من الناحية الجوهرية ولكنها قد تتعاطى بليونة مع متطلبات المرحلة وذلك لتخفيف حدة الهجمة الشرسة عليها ولإطفاء لهيب استهدافها، كما أن دولة قطر التي تربطها علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية وعلاقات مميزة لا بل تحظى بتنسيق عالي مع الجانب الإسرائيلي، لا يمكن لها أن تتنازل عن أحد أهم مصادر قوتها ونفوذها في المنطقة وهي قناة الجزيرة وطاقم الإعلاميين العاملين فيها، لأن ذلك يعني بالنسبة لها التنازل عن أهم أذرعة نفوذها، وسيكون ذلك بمثابة الانتحار السياسي لها في هذه الظروف الحرجة وتآكل نفوذها وتحطيم كل ما بنته في السنوات الماضية من نجومية من خلال هذه المحطة الإعلامية القوية، خاصة أن دولة قطر تجهز لاستضافة أكبر حدث عالمي عام 2022 وهو نهائيات كأس العالم لكرة القدم حيث لا زالت تضخ أموالاً ضخمة من أجل إنجاز متطلبات نجاحه ولا تريد أن يحصل ما يعرقل طموحاتها بتحقيق هذا الهدف الذي تعتقد بأنه سيرفع من مكانتها الإقليمية والدولية. أيضاً في تقديري أنه لا يمكن لقطر أن تضحي بقيادات الإخوان المسلمين وحماس الفلسطينية وجعلهم يغادرون أراضيها بشكل نهائي كونهم يمثلون الورقة الرابحة في يدها في ظل هذه الظروف الإقليمية والدولية المعقدة، وعنصر قوة ونفوذ لها في المنطقة يحفظ لها التوازن في مواجهة التحديات التي تواجهها، مهما بلغت الضغوطات، ولكنها لربما تساعد في إعادة تمركزهم في دول أخرى تضمن لها أن تتحكم في سلوكهم وذلك انسجاما مع خشيةً دولية من أن يؤدي الضغط المفتوح عليهم لفتح الباب أمام تصعيد آخر من نوعٍ أخر. مما سبق ذكره، أجد أن حل الأزمة الخليجية ليس مستحيلاً، ولكن المشهد سيبقى متوتراً حتى وإن تم إيجاد حل، فإنه سيكون مرحلياً، حيث أن هذه الأزمة ستترك آثاراً سلبية بالغة على العلاقات المستقبلية بين شعوب الدول الخليجية وحكوماتها وستترك الباب مفتوحاً أمام إعادة اشتعالها من جديد!. هذا لا يغفل حقيقة أنه من حق جمهورية مصر العربية أن تحافظ على أمنها وأمن مواطنيها ووحدة أراضيها، ومن حق المملكة العربية السعودية أن تشعر بالقلق من تعاظم النفوذ الإيراني في المنطقة والتهديدات الناجمة عن ذلك على مكانتها، ومن حق قطر أن تنسج تحالفاتها بما يضمن مصالحها ولكن بما لا يتسبب بالإضرار بمصالح الآخرين، ومن حق الإمارات العربية المتحدة أن تسعى لأن يكون لها دور بارز ومكانة في قيادة المنطقة وتحديد سياساتها ومن حق مملكة البحرين أن تحافظ على أمنها واستقرارها، ولكن ليس من حق أحد أن يعمل على تدمير المستقبل ومصادرة أحلام أجيال كاملة من حقها العيش بأمن وأمان وسلام. لذلك فالأمر لم يعد يتعلق بأزمة خليجية محصورة بين أشقاء، لا بل ببوادر حرب كبرى إقليمية ولربما حرب عالمية ثالثة نتيجة تقاطع وتشابك المصالح حول هذه المنطقة مما سيخلق فرصة للتصادم إن خرجت آلية التحكم بإدارة المنطقة عن سياقها المنطقي الذي يضمن بقائها في سياق المحور الأمن سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وذلك إن لم يتم تدارك مخاطر ومهالك هذه التوترات المتعاقبة في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط برمتها، والأخذ بعين الاعتبار ضرورة العمل على احتواء مشاكلها وإيجاد حلول منطقية قائمة على احترام سيادة الدول والتعاون في محاربة الإرهاب ومعالجة أسبابه أي كان مصدره ووقف الدعم عنه، والاحتكام للقانون الذي يحكم العلاقة بين الدول ببعضها والعمل على إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية بدلاً من الانسياق وراء النعرات العدوانية والفوقية الدبلوماسية والعجرفة السياسية. |