|
رام الله وعمان تتشابهان في تقبلهما الرحب للآخر المختلف
نشر بتاريخ: 12/06/2017 ( آخر تحديث: 12/06/2017 الساعة: 13:41 )
الكاتب: د. حسن عبد الله
من يأتي إلى رام الله زائراً من الأردن يفاجأ بالشبه بين عمان ورام الله، من حيث الشوارع والبنايات والحداثة التي تسابق الزمن عمراناً، إلى جانب النشاط الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، فيما يجد القادم من رام الله إلى عمان التشابه ذاته في كل شيء تقريباً.
لكن الاختلاف أن عمان مدينة كبيرة مترامية الأطراف وتضج بعدد كبير من السكان والجنسيات، بينما رام الله مدينة صغيرة، تكبر وتتسع بسرعة، لكن يظل مداها الجغرافي محدوداً، لتلجأ إلى مدى بديل في الارتفاع العمودي، للتغلب على ضيق الجغرافيا وحصار الاحتلال. عمان لا تسأل الزائر عن ديانته أو قبيلته أو دولته وتستوعب المختلف وتمكنه من التعبير عن نفسه وفق تكوينه وطبيعته، وهذا سر احتضانها لجنسيات مختلفة، أما رام الله فبالرغم من محدودية الزائرين من جنسيات أخرى، فإنها تمكنهم من ممارسة عاداتهم وثقافاتهم دون أن يتعرضوا لأي أذى أو تدخل من الآخر المختلف، من منطلق "لكم دينكم ولي دين"، لكم ثقافتكم ولي ثقافتي، فلا هيمنة لأحد على أحد، تماماً كما هو الحال في المدن المفتوحة الحداثية التي تتقبل وتستوعب الاختلاف وتتعايش معاً كما لو أنه أمر عادي. في كتابي "رام الله تصطاد الغيم"، استدعيت صور رام الله التي ما زالت ماثلة في ذهني منذ سنوات الطفولة، وشدني الحنين إلى الماضي، لا سيما عندما كانت شوارع وأسواق رام الله مسكونة بالهدوء والسكينة، وعندما كانت المدينة محروسة بغابة من الأشجار التي اكتسحتها بل ابتلعتها العمارات الشاهقة مؤخراً، لكن ليس بالحنين تبنى وتتطور المدن، ففي رام الله الجديدة أيضاً هناك متسع للجمال والحياة، صحيح أن سرعة الحركة هي التي تسود، بيد أن لا أحد بمقدوره أن يغلق أبوابه أمام الحداثة ويستمر مقيداً محبوساً في الماضي عمان المدينة العاصمة كانت منذ عقود قد فتحت أبوابها للفلسطيني، وفتحت الأبواب ذاتها للعراقي والسوري والليبي، كملاذ للناجين من الحروب والصراعات والاقتتال، مثلما تفتح أبوابها للسائح من أوروبا وآسيا وإفريقيا، في تأكيد يومي على حضورها بشكل مكثف في المشهد العربي. وفي الثقافة وفي إطار المشترك، يوجد بين عمان ورام الله قاسم ثقافي، في الاتحادات والمنتديات وفي مضمون الندوات والمحاضرات، وحتى في المعالجات الثقافية والفكرية التي تنشرها الصحف ووسائل الإعلام الأخرى، والمشترك يطال أيضاً توجهات وأمزجة المثقفين والمبدعين واهتماماتهم. عمان ورام الله مدينتان تتعايش فيهما الحداثة والأصالة، للعلماني والمتدين أدواتهما ووسائلهما لكي يعبرا عما يعتقدان دون المساس بالاخر. وإذا كان الكاتب الكبير حنا مينه قال يوماً إن المدن كالنساء، كل امرأة لها عبقها وألقها ولونها وطعمها وأسلوبها وما يميزها عن غيرها، فإن عمان ورام الله امرأتان لكل منهما خصوصيتها، لكنها الخصوصية التي تمتلك كثيراً من المقومات المتشكلة في خصوصية الأخرى، امرأتان متشابهتان لدرجة يمكنك اعتبارهما امرأتين توأم، أو امرأتين مجبولتين بطينة التشابه تتنسمان هواء العصر، لعلهما تستمران صعوداً ونماءً ومحبة، بعد أن تهاوت مدن وعواصم عزيزة في منطقتنا، كان يمكن لها أن تظل مفتوحة على العصر والحياة، لولا ظلامية أدوات الهدم التي كسرت كل شيء وهشمت الجمال وطلت ما تبقى من مبانٍ ومؤسسات بدخان المدافع والمتفجرات، لتنتشر بدل ملايين المواطنين الذين كانوا آمنين في مدنهم، الجثث التي ضاقت بها الأرض ولم تتسع لها المقابر. رام الله وعمان مدينتان تنشدان الحياة وتطلان برأسيهما عبر أفق الأمل، لتشكلا أنموذجين يتشبثان بالحياة ويحترمان المختلف، دون أن يتنكرا للونيهما، أو أن يديرا الظهر لقسمات وجهيهما أو لمقومات ثقافتيهما. المدن تكبر في التاريخ، والتاريخ يخرج من دفتر تاريخه، إذا لم تترك في صفحاته المدن الكبيرة والصغيرة بصماتها، وإذا لم تكتب كل منها على صفحة من صفحاته أسمها وعمرها وحلمها، لأن التاريخ يكتب نفسه في المدن ومن المدن، كما فعلت روما وأثينا والقدس ولندن وبرلين ومدن أخرى كثيرة عربية وعالمية، وكما تفعل الآن مدينتا رام الله وعمان اللتان تجتهدان لكتابة صفحتين مناسبتين في دفتر التاريخ. |