|
الانقسام يبرق رسالة عاجلة
نشر بتاريخ: 16/06/2017 ( آخر تحديث: 16/06/2017 الساعة: 13:00 )
الكاتب: رائد محمد الدبعي
أيها الفلسطيني في كل أصقاع الأرض،،،
أهنئك على قدرتك اللامتناهية في زراعة الفشل، وإبداعك في حصاد الخيبات، عشر سنوات تكفي لكي تعلن عجزك عن فكفكة أحجية الانقلاب المستعصي كسرطان في جسدك، وهي فرصة ذهبية لتكتشف ذاتك من جديد، فبعد أن صدّقت وهم انتمائك لعالم القديسين والملائكة، وبأنك أنقى من الانحدار إلى موبقات البشر، وبأن أهدابك حقول ياسمين، وجفونك عنبر، وأصابعك سنابل قمح، وقلبك بستان زيتون، ولوز، وضميرك نهر جار لا ينام، ولا يتوقف عن البحث عن الحقيقة، جثا حزيران بكل ثقله على صدرك على حين غرّة، ليعيد اكتشافك من جديد، ويضعك أمام المرآة دون رتوش، وحدك أنت ودمك وعيناك، وأصابعك القابضة على حنجرة أخيك، أناخ حزيران كعادته بحمولة الحزن كاملة، ليثبت لك بالدليل القاطع أن دمك كباقي دم أفراد القبيلة، مكون من كريات حمراء، وأخرى بيضاء، وصفائح دموية، وأن أسطورة الزيت الكنعاني المعطر بتراب الأرض، الذي يجري في عروقك لم تصمد أمام رغبتك الجامحة بالإمارة، حتى لو كانت حجارتها من عظام أخيك، انفجر حزيران كقنبلة ذرية، لا يمكن حصر أضرارها، لأنها شوهت شعب بأكمله، وأصابت خارطته الجينية بتشوهات سترثها الأجيال المتعاقبة، كما يرث العربي ثأر أبيه، حط حزيران بثقله على مساحة الوطن، ونجح بتنفيذ أغرب عملية اختطاف في تاريخ البشرية جمعاء، حينما تمخضت عبقرية البعض عن تحويل الوطن إلى طائرة، والمواطنين إلى رهائن، فيما الحقيقة أن الخاطف، والمختطف والطائرة، جميعهم رهائن بطائرة اكبر، يقودها العدو الأساسي، الذي يزودها بوقود جهلنا، وتشظينا، وتفسخنا، وانقسامنا، والذهنية العنصرية التي تفتك بمقومات صمودنا، جثا حزيران على وعينا، وتحول في ثانية إلى قاطع طريق، يجر شعبا بأكمله إلى قاعة مختبر، ويحيل أمة إلى عينات تجارب، فيدفع بشبابها إلى أنابيب اختبار، في محاولة يائسة لكي يثبت أن الدم قد ينبت الدحنون، أو أن الكراهية، والظلم، والطغيان، ستنبت بساتين حرية، وإبداع، ومحبة. أيها الفلسطيني العزيز حدق بوجهي جيدا، أنظر إلى ملامح وجهي بدقة، نعم، "أنا الانقسام"، أبصرني بقلبك، وضميرك، قبل عيونك الذابلة، التي فقدت رؤية الشمس، والخير والحب، تمعن بي من جديد، وتوقف عن شعورك المخجل بالإشمئزاز، فما أنا سوى انعكاس لواقعك المتردي، وما قباحة وجهي سوى مرآة لقباحة واقعك، وما أنا سوى ابن مشوه، هو نتاج علاقاتكم المحرمة، وأدائكم المقزز، وأعمالكم المخجلة، أم أنكم كنتم تنتظرون أن يكون نتاج تزاوج التكفير، والتخوين، مع التعصب، والاستبداد شبيها بيوسف، عذرا أيها الفلسطيني، فالخنزيرة لن تلد غزالا، وبيض الغراب لا يفقس حسونا. أيها الفلسطيني التائه ألا تشعر بالعار وأنت ترى القدس تبتعد كل ثانية ألف ميل، ألا يشعرك دم أخيك الذي يلوث يداك، وقلبك، وثوبك وضميرك بالغثيان، ألا تحدثك نفسك بالوحدة، كما حدثك الشيطان بالانقسام، ألا تخجلك نظرات الشماتة في عيون أعدائك ليل نهار، أما تحرك فيك دمع أمك شيئا، أما سئمت الفرقة والاحتراب، والتفسخ، والحروب الوهمية، التي ما حررت شبرا من إمارتك الوهمية، فيما ينخر الأعداء حدودك، ويقتلعون حضورك، ويكشفون عورتك، ويستبيحون شرفك، أما من حر، حكيم، يوقف هذا النزيف في قلب الوطن، وهل تعتقد أيها الساذج أنك ستبني دولتك على جماجم أشقائك المكدسة في الطرقات، هل يشعرك تبريرك لذاتك أن لا ذنب لك بالانقسام بالراحة النفسية، ألست ابنا لهذا الوطن، ألا تتنفس هوائه، وتشرب مائه، وتسير في أزقته، وحواريه، ألا يذكرك صمتك بالديوث الذي يرتضي انكشاف ستر فراشه، أليس الوطن شرفا يستحق الذود بالكلمة والموقف والروح والجسد، ألم يأنِ الأوان لتدرك أن الوطن ليس الحجارة، والأبنية، والشوارع المعبدة، إنما هو قبل كل ذلك شعورك بالدفء حينما تصافح كف أخيك، كتفك على كتفه في صف الصلاة، هو أجراس الكنائس تصدح، بالخير والمحبة، وتكبيرات المساجد تدعو لرب الرحمة والسلام، والتسامح، هي التزامك بقيم المساواة، والحرية، واحترام إرادة المواطنين، هو فرحتك برؤية السنابل، تملأ سهول الوطن، بدلا من استجداء رغيف الخبز على أبواب عدوك، هي فرحتك بمولودك الجديد، دون أن ينتابك خوف لا تستطيع أن تتحرر منه حول مستقبله، قبل أن يولد بعد، أيها الفلسطيني الوجل يؤسفني إبلاغك أنني أنهي اليوم عامي العاشر من عمري وعمر الوطن، وكما ترى فها هي سواعدي تشتد، وأطرافي تقويان يوما بعد يوم، وكما تعلم فإن غذائي هو الإحتراب، ومهمتي هي انتزاع الأمل من الصدور، وقد نجحت بانتزاع الكثير منه، إلا أنك لا زلت تمتلك منه الكثير أيضا، أنا لست قدرك، بل أنا مشيئتك وقرارتك، وتذكر جيدا، أنت من حولني إلى عاشوراء جديدة، ومناسبة للطم، والتطبير، والبكاء، واستحضار الذكريات، دون أدنى رغبة لأخذ العبر، ومراجعة الأداء، وأنت من حولني إلى فرصة للغنى، والجاه، وتحقيق الملذات الفردية والجنوح المستشري نحو السلطة والمال والجاه لأقلية من المواطنين، مقابل شقاء، وبؤس وجوع السواد الأعظم منهم، ، دون أن تحدثك نفسك ولو لمرة واحدة بالرجوع. إنني أُشهد الله، والشهداء، والقدس الشريف، أن لا ذنب لي في الكثير من موبقاتكم، فأنا حصاد زرعكم، متأهب منذ الولادة للرحيل بلا عودة، وأحمل بداخلي كل مقومات الاندثار، إلا أنك تصر بشكل يدهشني في كل لحظة على إمدادي بكل مقومات البقاء، والقوة، والتمدد، على الرغم من أنني أتغذى على دمك، وكرامتك، وشرفك، ومستقبل أبناءك، فبالله عليك هل رأيت أحمق منك في هذا الزمان الرديء، أجبني، من الأقبح، أنا أم أصحاب الكروش المنتفخة على حسابي. لم يعد متسع من الصبر لأقول أكثر، لكن اسمعني مرة بكل جوارحك، طريق الوحدة يمر عبر القدس، لا عبر أي عاصمة أخرى، ودرب إنهاء الانقسام مرسوم بداخلكم جميعا، فلا ضرورة لخرائط جديدة، ستضل الطريق حتما، ولا تلومن إلا أنفسكم، إن عدت لكم في عامي القادم أكثر قسوة، وعنفا، وتذكروا جيدا، هي خطوات معدودة لأغادر عمر الطفولة، وأنتقل إلى سن الرشد، عندها سيفوت القطار عنكم جميعا، وسأكون قد امتصصت كل مخزون الأمل. اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد. |