|
العدوان المتدحرج إلى غزة
نشر بتاريخ: 18/06/2017 ( آخر تحديث: 18/06/2017 الساعة: 22:21 )
من الملاحظ على أرض الواقع في قطاع غزة أن هناك عدواناً إسرائيلياً جديداً يتدحرج إليها، وأن سُحب العدوان باتت تلف المنطقة؛ فطائرات "الدرون" (Drone) أو ما تعرف باللهجة المحلية بالزنانة؛ وهي طائرة قتالية بدون طيار، ومنذ ما يزيد عن الأسبوع لم تغادر سماء القطاع، وأن العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين في المناطق الحدودية أو في البحر يزداد دون أية مبررات إلا تنفيذاً لسياسات الاحتلال وقد تنج عنه إصابات واعتقالات بل وجرائم قتل.
إذا ما أضفنا إلى ذلك ما يحاوله الاحتلال من استخدام الاشاعة في تسميم العلاقة الداخلية الفلسطينية حول "إعلان غزة إقليم متمرد" الأمر الذي رفضته ونفته القيادة الفلسطينية من خلال أكثر من مسؤول كان أخرهم د. أحمد مجدلاني الذي صرح؛ بأن إعلان غزة إقليماً متمرداً غير وارد على الإطلاق، وأن طرحه حالياً في وسائل إعلام إسرائيلية هو نوع من التحريض؛ حسب تعبيره. يحاول الاحتلال من خلال ورقة أن "غزة إقليم متمرد" أن يوهم العالم والمؤسسات الدولية بأن غزة خارج السيادة الفلسطينية التي يتعرف بها العالم قانونياً وذلك بقرار فلسطيني لا دخل له فيه وبالتالي يحق لهم أن يعتدوا على غزة في وضح النهار فلا شرعية قانونية لها، ولكن بحمد المولى فضحت القيادة الفلسطينية ذلك ومن ثم أسقطت ورقة التوت التي يخفي فيها الاحتلال جرائمه. بل أن هذه الجرائم أضحت مكشوفة أمام الجميع وحتى المجتمع العبري؛ فقد حذر الكاتب اليساري الإسرائيلي "جدعون ليفي" من حرب قادمة على غزة واصفاً إياها بأنها مجزرة، وأشار إلى أن “ما هو موجود على جدول الأعمال الآن؛ هو مجزرة أخرى في غزة، مدروسة ومحدودة؛ وفظيعة مثل سابقتها وربما أكثر، موضحا أنه: " لن تكون حرب في غزة، لأنه لا يوجد في غزة من يحارب ضد الجيش الأكثر تسليحا في العالم، وحتى لو تحدث ألون بن دافيد (خبير عسكري إسرائيلي بارز) عن أربعة ألوية تابعة لحماس"، معتبرا أنه “ليس من البطولة الإسرائيلية في غزة، قصف السكان غير المحميين، أو قصف أناس في قفص (قطاع غزة) ليس لهم مكان يهربون إليه". كما جاء في مقاله الذي نشرته صحيفة هآرتس العبرية يوم الخميس الماضي. ومع ذلك لا نجد أن هناك اهتماماً من أي طرف ما لما يجري من جريمة عدوان جديدة تُحضر ضد السكان العزل من الفلسطينيين في غزة؛ وليس هناك من يعمل لوقف هذه الجريمة التي تحرمها المواثيق الدولية. وبدايةً علينا أن نبين أن ما يجري الأن على غزة هو جريمة عدوان بكل معنى الكلمة، فكيف يمكن تعريف العدوان تعريفاً قانونياً واضحاً؟ لقد أوصت الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية جلستها العامة رقم 2319 المعقودة بتاريخ 14 ديسمبر 1974 بإقرار نص تعريف العدوان الذي وضعته واعتمدته اللجنة الخاصة بتعريف العدوان والمنشأة عملا بالقرار 2330 (د -22) للجمعية العامة بتاريخ 18 ديسمبر 1967 ، والتي وجهت نظر مجلس الأمن إلى تعريف العدوان وأوصت بمراعاة هذا التعريف كدليل يهتدي به حين البت في أمر وجود عمل من أعمال العدوان وقد جاء في النص ما يلي: (العدوان هو استعمال القوة المسلحة من قبل دولة ما ضد سيادة دولة أخرى أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي، أو بأية صورة أخرى تتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة). كما بينت اللجنة أنه ما من اعتبار أيا كانت طبيعته، سواء كان سياسيا أو اقتصاديا أو عسكريا أو غير ذلك، يصح أن يتخذ مبرّرا لارتكاب عدوان. مما ينفي ايضاً إمكانية استخدام ورقة "غزة إقليم متمرد". كما بينت اللجنة الأعمال التي تعتبر من قبيل العدوان فقالت: "وعليه تنطبق صفة العمل العدواني على أي من الأعمال التالية، سواء بإعلان حرب أو بدونه: ـ (أ) قيام القوات المسلحة لدولة ما بغزو إقليم دولة أخرى أو الهجوم عليه، أو أي احتلال عسكري، ولو مؤقتا، ينجم عن مثل هذا الغزو أو الهجوم، أو أي ضم لإقليم دولة أخرى أو لجزء منه باستعمال القوة. (ب) قيام القوات المسلحة لدولة ما بقذف إقليم دولة أخرى بالقنابل، أو استعمال دولة ما أية أسلحة ضد إقليم دولة أخرى (ج) ضرب حصار على موانئ دولة ما أو على سواحلها من قبل القوات المسلحة لدولة أخرى". هذا التعريف يؤكد قيام الاحتلال بالشروع بجريمة جديدة ضد المواطنين العزل في القطاع على الرغم من أنهم لم يتجاوزوا نتائج الاعتداءات السابق طيلة السنوات العشر الماضية والتي كبدت الفلسطينيين الآف الشهداء والجرحى كما تسببت بتدمير البيوت والمنشآت والبنية التحتية والتي لم يعاقب الاحتلال عنها رغم مخالفاته المتعددة للمواثيق والقوانين الدولية ومنها ميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر استخدام القوة في العلاقات الدولية؛ وأنه لا يجوز أن يتم إلا وفق آليات الأمم المتحدة وإذا ما استخدمت خارجها يعتبر خرقا للفقرة الأولى من المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة. وذلك لأن المقصد الأول للأمم المتحدة هو حفظ السلم والأمن الدوليين وتحقيقا لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعالة (وليست أحادية) لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها. كما أن ميثاق روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية للعام 1998 جرم العدوان واعتبره من ضمن الجرائم التي تقع ضمن اختصاص المحكمة الدولية إضافة لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية. لذلك علينا أن نكون متنبهين لما يقوم ويخطط له الاحتلال من عدوان جديد بهدف القضاء على آلاف من الفلسطينيين وتدمير فرصة النجاح للمفاوضات الفلسطينيةـ الأمريكية لأنها لن تصب في صالحه، إضافة إلى منع الفلسطينيين من تمرير مؤامرة الحل الإقليمي المتجاوز للفلسطينيين وحقهم العادل في التحرير وتقرير المصير. علينا أن نأخذ الأمر على محمل الجد؛ وأن نسارع بإشعار الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية بهذه الجريمة، وألا نسقط في شرك الاحتلال في استدعاء نُذر الحرب إلى المنطقة. |