|
الميكافيلية السياسية في الصراع الداخلي الفلسطيني
نشر بتاريخ: 22/06/2017 ( آخر تحديث: 22/06/2017 الساعة: 17:04 )
الكاتب: د. وليد القططي
الميكافيلية السياسية نظرية أو مبادئ في العمل السياسي تُنسب إلى الفيلسوف الإيطالي (نيكولا ميكافيلي) وضعها في كتابة (الأمير) عام 1513م، وأهم محاورها مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) وتعني أن الهدف النبيل السامي يضفي صفة المشروعية لجميع السبل والوسائل التي تؤدي للوصول إلى هذا الهدف مهما كانت قاسية أو ظالمة، فلا يهم مدى أخلاقية الوسيلة المتبعة لتحقيق الهدف؛ فالمهم هو مدى ملائمة هذه الوسيلة لتحقيق الهدف، فالغاية النبيلة تبرر الوسيلة غير النبيلة مهما كانت غير أخلاقية أو ضد القيم أو منافية للدين.
والميكافيلية السياسية هي السائدة عملياً في السياسة الخارجية لمعظم الدول خاصة الدول التي لها أطماع خارجية؛ فتسعى إلى تحقيق مصالحها بكافة الطرق المشروعة وغير المشروعة بغض النظر عن مدى أخلاقيتها وإنسانيتها، ومنها نهب ثروات الشعوب، والاستيلاء على أراضي الأمم الأخرى، وإبادة آلاف وربما ملايين البشر... وهي السائدة كمنهج للوصول إلى الحكم والبقاء فيه عند الكثير من الحكام لا سيما حكام الدول المتخلفة سياسياً فتراهم لا يتورعون عن استخدام أساليب الخداع والكذب والتآمر والاستبداد والإفساد والتفرقة والعصا والجزرة للبقاء أطول فترة ممكنة في الحكم. والميكافيلية السياسية كمنهج في العمل السياسي امتدت إلى الممارسة السياسية الفلسطينية في حُمّى الصراع الداخلي الممتد منذ أكثر من عقد الزمان، فلم تعد الوسيلة مهمة إن كانت أخلاقية تتفق مع القيم الوطنية والإنسانية، أو غير أخلاقية تتعارض مع القيم الوطنية والإنسانية، والمهم هو أنها توصلنا إلى الغاية (النبيلة) أو يُفترض أنها كذلك، حتى لو كانت تسبب زيادة معاناة الشعب الفلسطيني أو جزء كبير منه وتراجع قضيتنا الوطنية، وحتى لو تناقضت مع مبادئ ومقولات سابقة ملأنا الأرضُ ضجيجاً في ترديدها والترويج لها. ومن أمثلة ذلك ما يحدث من ممارسة الضغط الاقتصادي على قطاع غزة وسكانه الصامدين المقاومين من خصم نسبة كبيرة من رواتب الموظفين، وإحالة الآلاف منهم للتقاعد الإجباري المبكر، وقطع رواتب المئات من الموظفين والأسرى المحررين، وتقليص كمية الكهرباء التي تدخل القطاع وغيرها من الإجراءات القاسية، فكلها وسائل غير أخلاقية تتناقض مع قيم الوطنية والإنسانية للوصول إلى غاية يُفترض أنها نبيلة كإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية، أو هكذا يقول الطرف الذي يمارس الضغط، فالوصول إلى هذه الغاية النبيلة لا يُبرر اللجوء إلى أساليب غير نبيلة تعمّق معاناة أهل غزة وتزيدهم فقراً وبؤساً، خاصة وأنهم يُعانون أصلاً من ثلاثي الاحتلال والحصار والانقسام. ومن أمثلة ذلك ما يحدث من تقارب مع (التيار الإصلاحي) داخل حركة فتح، والغاية المُعلنة نبيلة وهي تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ولكن الوسيلة قد لا تكون نبيلة؛ خاصة وأن التقارب مع هذا التيار لا يتم في إطار وطني شامل وهو لا يختلف سياسياً مع التيار المركزي لحركة فتح في مشروعه ورؤاه السياسية وأن هذا التقارب قد يعمّق الانقسام ويقودنا إلى الانفصال، مع العلم أن المُسمّى الرسمي للتيار الإصلاحي كان في السابق هو (التيار الخياني) عند البعض، التي طفحت أدبياته النظرية وإعلامه السياسي وتعبئته الداخلية بمفاهيم ومضامين الخيانة والعمالة والارتباط بالعدو، بل وكان مبرر حربنا الداخلية التي قادت إلى الانقسام هو استئصال (التيار الخياني الانقلابي). خُلاصة الأمر أن الغاية النبيلة لا تبرر الوسيلة غير النبيلة، فالوسيلة جزء من الغاية، والفصل بين الغاية والوسيلة غير ممكن من الناحية الواقعية، فالخير لا يمكن الوصول إليه عبر الشر، كما أن العدل لا يمكن تحقيقه بواسطة الظلم، والحق لا يمكن نيله بالباطل، فالغاية النبيلة فعلاً ستعتمد على تحقيقها على وسائل نبيلة ولا يمكن أن تلجأ إلى ووسائل تتناقض معها، والشرع لا يجيز لنا الوسيلة التي ليست مباحة شرعاً في سبيل تحقيق مصلحة شرعية، فإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية أو تخفيف وإنهاء معاناة أهل غزة والخروج من مأزقها غايات نبيلة ينبغي أن تكون بوسائل تتفق مع الثوابت الوطنية والمبادئ الأخلاقية والقيم الإنسانية. |