|
في التهويد ترحيباً بغرينبلت!
نشر بتاريخ: 24/06/2017 ( آخر تحديث: 24/06/2017 الساعة: 14:59 )
الكاتب: عبد اللطيف مهنا
رحَّب بنيامين نتنياهو بمبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب جيسون غرينبلت وفق ما تقتضيه عادةً طريقته المفضلة ازاء ضيوفه من مبعوثي "السلام"، أو وسطائه، من الأميركيين. استقبله بإعلان من حكومته عن إقرارها بناء مستعمرة جديدة في الضفة شمال شرق رام الله. هذه ليست سابقة نتنياهوية بالنسبة لمن شاء أن يتذكَّر عوائده معهم، وآخرهم كان وزير الخارجية جون كيري. وفي كل الأحوال هي عوائد ليس من شانها ان تفسد يوماً للود بين واشنطن الراعية الحنونة وحليفتها المدللة، أو ثكنتها في المنطقة، قضية. السؤال بات الآن هو، وكيف سيستقبل نتنياهو من بعده، ونعني غرينبلت، مبعوث ترامب اللاحق المزمع قدومه لفلسطين المحتلة، صهره وكبير مستشاريه جارد كوشنر، والذي يعد قدوم سابقه طليعة ممهدة لمقدمه!
كل الأنظار يراد لها الآن أن تنشدَّ حول تباشير موهومة ترامب التصفوية "صفقة القرن"، وكل الدلائل والمعطيات الموضوعية تشي بأنها لو كانت فلن تكون بغير ما يباركها نتنياهو، بمعنى تلك التي لا يختلف عليها مع نفتالي بينت، ويقبل بها ليبرمان، وبالتالي صفقته المرادة والتي لا تخرج عن مفهومه لتصفية القضية، أو حلوله المعروفة المعادلة لتصفيتها مغلَّفةً يسلوفان الوساطة الأميركية بماركتها الترامبوية. كل هذا لو قيِّض للصفقة انعقاداً، لكنما أيضاً، كل الدلائل والمعطيات العمليةً، وإقرار بناء المستعمرة واحدة منها، تدل على أن هذه الفقاعة تنفخ وتنفخ بهدف الإفادة من لوك أوهامها عبر دوامة من مفاوضات مديدة لهدفين لا ثالث لهما، استدرار المزيد من التنازلات من فلسطينيي التفاوض، وكسب المزيد من الوقت لتهويد ما لم يهوَّد بعد. مفهوم الصفقة عند ترامب لا يختلف عنه في عالم الصفقات العقارية، وحل القضية الفلسطينية عنده هو بمعنى تصفيتها والخلاص منها كمعيق في وجه دمج الكيان الغاصب في المنطقة، الأمر الذي يرى أن إنجازه يخدم المصالح الاستراتيجية الأميركية فيها. وإذ هذا هو فهمه فهو إن لم يتطابق مئة في المئة مع الاستراتيجية الصهيونية فيمكنها توظيفه واستغلالها له...هذه الاستراتيجية، ونقولها للمرة الألف، تظل الثابتة والتي لم ولن تتبدل، وهي تهويد كامل فلسطين والخلاص ما أمكن من أهلها، الأمر الذي لا يعيقه سوى صمودهم عليها، لذا بات هذا الصمود هاجسهم والمشكِّل الدائم لمزمن فوبياهم الوجودية المرعبة. اعلان إقرار بناء المستعمرة عشية وصول غرينبلت مرتبط بقاعدة لا يشذ عنها صنف من صنوف المستوى السياسي الفاعل في الكيان الغاصب، أيسمونه يساراً أم يميناً، معتدلاً أم متطرِّفاً أم أشد تطرُّفا. حزب العمل هو أول من أطلق صفارة انطلاق حمى التهويد وقطع بها مشواراً قبل أن يستلمها شارون ومن بعده وصولاً لنتنياهو ومن سيخلفه. المفارقة هي في أن كل ما رأه الناطق باسم السلطة في رام الله، في تعقيبه على قرار بناء المستعمرة الجديدة، أنها خطوة يراد بها "احباط جهود" ترامب...رام الله تبدو هذه الأيام أكثر انشغالا بتدارس المزيد من إجراءات التضييق على غزة المحاصرة غير المنصاعة لسلطتها التي لا يتسنى لها بسطها على رام الله، وغزة بتوسل ما يتيسر لها من سبل المناورة ابتغاء التخفيف من هول ضائقة مريعة تطبق الخناق على مليوني إنسان فيها. في مثل هذا الواقع الفلسطيني، ناهيك عن العربي، بدى أن لا أحد بات معنياً بأمر انتفاضة الفدائيين التي لم تتوقف، بمعنى أن لا أحد في وارده احتساب كلمة الشعب الفلسطيني... بدمه الذي يسجِّل يومياً رفضه لتصفية قضيته واستعداده الأسطوري لبذل أسمى آيات التضحيات في سبيل المحافظة عليها. عملية البراق، فدائيو باب العمود في القدس وشهدائها الثلاثة الأبطال ذكَّرت حتى من تسهل عليهم الإشاحة بوجوههم تجاهلاً بهذه الحقيقة الفلسطينية، هذه التي منها وتعبيراً عنها انطلقت هذه الانتفاضة المتجددة وبها تستمر. تقول لنا الإحصائيات. إنه في شهر رمضان المبارك هذا قد شُنَّت خمس عمليات فدائية ضد الاحتلال، عمليتان منها بالسلاح الناري، وثلاث بالطعن، يضاف لهن ست عمليات تفجير لعبوات ناسفة. عملية البراق كانت الأبرز، لكنما عملية الشهيدة نواف عقاب في جنين ذات العمر الذي لا يتجاوز الستة عشر ربيعاً كان لها معناها...معناها الذي أقله ما فيه أن المعاناة الفلسطينية المديدة تصنع أجيالاً لا حقها أشد بأساً وإيماناً بفلسطينه وإصراراً على تحريرها من سابقه، وإن القادم منها، أناثا وذكورا، هي الأكثر فدائية في دربها النضالي العنيد لتحرير فلسطين... نضيف إلى ما تقدم ما تم إحصاؤه من أكثر من ثلاثين حادثة إلقاء زجاجات حارقة وأكواع متفجرة على جيش الاحتلال في أكثر من 223 مواجهة شعبية مع المحتلين، نجم عنها إصابة 21 جندياً، واستشهاد سبعة مناضلين وإصابة 95 مواطناً، واعتقال 195 من بينهم 23 قاصراً. نحن هنا نتحدث عن شهر رمضان فحسب، أما شهداء الانتفاضة منذ مطلع هذا العام وحده فهم 325 شهيد وشهيدة في الضفة وغزة، القدس قدَّمت وحدها 44 منهم، ومن مجمل هؤلاء الشهداء بعامة 89 طفلاً وطفلة، والشهيدات تحديداً بلغن الواحدة والثلاثين شهيدة، 13 منهن قاصرات. ...وبعد، كيف لمثل هذا الشعب الفدائي أن يغيَّب، وكيف لصفقة ترامب أن تمر؟؟!! |