|
العيب والحرام من سمات الطبقة الوسطى
نشر بتاريخ: 27/06/2017 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:05 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
في احدى محاضرات اللواء حازم عطالله قائد الشرطة الفلسطينية قال: ان العيب والحرام هما اقوى من القانون الحقيقي الذي يحكم المجتمع الفلسطيني. وهذا صحيح من ناحية نسبية، لكن السنوات الماضية شهدت جرائم عديدة وانتشر القتل والسرقة في المجتمع ما يشير الى تراجع مفهوم العيب والحرام.
لفترة طويلة اجمع علماء الاجتماع في العالم على أن الطبقة الوسطى في أي مجتمع هي صمام الأمان للسلم الاجتماعي ومنع الاحتكاك الدموي بين الطبقة الفقيرة والطبقة الغنية. وان أي مجتمع بشري في العالم يتكون من ثلاث طبقات فقط. أما باقي الفئات فهي شرائح مجتمعية وليست طبقات. ويرى غالبية علماء الاجتماع أن الطبقة الوسطى هي الأكثر التزاما بالقوانين وهي التي تتمسك بالعيب والحرام، وهي الأكثر عملا. والأطول نفسا وقدرة على الانضباط، وهي التي تتمسك بالأخلاق والقيم وتكافح التغيير سلبا أو إيجابا ولا تحب التغيير بل تستأنس لما هو متوفر وتتدبر معه. لذلك تهتم بمظهرها وتلتزم بحشمة هندامها، وتدافع عن الأخلاق والعشيرة ويهمها شكل الظهور وطريقة تقديم الذات. ولها طريقة متزمّتة في الزواج والعلاقات الاقتصادية والجنسية والفكرية، وهي الأقرب للتدين وحب الوطن والاهتمام بالعادات والتقاليد. أما الطبقة الغنية وكما يراها عدد من علماء الاجتماع، فهي تجيز لنفسها التحلل من القيم والدين والأخلاق - ان أرادت ذلك لأنها قادرة، ولا أحد يستطيع منعها. فعلاقاتها مبنية على المصالح ، وحتى في الزواج ترى الأغنياء يبحثون عن أغنياء للتناسب وتزاوج المصالح، وترى طبقة الأغنياء تدّعي الأخلاق والقيم وتتحدث عنها كثيرا لكنها آخر من يلتزم بها في الحياة اليومية، والأغنياء يتحدثون عن حب الوطن لكنهم يغادرون الأوطان حين تنتهي مصلحتهم معه. ما دفع بعض علماء الاجتماع للقول أن البرجوازيين لا وطن لهم ولا دين لهم. وغالبا لا يلتزمون بالعيب والحرام، وهو تعبير مجازي لا ينطبق على جميع الأغنياء. الطبقة الفقيرة تتشارك مع الطبقة الغنية في نفس الصفات لكن بشكل سلبي، لأنها لا تملك قوت يومها، وتدفعها قسوة العيش الى التحلل من القيم والبحث عن اي حبل نجاة، وللوهلة الاولى تبدو المقارنة صادمة، لكن بتجرد ترى هذه الطبقة تتشابه تماما مع الطبقة الغنية في عدم المبالاة وعبثية الزواج والتحلل من العيب والحرام، والطلاق بكل سهولة ويسر متى شاؤوا. وهم ميالون غالبا للانتقاد والمطالبة بالتغيير على عكس الطبقة الوسطى. عائلات الطبقة الوسطى تهتم بالمظاهر، وتشتري "مخلوطة" للضيوف وتنظف المنزل حين يأتي اليها الزائون. اما الطبقة الفقيرة والطبقة الغنية فانك حين تزورهم تراهم غير مضطرين للتأنق او شراء المكسّرات او ترتيب المنزل ولسان حالهم يقول ( اذا لا يعجبك حالنا فلا تأت لزيارتنا). ويقول كثر من علماء الاجتماع انه لا يتغير المجتمع الا اذا تراجعت الطبقة الوسطى او انحسرت، او تقهقرت. او تحطمت بالكامل كما في العديد من المجتمعات (مثل المجتمع الاسرائيلي) فترى الجميع يعيشون على الوظيفة وبتساوِ نسبي في الأجور، ولا يوجد فوراق سلوكية كثيرة، فهناك أغنياء وهناك فقراء، ومن لا يعمل يموت من الجوع. والدولة هنا أقوى واشد شراسة. اما الطبقة الوسطى فلا أحد يموت جوعا فيها، لانها لا تزال تتمسك بمفهوم الاسرة الممتدة والعشيرة وقوالب الحماية القديمة. وتهتم بالخير والتبرع والعطاء وغيرها من القيم التي ورثوها عن اجدادهم. الغريب انه وبعد كل النكبات على رأس الشعب الفلسطيني، توقع علماء اجتماع ان تختفي الطبقة الوسطى من المجتمع الفلسطيني، وخصوصا مع اندلاع انتفاضة الحجارة في الثمانينيات، ولكن الحقيقة أن الطبقة الوسطى في المجتمع الفلسطيني لا تزال متماسكة وتحمي قوالب المجتمع، والاكثر غرابة ان معظم الفقراء يحلمون بتوريث اولادهم سمات الطبقة الوسطى، ومثلهم الاغنياء صاروا يقتربون اكثر واكثر من الطبقة الوسطى وسلوكها!!! لماذا؟ لانه لولا الطبقة الوسطى في المجتمع الفلسطيني لمات الفقراء جوعا، ولفجر الاغنياء شهوة وملذات. ولا أعرف بعد اذا كان هذا الوضع سيستمر مع الزيادة الخطيرة في حجم البطالة. فكلما تضخّمت الأجور ظهر الفجور، وكلما اختفت الاجور ترسخ الفجور. |