|
نصب الشهداء ومخصصات أهالي الأسرى والشهداء: بعض الحكمة والإنسانية
نشر بتاريخ: 03/07/2017 ( آخر تحديث: 03/07/2017 الساعة: 11:16 )
الكاتب: تحسين يقين
لدينا ما نؤمن به ونقنع الآخرين به..
لدينا ما لدينا ونحن أبناء وبنات قضية نبيلة طال تهميشها وتأخير حلها، فكان الانتظار زيادة في قهر المعذبين.. أوجع رئيس الحكومة الإسرائيلية وزملاء له وناطقون وإعلاميون رؤوسنا بمسألة مخصصات أهالي الأسرى والشهداء. وأوجعوا رؤوس العالم، أما المأساة فهو أن دولة عظمى مثل الولايات المتحدة، راحت تتبنى الموقف الإسرائيلي، وهي التي تدرك كأي دولة تعتني بمواطنيها الفاقدين الرعاية والتمويل. وكل هذه الضجة بلا مبرر؛ فلو تعمق أي متحدث قليلا إنسانيا، أو حتى بادر لزيارة هؤلاء الأسر، أو أرسل من يدرسها ويشبع الموضوع بحثا كميا ونوعيا، لوجد أن هؤلاء البشر أولى بالرعاية والتضامن الإنساني معهم، بدل محاربتهم والسطو على قوتهم الفقير أصلا..أليسوا جزءا من شعب تحت الاحتلال أيضا؟ إنهم يحبون الحياة، وكل ما يرغبون هو تنشئة أطفالهم والبقاء كريمي/ات النفس. يودون استئناف الحياة التي تعرضت لإعاقات ومعيقات، يريدون أن يحيون كباقي البشر يا بشر! لعل هنا وهناك من يستمع لنا، بقلب مفتوح وعقل نيّر مسؤول؛ فبيننا جميعا الحد الأدنى من الإجماع على القيم الإنسانية. فبدلا من كل هذه الضجة، لماذا لا يتم بحث دعم المعذبين ودراسة واقعهم بشكل موضوعي، ودراسة حقيقية لأثر الدعم البسيط، وهل يشكل ذلك تأثيرا سلبيا على عملية السلام! لعل هناك من يحسم هذا النقاش داعيا لمؤتمر، أو إلى تأسيس لجنة دولية ملتزمة فيها ممثلون عن الحكومة الإسرائيلية تبحث ذلك. إن كل محايد ومفكّر وباحث سيرى ما يرى الحق لا ما نرى نحن فقط. لماذا تثير مسألة احتفاء الشعب الفلسطيني بالشهداء والأسرى؟ ولماذا تثير الحكومة الإسرائيلية مسألة مخصصات دعم أسر المعتقلين والشهداء؟ أو لماذا أثارت الموضوع مؤخرا بشكل ملفت ومركز؟ لماذا الآن! حكومة إسرائيل تدرك ويدرك معها أي موضوعي محايد بأن السلطة الوطنية لا تحرّض ولا تشجع على "العنف"، وما اختيار المقاومة الشعبية السلمية إلا تجليا لهذه القناعات، ولعل الغالبية العظمى من الأسرى إنما هم مشاركون في العمل اللاعنفي. نصب الشهداء لنناقش أولا، ما رشح حول النصب التذكاري للمناضل الراحل خالد نزال، لننطلق من ذلك إلى فضاءات واسعة، تتعلق بالعلاقة أمس واليوم وغدا بيننا وبين الإسرائيليين، في ظل الصراع وظل العمل السياسي. ترى من هم الذين فاوضتهم حكومات إسرائيل المتعاقبة؟ أليسوا قادة الثورة الفلسطينية؟ أليسوا قيادات منظمة التحرير؟ وبين من أصلا تصير المفاوضات أليست بين الأعداء والمتنازعين؟ في السياق التاريخي الدولي، كل وتاريخه الخاص قبل السلام الدائم، وباستعراض الدول المتحاربة والتي تصالحت، نجد أنها لم تلغ تاريخها الحربي، ولم تطلب دولة من أخرى ذلك، من باب أن ما جرى له علاقة بفترة زمنية معينة استدعت العمل المادي الحربي، والذي عده كل طرف عملا بطوليا. وحتى في السياق العربي، فإن الدولتين الشقيقتين مصر والأردن اللتين عقدتا معاهدتي سلام، فإن الدول الثلاث المتعاهدة لم تطلب شطب تاريخا ما، فلم تحتج مثلا إسرائيل على تسمية الشوارع باسم القادة العسكريين الشهداء والأحياء، كما لم تحتج على إقامة النصب التذكارية. في حين لم تحتج الدولتان العربيتان على تكريم إسرائيل لقياداتها التي حاربت بل وارتكبت جرائم حرب. أصبح ذلك من الماضي، وترك وراء الظهور، للبدء من جديد، لبناء علاقات جديدة. فلماذا تحتج حكومات إسرائيل على تكريم الفلسطينيين لأبطالها، خصوصا أن تنلك البطولات قد جرت قبل العمل السياسي وقبل توقيع التفاقية أوسلو للسلام؟ بل لماذا وافقت تلك الحكومات على عودة الفدائيون/ات الفلسطينيين بعدج عام 1993؟ لقد سمحت إسرائيل لقادة خططوا ونفذوا عمليات عسكرية ضد إسرائيل بالدخول إلى فلسطين، وكلنا نذكر الجدل الذي حدث، وكيف أن الحكومات حسمت الأمر بعدم التعرّض لهم، فلا هي منعت أبو داود مسؤول عملية ميونخ، ولا ليلى خالد فدائية خطف الطائرات...وغيرهما! ألا يعني ذلك شيئا؟ أليس في ذلك تكلفا؟ المخصصات؟ أما فيما يتعلق بالمخصصات المالية لأسر المعتقلين والشهداء، فإن أبسط ردّ مقنع وموضوعي هو ما تفعله الحكومات في العالم، ومنه الحكومة الإسرائيلية تجاه الأسر التي فقدت معيلها قتلا أو أسرا لأسباب متعددة، من بينها العمل السياسي أو المقاومة، أو ارتكاب الجرائم. إن حكومة إسرائيل ممثلة بالتأمين الوطني، لم تتخل عن أسرة من يتم اعتقالهم، حيث يقوم الصندوق بدعم تلك الأسر من باب الالتزام تجاه المواطنين، رغم أن إسرائيل كحكومة غير بريئة من تشجيع العنف ضد الفلسطينيين، حيث أن محاكمة المفرطين في تعذيب الفلسطينيين وقتلهم لا يتم بشكل جديّ. وهذا دأب الحكومات والقضاء بدءا بمذبحة كفر قاسم. إن إسرائيل وغيرها من الدول تفصل شكليا بين موقفها من منع العنف، وبين دعم أسر من قاموا به تجاه المدنيين الفلسطينيين، ولا يحاسبها أحد، ولم نحاسبها نحن الفلسطينيين المكتوين بنار الإرهاب الإسرائيلي. وهناك دول أيضا لا توقف رواتب أسرى المعتقلين السياسيين من باب الالتزام بهم، فلا ذنب لهم، وقد حصل أن تم تخصيص مخصصات مالية لأسر "متهمين فلسطينيين بالتجسس". وقد تم تفهم ذلك، لأنه لا ذنب لأفراد تلك الأسر. باختصار، لا ينبغي على حكومات إسرائيل اختيار ظواهر لها سياق تغيّر معظمه وما زال يتغيّر، فما يجب عمله هو زيادة وتيرة التغيير عن طريق خطوات النوايا الحسنة. لدينا ما نؤمن به ونقنع الآخرين، الأصدقاء وغيرهم، بيننا الحق والعدل والمنطق والعقلانية والإنسانية. بيننا القوانين الإنسانية، ومن بينها قوانين الحروب والنزاعات، ومنها أن إسرائيل تتحمل قانونيا وأخلاقيا أمر الشعب تحت الاحتلال، فإن لم تستطع السلطة الوطنية تأمينه، فعليها مسؤولية دعمنا، بما فينا أسر الشهداء والمعتقلين. شكرا للفيسبوك الذي ذكرني بمقالي المنشور قبل 3 سنوات عن قضية الأسرى. قلت وقتها: إن المطلوب الآن هو ضرورة العودة للأصول: الأسرى أسرى حرب، حيث يكتسب الأسرى الفلسطينيين الصفة الشرعية القانونية باعتبارهم كذلك، أما السبب فهو بقاء الاحتلال وإجراءاته التعسفية، التي لا تنسجم مع العملية السياسية التي تتم. 17نيسان / أبريل ... يوم الأسير الفلسطيني وهو اليوم الذي أطلق فيه سراح أول أسير فلسطيني، وهو محمود بكر حجازي، في أول عملية لتبادل الأسرى بين الفلسطينيين والاحتلال قبل 40 عاما. له دلالة أن الأسرى الفلسطينيين أسرى حرب. لكن إسرائيل ترفض المنطق الدولي، وفقط في وجود أسرى إسرائيليين، تلجأ إلى تبادل إطلاق سراحهم. الآن أقول أننا جميعا فلسطينيون وإسرائيليون نحتاج الأمل، نحتاج بوادر حسن نوايا، من بينها التفكير الجدي بجدولة الإفراج عن الأسرى مع تطور العملية السياسية. نحتاج من يضمد جراحنا معا، خصوصا أولئك الذين اكتووا بآلام النزاع، لا أن ننكئ الجراح! وأخيرا، يمكننا الآن التفكير بالإجابة عما ابتدأنا به من أسئلة! لربما تكون قريبة من افتراضنا بأن الحكومة الإسرائيلية تود التهرّب من أية استحقاقات وإطالة أمد حوار ما قبل التفاوض. أو لربما يقايض المفاوض الإسرائيلي غض النظر عن دعمنا لأهالي الأسرى مقابل تنازلات في قضايا الحل النهائي! [email protected] |