|
من لا يفهم التاريخ سيسقط في وحل الجغرافيا
نشر بتاريخ: 05/07/2017 ( آخر تحديث: 05/07/2017 الساعة: 17:50 )
الكاتب: وسام زغبر
التاريخ والجغرافيا متلازمتان في فلسطين قد يتقدم أحداهما على الآخر، فمن ينسى تاريخه يضيع بين ثنايا الجغرافيا، ومن لا جغرافيا له لن يستطيع ان يبني تاريخه إلا بلغة الدم على حساب الشعوب المقهورة، كما هو حال الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين.
إسرائيل تحاول دوما تمييع التاريخ واستغلال عامل الزمن وهو العنصر غير المحايد للفلسطينيين، بتسريع وتيرة الاستيطان ونهب الأراضي والسطو عليها بقوة الاحتلال، ووضع التشريعات الإسرائيلية فوق القانون الدولي، ما يهدد بالسطو على كل الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، من الساحل إلى غور الأردن، والعمل على طمس الهوية الفكرية والتاريخية للفلسطينيين وتذويبها في ثنايا الصراع الدائر بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لمنع قيام دولة فلسطينية متصلة على حدود 4 حزيران 1967. المشروع الصهيوني يلاحق الفلسطينيين في كل شيء حتى في تاريخهم وأرضهم ومناهجهم الدراسية، وتشويه تاريخ القضية الفلسطينية وتاريخ الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي الذي يغتصب الأرض منذ 70 عاماً من عمر النكبة الفلسطينية ونصف قرن على نكسة حزيران 1967 باحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، بل واستغلال كل شيء لإلهاء الفلسطينيين كما هو الحاصل في الانقسام الفلسطيني الذي يتجاوز عامه العاشر في الصراع على النفوذ والسلطة. تاريخ الحركة الصهيونية مليء بالجرائم والمجازر بحق الفلسطينيين التي تسير وفق مخطط مدروس، بدأ بغرس إسرائيل كسرطان في فلسطين للقضاء على أي حلم لإقامة دولة فلسطينية مستقبلية. فإسرائيل تسابق الجغرافيا السياسية باحتلالها ما يسمى مناطق الخط الأخضر في نكبة عام 1948 تبعها احتلال ما تبقى من الأرض الفلسطينية بقطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية في عدوان حزيران 1967، ومن ثم الغوص في عملية السلام وفق اتفاق أوسلو بإعطاء الفلسطينيين دولة على مساحة 22 % من أراضي فلسطين التاريخية التي لم تحترمها إسرائيل وهذا ما تجسده واقعا على الأرض بالسيطرة على أكثر من 85٪ من ارض فلسطين التاريخية، وانزلاقاً نحو مشاريع بديلة مثل مشروع غيورا ايلاند، للقضاء على حلم الفلسطينيين في دولة مستقلة سيّدة على حدود 4 حزيران 1967 وعاصمتها القدس مع عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم وفق القرار الاممي 194. إن خطورة الخطاب السياسي الرسمي الفلسطيني يحصر الصراع الفلسطيني في عدوان حزيران 1967 متجاهلاً الحق الفلسطيني على كامل التراب الوطني الفلسطيني في فلسطين التاريخية. فحصر التاريخ الفلسطيني بأراضي الضفة وغزة يعني تشويه التاريخ الفلسطيني الممتد لأكثر من 4000 سنة واعتباره مجرد أكذوبة وخداع، وتجريم النضال الفلسطيني باعتبار أن عشرات الآلاف من الشهداء، وآلاف الأسرى في سجون الاحتلال، وملايين اللاجئين المشردين في بلدان اللجوء والشتات قبل عام 1967 كان مغرراً بهم، بل والأهم من ذلك هو تصديق الرواية الصهيونية على حساب الراوية الفلسطينية، فكيف يتم التلاعب في التاريخ الفلسطيني لتصبح فلسطين هي الضفة وغزة. فالمطروح حاليا على الفلسطينيين ليس الاختيار بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة كما يروج البعض، بل القبول في دولة حكم ذاتي وإدارة محلية من دون أي سيادة على الأرض، وفي حال فشل تلك الرؤية الإسرائيلية ستتلاشى فلسطين بلا رجعة. من الواضح أن المشروع الصهيوني وصل إلى خواتيمه، والدليل أن الإسرائيليين يقضُّون مضاجع الفلسطينيين وقضاياهم الحياتية واليومية، ويعبثون في هويتهم الفكرية وتراثهم الوطني، ويبحثون عن آليات لتجريم النضال الفلسطيني والشهداء والأسرى والمناضلين عبر ملاحقة النصب التذكارية والشوارع بأسماء الشهداء، ووقف رواتب الأسرى والشهداء وتمييع هيئة شؤون الأسرى من وزارة إلى هيئة إلى جمعية خيرية تتبع لوزارة الداخلية للسلطة الفلسطينية، وكذلك الحال فيما يتعلق بمؤسسة أسر الشهداء والجرحى، وإلزام الفلسطينيين بمطالب المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي جيسون غرنبيلات وفق الرؤية الأمريكية الجديدة للسلام والمتمثلة، بعدم مناقشة المشاريع الاستيطانية السابقة وتأسيس لجنة أمريكية إسرائيلية لمناقشة خطط الاستيطان اللاحقة دون وقف الاستيطان كاملاً، وعلى السلطة الفلسطينية تحمل المسؤولية عن وقف كافة أشكال الدعوات إلى العنف والتحريض ضد إسرائيل بما في ذلك في المناهج الدراسية، وعدم الاكتفاء بإدانة عمليات العنف بل بملاحقة منفذي ومخططي العمليات ومحاكمتهم، ووقف كل أشكال التحريض في وسائل الإعلام وسوى ذلك، فيما الدولة القائمة بالاحتلال لا يوجد عليها التزامات وكأن يدها نظيفة من دماء الفلسطينيين وبريئة من كل أشكال الإجرام. نعي جيدا مدى التزام القيادة الفلسطينية بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل من جانب واحد، ولكن أن يصل بها الحال لتهميش دور المؤسسات الرسمية الفلسطينية المسؤولة عن شؤون الفلسطينيين أينما وجدوا واقتصار عملها في سلطة تحت الاحتلال ومسؤوليتها مقتصرة على الأراضي المحتلة عام 1967 دون الشتات ومناطق اللجوء- مثال على ذلك إلغاء دائرة شؤون المغتربين التابعة للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وإحالة ملفها إلى وزارة الخارجية الفلسطينية-. إن السلطة الفلسطينية شُكلت وفق اتفاق أوسلو في إطار المرحلة الانتقالية ومدتها خمس سنوات لتنقل الفلسطينيين من مرحلة الحكم الذاتي نحو الدولة الفلسطينية وبعد انقضاء فترة الخمس أعوام والتي تلاها مفاوضات كامب ديفيد ٢، حينذاك شعر الرئيس ياسر عرفات أن الإسرائيليين يراوغون في استعادة الحقوق لأصحابها وفق عملية السلام المنشودة بل ويسابقون الزمن الذي هو يعمل لصالحهم لأجل سلب المزيد من الجغرافيا الفلسطينية وقضم مزيد من الأرض لصالح الاستيطان والتهويد وابتلاعها والسير نحو هدم مشروع حل الدولتين ما دفع بالرئيس عرفات لإشعال انتفاضة الأقصى حتى حصاره واغتياله في رام الله عام 2004، لتأتي بعدها حقبة الرئيس محمود عباس وتبدأ المراوغة الإسرائيلية من جديد لأكثر من ١٢ عاماً، فيما السلطة الفلسطينية تواصل سياستها الانتظارية دون وضع استراتيجيات وطنية وتفعيلها لرفع كلفة الاحتلال العنصري كطريق للخلاص منه. من الواضح أن إسرائيل قد أسست نظام أبارتهايد يهيمن على الشعب الفلسطيني بأكمله ويقسمهم إلى أربع فئات تخضع كل منها لترتيبات قانونية مختلفة، فيما إسرائيل الدولة القائمة بالاحتلال تثبت بسياساتها وممارساتها أنها مذنبة بارتكاب جريمة الأبارتهايد كما تعرفها مواد القانون الدولي، وهذا ما تؤكده تصريحات نتنياهو المتكررة "يوجد شرطان لدولة فلسطينية: الاعتراف من جانبهم بدولة يهودية والتخلي عن فنتازيا القضاء علينا وسيطرة إسرائيلية أمنية غرب النهر"، فالمطروح هو طغيان استعماري للأبارتهايد العنصري على حساب الدماء الفلسطينية الزكية. المتتبع للأوضاع الإقليمية وما جرى في العالم العربي من اهتزازات وارتدادات في ما يسمى بالربيع العربي يرى ان صراع النفوذ الإقليمي على الجغرافيا العربية، والمتمثل بالجمهورية الإسلامية الإيرانية والجمهورية التركية إضافة لمحاولات المملكة العربية السعودية عمل اصطفافات وقوى تحت سيطرتها. تركيا لا تراجع التاريخ جيدا عندما سقطت في وحل جغرافيا الحرب السورية اعتقاداً أن يكون لها موطئ قدم في المنطقة لاستعادة أمجاد الدولة العثمانية، ظناً أن بنية المنطقة وتحالفاتها لم تتغير رغم مرور السنين فخسرت معركة النفوذ في سوريا وتبحث الآن عنه في صلب الأزمة الخليجية، على عكس إيران التي أسست لنفسها أساس في العالم العربي ممثلا بحركات المقاومة سواء اللبنانية مثل حزب الله أو الفلسطينية مثل حركة الجهاد الإسلامي إضافة إلى النظام السوري ونظيره العراقي بعد رحيل الرئيس صدام حسين ومتابعة الأزمة الخليجية دون الغوص في ثناياها، رغم محاولة السعودية إيهام العالم العربي والإسلامي بوقف المد الشيعي وإيجاد تيارات دينية متشددة من تفريخات تنظيم القاعدة مثل داعش والنصرة وسوى ذلك من التيارات وصناعة اصطفافات عربية معها لمواجهة إيران كما نرى في الأزمة الخليجية. إن منطقة الشرق الأوسط تعيش على صفيح ساخن في ظل صراع الاصطفافات الإقليمية والدولية وإعادة تقسيم وتفتيت المنطقة بعد مائة عام على توقيع اتفاقية سايكس بيكو، وفق مناطق نفوذ استعمارية جديدة بين القطبين الرئيسيين، ممثلين بالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية، تكون لإسرائيل شأن فيه ليست كعدو بل حليف وهذا ما نراه بالتقارب الإسرائيلي العربي والتحضير لإبرام صفقة القرن. هذه هي حقيقة الجغرافيا والتاريخ المتلازمتان لمنطقة الشرق الأوسط ، فمن لا يعي التاريخ سيسقط حتما في وحل الجغرافيا. ففلسطين ماضيها وحاضرها ومستقبلها مرتبط بالجغرافيا الفلسطينية، والدولة المصطنعة (إسرائيل) التي تعيش على استيراد السكان والمال والنفوذ والسلاح وممارسة الإرهاب المنظم ومحاولة تشويه التاريخ والنضال والهوية الفلسطينية، لا يمكن أن تعيش ولا بد لها إلا أن تسقط في اللحظة الذي ينقطع فيها الحبل السري الواصل بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية. |