وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

فوبيا الإرهاب القاتلة

نشر بتاريخ: 11/07/2017 ( آخر تحديث: 11/07/2017 الساعة: 12:44 )
فوبيا الإرهاب القاتلة
الكاتب: د.محمود الدبعي
الأعمال الإرهابية التي تقع في العالم هي اعمال إجرامية لا تغتفر للفاعل ولا من يقف خلفه وهي مدانة من جميع الناس واولهم المسلمين ومؤسساتهم، الذين يتحملون وزر هذه الأعمال الإجرامية وخاصة التي يقوم بها متطرفون يحملون اسماء اسلامية. وسائل الإعلام الغربية وخاصة اليمينية منها يبثّون في المجتمعات الغربية ما هو مصدر خوفٍ وشكٍّ وريبة في كلِّ عربي وكلِّ مسلم يعيش في الغرب وخاصة حينما يكون المتَّهم بعمل ارهابي مسلم، فإنَّ الغضب الغربي سيتمحور حول العرب والمسلمين أينما وُجدوا، ثمّ كيف سيكون حجم هذا الغضب إذا ما أضيف إليه ما زرعته احداث الحادي عشر من سيتمبر 2001 في الولايات المتحدة في عقول الغربيين، من خلال كتابات ووسائل إعلامية (مسيَّرة من قبل جماعاتٍ يمينية متطرفة أو عنصرية حاقدة) من زعمٍ حول "الخطر الإسلامي" القائم في الغرب!؟
لا يخفى علينا انه جرت أعمالٌ إرهابية عنفية في بلدان مختلفة تحت أسماء جماعات إسلامية كان يُرمز اليها، اختصاراً لمفاهيمها وأساليبها، بجماعات "القاعدة" رغم عدم تبعيتها لقيادة واحدة. وتُجدّد هذه المرحلة نفسها الآن من خلال ما قامت وتقوم به "جماعات داعش" من إرهاب ووحشية في الأساليب تحت راية الخلافة "الدولة الإسلامية"!.
وكيف سيكون أيضاً حجم هذا الغضب إذا ما صدر عن جهلٍ عام بالإسلام كدين سماوي مبني على السلام والإعتقاد السائد انه دين دموي ارهابي يتغذى على الدماء!؟
التحالفات العالمية ضد الإرهاب الداعشي، جعلت "الإسلام" في صدارة الاهتمامات الإعلامية في الغرب عموماً، وليكون عنواناً لأي عمل إرهابي يحدث من قبل أي شخص مسلم، بينما توصف الأعمال الإرهابية الأخرى التي يقوم بها من هم من غير المسلمين، بأنّها أعمال عنف إجرامية فردية!.
صحيح يوجد في داخل المجتمعات الغربية التي تعاني من تضخّم عدد المهاجرين إليها، شباب امتهنوا التطرف كوسيلة انتقامية من الغرب الذي تسبب في تشردهم بسبب الحروب والنزاعات المسلحة ونهب الثروات الطبيعية من بلادهم وما يحمله هؤلاء من طقوسٍ وعاداتٍ وتقاليد ومظاهر لا تندمج سريعاً مع نمط حياة المجتمعات الغربية!. هنا تصبح المسؤولية في التعامل مع هذا الواقع الغربي عموماً مسؤولية مزدوجة على الطرفين: مؤسسات المهاجرين الدينية والثقافية والتعليمية واصحاب القرار السياسي الأوروبي من جهةٍ أخرى. وكيف سيكون حجم هذا الغضب إذا ما اقترن بممارساتٍ سلبيةٍ خاطئة، قام ويقوم بها شباب مسلم تهدد الأمن والإستقرار في المجتمعات الغربية !؟
لا يخفى على الاقل ان هناك العديد من الحاقدين على الإسلام والمسلمين في أوروبا ويقومون بأعمال ارهابية تطال الأفراد والمؤسسات من اجل ارهاب المسلمين ودفعهم للهجرة العكسية، وهناك بالمقابل الكثيرون في الدول الغربية الذين يرفضون العنصرية ويريدون المعرفة الصحيحة عن الإسلام والمسلمين من مصادر إسلامية، بعدما لمسوا حجم التضليل الثقافي والسياسي والإعلامي الذي يرافق كل هجمة ارهابية يقوم بها شباب ينتمون للإسلام اسما لا ممارسة عقدية او دينية بل غالبيتهم اصحاب سوابق اجرامية ومروجين للمخدرات، وتزيد هذه التغطية خمسة اضعاف اي خبر عن جرائم ترتكب بحق المسلمين ومؤسساتهم في الغرب.
ولا يمكن فصل مشكلة الإرهاب المنسوب للإسلام في الغرب عن مسألتي العنصرية المقيتة بهذه المجتمعات وعن الحروب الأهلية التي تحدث في الأوطان الأصلية لمن يقومون بهذه الأعمال الإرهابية من الشباب الذي يحمل اسماء اسلامية. فهي متلازمة متكاملة تخدم بعضها البعض حيث تستغلّ الجماعات الإرهابية المناخ العنصري السائد في الغرب وظروف الحروب الدائرة في العراق وسوريا وليبيا واليمن وافغانستان من أجل استقطاب من هم أصلاً يعانون من فراغ فكري ديني وأزمات نفسية وإجتماعية. ويزج بهم في اعمال انتحارية مرفوضة اصلا من الإسلام ومن جميع المجتمعات الإنسانية. إنّ الغرب تحكمه الآن حالة "الارهاب الديني" ومن اجل ذلك قامت الحكومات الغربية بسن قوانين تتناقض مع الديمقراطية التي هي عنوان المدنية الغربية وهي الحالة التي تسهل فيها تأثيرات وسائل الإعلام التي يتحكم بها اليمين المتطرف على الراي العام في الغرب، لقد تحولت جميع شبكات التواصل الإجتماعي لمصايد لكل مسلم ينتقد الأحوال العامة التي تعيشها بلدانهم ولم يعد مفهوم حرية التعبير والنشر يشمل المسلمين.
لذلك، من المهمّ أن تتفق جميع المؤسسات والهيئات العربية والإسلامية في الغرب على تعميق معرفتهم السليمة بأصولهم الحضارية والثقافية وهويتهم الدينية، وان يكون لهم مرجعية متفق عليها تكون صوتهم المستقل عن التأثيرات السياسية في الغرب وأن يقوموا بالفرز الفكري بين ما هو "أصيل" وما هو "دخيل" على الإسلام والثقافة العربية. كذلك، فإنّ من المهمّ أيضاً، إضافة إلى إدانة ما يحدث من أعمال إرهابية عبر وسائل الإعلام، التشجيع على أسلوب الحوار الدائم بين هذه المؤسّسات والهيئات العربية والإسلامية، وبين غيرها من المؤسّسات الثقافية والإعلامية والمدنية في الغرب. إنَّ القليل من الفعل الإيجابي السليم خيرٌ من العزلة أو السلبية أو الإنفعال الكبير. وهذا ما يحتاجه الآن الوجود العربي والإسلامي في الغرب، ليس فقط في التعامل مع ظاهرة الإساءات المغرضة، بل أيضاً للمساهمة في إصلاح أوضاع عربية وإسلامية مهدّدة بالفرز والتفكّك والانشطار الطائفي والمذهبي، بسبب الولاءات لهذه الجهه او تلك. فتشويه الصورة العربية والإسلامية في الغرب ناجم عن الصراعات الفكرية والمذهبية في عالمنا العربي والإسلامي والتي تنعكس سلبا على الأقليات المسلمة في الغرب، ولذلك فإنّ تصحيح العلاقة بين الجاليات المسلمة وبين اوطانها، يجب أن تكون له الأولوية قبل الحديث عن "تصحيح الصورة الإسلامية" في الغرب، وعليهم جميعا تقع مسؤولية إصلاح العلاقة بين الجاليات المسلمة وحكوماتهم أولاً ثمّ صلاح العلاقة مع المجتمعات الغربية.
ما احوجنا اليوم الى مرجعية ثقافية واعلامية وسياسية نابعة من واقعنا الذي نعيشه بعيدا عن الوصاية الحزبية او الدينية من بعض الجماعات التي فرضت نفسها ممثلة للجاليات المسلمة وتسببت في تهميش الأقليات المسلمة ودورها في التأثير على سياسات البلدان التي يعيشون بها. ما نشاهده اليوم لا يشجّع كثيراً على التفاؤل بمستقبلٍ أفضل للأقليات المسلمة في الغرب، طالما أنّ البلاد العربية والإسلامية هي ساحات لمعارك وصراعات، ويذهب اليها شبان عرب ومسلمون للمشاركة في هذه الحروب وتتخوف المخابرات الغربية من العائدين منهم لآوطانهم، حيث يعتبروا مشاريع استشهادية وارهابية ويشكلوا خطر على المجتمعات الغربية.
الفكر المتطرّف يستفيد حتماً من أيّة شرارة نار يُشعلها متطرّف آخر في مكان آخر، فالحرائق تغذّي بعضها البعض، لكن النار مهما احتدّت وتأجّجت، فإنّها ستأكل ذاتها. الوعد بمستقبلٍ أفضل يفترض وجود عناصر لم تزل مغيّبة حتّى الآن، وتحتاج إلى مراجعات كثيرة مع النفس لدى كل القيادات الإسىلامية المعنيّة بالأزمات الراهنة. لترك الأنانية وحب السيطرة وفرض عبادة الشخصانية التي جعلت من الكوادر مجرد رجال آليين ليس لهم شخصيات وافكار مستقلة.
الصراعات بين هذه القيادات تستنزف المؤسسات الإسلامية والهيئات العربية في الغرب، وتدفع الكوادر إلى اليأس والإنكماش على الذات وتتسبب أيضاً بأمراض داخلية في الفكر والأسلوب بعموم المؤسسات العربية والإسلامية، لكن المريض هنا لا يُرفَع عنه الحرج !!