|
أمن قومي
نشر بتاريخ: 13/07/2017 ( آخر تحديث: 13/07/2017 الساعة: 12:10 )
الكاتب: د. بهجت سليمان
(في الاستراتيجيا و "الاستراتيجيا البديلة" في منظومة الصّراع ..وفي منظومة "الأمن القوميّ" و "الإقليميّ"، و"إسرائيل"..)
تطرح التّطوّرات الأخيرة في جبهة الحرب في الجنوب السّوريّ، إشكاليّة أمنيّة- قوميّة عربيّة وسوريّة مستجدّة وطارئة على خطيّة الحرب على "الإرهاب" التي أصبحت "خطيّة" مستهلكة ومزعومة في إطار التّحولات المنظوميّة العالميّة وموقفها من الحرب في سورية. لم تعد الحرب محصورة في الحرب على ما قد سمّي بـ "الإرهاب". لقد أنتجت الحرب على "الإرهاب"، في استحالاتها ، السّببيّة أصلاً، قواعدَ جديدة في منظومة الأمن الإقليميّة والعالميّة، كان من نتائجها الثّانويّة قيام هذه "الهدنة" في الجنوب السوريّ، ووقف إطلاق النّار. نحن لن نبحث هنا بحثاً تقليديّاً في آفاق هذه الهدنة واستقرارها ونتائجها السّياسيّة، ولكنّنا سنُعنى بالواقعة باعتبارها جزءاً من حالة الصّراع السّوريّ- العالميّ، في نتائجه المستجدّة. تدخل الوقائع و العُلاقات الأخيرة، بمختلف أطرافها السّوريّة و الرّوسيّة و الأميركيّة و الأردنّيّة و "الإسرائيليّة"، بالنّسبة إلى الجنوب السّوريّ الغربيّ، تدخلُ في تشكيلة استراتيجيّة أنتجتها الحرب إنتاجاً موضوعيّاً أو قاسراً على الجميع، أصبحت معها القراءة الإقليميّة لا تستوي و لا تصحّ من دون تأطيرها تأطيراً استراتيجيّاً في الجيوسياسيّةِ التي فرضتها قواعد هذه الحرب. من الطّبيعي أن نذكّر، هنا، بأنّ كلّ فهمٍ للحرب التي أعلنها العالم على سورية يبتعد عن التّصوّر الحداثيّ للنّظام العالميّ الجديد، هو فهم كاريكاتيريّ بل و هزْليّ للعالم و المنطقة و الحرب! يدخل "النّظام العالميّ" الجديد في مرحلة تاليةٍ، له، على الاستقطاب الواحديّ للقوّة و القرار و السّطوة، "متطوّرة"، بفعل النّتائج الجيوسياسيّة التي خلقتها هذه الحرب. هذا، باختصار، ما خلقته الحرب السوريّة في الفضاء السّياسيّ العالميّ. لعلّ من أهمّ هذه النّتائج المحوريّة هو ما نشهده اليوم من ندّيّة سياسيّة عالميّة لمنظومتين عالميّتين تتزعّمُ إحداها أميركا و تتزعّم روسيا الثانية. لا يهم هنا الخوض في تكرار غير مُجدٍ لتعداد عناصر المنظومتين، و لكنّ الأهمّ أن نفهم، و بلغة الرّياضيّات الحديثة أنّ المنظومتين تعبّران عن "مجموعتين" رياضيّتين و "متقاطعتين" أيضاً، تبعاً للتّفاهمات الإجباريّة الضّامنة لصراعات العالم من أن تتحوّل إلى كوارث عالميّة ماحقة، مهيبة و غير مرغوبة و غير مُجدية إنسانياً أمام نتائجها التراجيديّة! إنّ تقاطع "المجموعات الرّياضيّة" يؤدّي بالطّبيعة و الضّرورة إلى إحداث "مجموعات" جزئيّة جديدة، عناصرها تنتمي بالفضاء الطّوبولوجيّ (Topology) ـ الطوبولوجيا : هي علم المكان أو علم الفراغ ـ إلى كلتا "المجموعتين" الرّياضيّتين الأصليّتين، مع استقلالها النّسبيّ و العمليّ و الضّروري عن "فضاءات" كلّ من المجموعتين الأساسيّتين، و ذلك دون أن تتمكن من النّزوع إلى انفصال مستقلّ عن أصليّة "المجموعتين" الأمّ. التّرجمة المباشرة لهذه الّلغة الفلسفيّة السّياسيّة، تظهر في تداخل و تقاطع المصالح السّياسيّة لأطراف في الصّراع و المواجهة، تجمعها فيما فرّقَتْها و فيما لم تفرّقْها الحرب السّوريّة، في اصطفافاتها الإقليميّة، ما بينها.. !!؟ لا يحتاج السّياسيّ، أو القارئ السّياسيّ، هنا، إلى تسميات محدّدة لدول إقليميّة منخرطة في الصّراع في سورية، كما لا يحتاج إلى تحديد ما يجمعها ، في حين جعلتها الحرب أطرافاً متقاتلة و متحاربة. المنطقة الإقليميّة من (إيران) إلى دول و ممالك و أمارات "الخليج"، إلى ( تركيا ) إلى ( لبنان ) و ( الأردن ) و مع الجميع تنضاف ( إسرائيل ) أيضاً، كطرف مباشر أو غير مباشر في صراعات الحرب السورية، كعنصر شرطيّ وجوديّ، في المجموعات السّياسيّة المتقاطعة التي تكوّنت حدودها في إطار الصّراع السيّاسيّ العالميّ. في حين أن الصّراع لا يقف عند هذه الانخراطات "الحدّيّة ، حيث يتبعها عناصر أخرى "غير نظاميّة" أو "غير سياديّة" كالقضيّة الفلسطينيّة و القضيّة الكرديّة و قضيّة عناصر المعارضة "المنشقّين" عن الدّولة السّوريّة كواقع سياسيّ، إضافة إلى قضيّة الّلاجئين السّوريين أيضاً الذين شكلوا فضاءً سياسيّاً مندغماً في أطراف الصّراع. و من المنطقيّ، إذاً، بلغة المجموعات السّياسيّة أن نعمل على تأطير نتائج التّقاطع "الطوبولوجيّ" السّابق في منظومات جيوسياسيّة محلّيّة و إقليميّة، و "عنصريّة" أو "عناصريّة" ( من عناصر غير "نظاميّة" )، لا يمكن إلّا أن أننظرَ في أمرها على أنّها ذات حضورٍ سياسيّ كإضافات ملحقة في الصّراع أو كأدوات وظيفيّة لها حضورها العمليّ أيضاً و تأثيراتها التي نشهدها على علاقات العناصر المنظوميّة المشتقّة من تقاطع المجموعتين "الرّياضيّتين" السّياسيّتين الأساسيّتين. لا يمكن الحديث عمّا يجري في "المنطقة" بلغة أخرى أقلّ فلسفيّة - سياسيّة ؛ و للقارئ الكريم ، حرّيّة إمكانيّة الإيجابيّة في الإدراك، كما له حريّة رفض هذه الأسلوبيّة السّياسيّة في القراءة و الكتابة حَالاً بِحَال! و أمام هذا الواقع و انخراط " الجميع " في تداخلات "طوبولوجيّة" سياسيّة إقليميّة، تدخل ( إسرائيل ) كواقعٍ فعليّ في الحضور السّياسيّ في المجموعات النّتائجيّة لتقاطع المجموعتين الأساسيّتين و المُلحقتين الموصوفتين أعلاه، فيما يُعبّر وجودها هذا عن تعقّد التّقاطعات في مجال الأمنين القوميّ و الإقليميّ للمكان، و بخاصّة بعد "إمكانيّة" انضمام ( إسرائيل ) علنا و فعليّا إلى اتّفاقيّة الهدنة في "الجنوب الغربيّ" السّوريّ ـ ولو تحت غطاءٍ أردني ـ ، و التي جمعت كلّاً من روسيا و أميركا و الأردنّ، ناهيك عمّا تعنيه هذه الاتّفاقيّة بالنّسبة إلى سورية باعتبارها "الأصل" لجميع هذه التّقاطعات والاستقطابات، كما باعتبارها جوهر أزمة الأمن الإقليميّ الحاليّة و مركزها الذي أثارَ مجموعة واسعة من المستجدّات في علاقات جميع الأطراف التي دخلت الحرب. إنّ الملاحظة عن قرب ، لنتائج الحرب و الاندغام المباشر في قراءة التفاصيل الّلوجستيّة المباشرة، كحقل للصّراع، لا يؤدّي، بالمرّة، إلى أيّ فهم سياسيّ استراتيجيّ لدلالات المفهوميّة الواقعيّة التي تُفضي إلى فضاء الأمن اٌلإقليميّ بمفهومه الواقعيّ العمليّ ( أو البراغماتيّ، كما يُفضّل أن يقولها البعض! ) في المنطقة المشرقيّة العربيّة التي صارت ( إسرائيل ) فيها جزءاً مكّوناً و مؤثّراً و فاعلاً "نظاميّاً" لا يمكن تجاهله.. !!؟ لا يُكتبُ الخطاب السّياسيّ بجذره الفلسفيّ في موضوعيّة تحليل العالم و الحدث، بجمل الشّعارات الثّوريّة التّعبويّة كما نفعل عندما نكون على دراية بالنّتائج التجييشيّة الاجتماعيّة و العسكريّة و السّياسيّة الضّروريّة في ظروفها لهذا الخطاب! نحن لا ننفي دوره بدليل حاجتنا إليه و استخداماتنا الهادفة له، و لكنّنا ألان نقرأ العالم و المنطقة بلغة الحدث العالميّ المعقّد و المتعدّد الضّرورات. و بالعودة إلى حديثنا الأساس، فإنّ ما ينبغي فهمه هو أن للمنطقة كلّها ضرورات تجتمع عليها، كما أن لها خلافاتها الطّرفيّة أو المركزيّة التي تثور في أوقاتها كما هي تثور في مناسبة هذه الحرب. و من باب "الوجوديّة" السّياسيّة الموضوعيّة لإسرائيل في "المكان" (!) فإنّ الواقع يحتّم على الخطاب السّياسيّ أن يأخذ مفرداته المباشرة من النّتائج الأخيرة، المتوفّرة، لتداخلات المخاطر الإقليميّة لاستمرار الصّراع في حربٍ أدرك الجميع، اليوم، بعدها الإقليميّ والدّوليّ في وقت واحد. هذه ليست دعوة إلى "واقعيّة" سياسيّة ذليلة كما فهمها في الممارسة الانبطاحيّة أطراف أساسيّة في الصّراع السّوريّ و الصّراع المشرقيّ العربيّ- الإقليميّ و العالميّ، تاريخيّاً و حاليّاً بوجه عامّ؛ إلّا أن تجاهل "الواقع" لا يعني، أبداً، أنّه غير موجود، و هذا ما يحتاجه، الآن، المضمون العقلانيّ، الأسلوبيّ، لمتابعة رصد و قراءة النتائج "الأخرى" للصّراع في حربٍ نوعيّة لا يمكن اختصار التّعامل مع نتائجها و آفاقها بخطابٍ ثوريّ فحسب! إنّها حالة من حالات تدويل الصّراعات في الحروب ما نعايشه، اليوم، في النّتائج السّياسيّة- على الأقل!- للحرب السّوريّة. و دون الخوض في التفاصيل الأخيرة، التي ذكرناها، باختصارٍ، أعلاه، للتّحوّلات الجيوسياسيّة في العلاقات النّاتجة كحلول مساعدة على تجنّب تطوّر الصّراع إلى حالاتٍ حدّيّة، عسكرياً و سياسيّاً؛ فإنّ "الواقع" الأخير لحالة الصّراع فرضَ خطوطاً سياسيّة جديدة في تأطير الحرب، كانت نتيجة تفاهمات و اتّفاقات دوليّة ، و ذلك لما كان للحرب من آثار دوليّة و إقليميّة مباشرة. و في تدويل الصّراعات يصبح من المغري للجميع البحث عن أفضل الوسائل و المصالح التي يمكن أن تخفّف من آثار التّدويل، و ذلك إمّا باستثمار هذا التّدويل بهيئته السّالبة في استغلال صمت الصّراع، و إمّا بإعادة الصّراع على شكل استمرارٍ للتّوتّر أو استدامته في تفعيلات جديدة للقوّة الاستراتيجيّة التي تتوفر بتباين عند جميع الأطراف في مركز و محيط الحرب، الإقليميّ، في وقت واحد. و من دون أن نتحدّث عن الضّرورات الموضوعيّة التي تحتّم على جميع الأطراف الإقليميين ، الانخراط في حرب أصبحت تعني الجميع و تؤثّر على استراتيجيّات الأمن الوطنيّ و القوميّ.. لهم، فإنّ المعادلات التي أفرزها تطوّر الحرب ، كانت أسبق في التّشكّل على التنظير فيها. هذا ما هو الأمر عليه عادة، إذ أنّ الواقعة السّياسيّة، غالباً، تسبق التنظير عليها في الخطاب السّياسيّ، أو أنّها تعاصر خطابها السّياسيّ حذو النّعل بالنّعل. باختصار فإنّه لا ينتظرُ العالَمُ قراءته لكي يتكون و يكون! و من جانبٍ آخر كان للمعادلات السّياسيّة التي أفرزتها الحرب أو عاصرتها هذه الحرب، حلولٌ تبدو مفاجئة مع أنّها كانت في رحم الحدث أو أنّها كانت تنتظر الحدث لكيّ يجري الإعلان عنها في خطاب سياسيّ عمليّ و مباشر. أتّحدثّ هنا على "العلنيّة السّياسيّة" التي أصبحت "أمراً واقعاً" في العلاقات السّياسيّة الإسرائيليّة- "العربيّة"، سواءٌ في العلاقات الفلسطينيّة- الإسرائيليّة، أو في العلاقات "الخليجيّة"- الإسرائيليّة، و الأردنّيّة- الإسرائيليّة المعروفة. نحن أمام واقع أكثر تعقيداً، اليومَ، مع أنّه أبسط ممّا يغلّفه الإعلام بخطابه التّقنيّ- الحرفيّ المُلغّم و المُداوِر. أهدف في هذا الحديث إلى أنّ التّطوّر الموضوعيّ للصّراع السّوريّ- العالميّ و الإقليميّ في المنطقة، كما التّطوّر الطّبيعيّ الدّلاليّ لِلُغَةِ حديثنا هنا، هما أمران يفرضان استنتاجاتهما على الغرض من هذا العَرْض بحيث أفضى اتّجاه الحديث إلى النّظر في منظومة الأمن الإقليميّ للمنطقة برمّتها، بما فيها ( إسرائيل ) التي تقوم جميع فلسفتها الوجوديّة- العسكريّة و السّياسيّة على مركزيّة قضيّة الأمن "القوميّ" (!) أو الأمن "الإسرائيليّ". هذا تقاطع "واقعيّ" قائمٌ في "المكان" و هو يتّصفُ بمخاطره و ضرورته الموضوعيّة في آنٍ سياسيّ واحد. لقد انزاح الصّراع الذي تمثّل في حربٍ تاريخيّة صارعة للجغرافيا و التاريخ و السّياسة و المفاهيم و القواعد و المبادئ المعروفة للحروب، انزاح إلى نظامٍ إقليميّ و عالميّ مُستحدث، و ربّما هو شكل نواة "النّظام العالميّ" الأكثر حداثة، في الجيل التالي "للنّظام العالميّ" الجديد.. الذي عرفناه منذ تسعينات القرن الماضي و صعود العصر الأميركيّ للعالَ. و مع هذا الانزياح السّياسيّ التاريخيّ، تنزاح أيضاً، تَبْعَاً له، المفاهيم التّقليديّة ( الكلاسيّكية) التي كانت مرتبطة بعالم سياسيّ قديم اختفى إلى الأبد.. ! في مفردات "الأمن القوميّ" يدخل مفهوم "الأمن الإقليميّ" كأمر واقع لا يمكن تجاهله إلّا في مكابرات الخطاب "القومويّ"- الرّاديكاليّ الذي صار، اليوم، ممنوعاً من التّداول و الممارسة بحكم انضباط العالم خارج "الأيديولوجيّات" التّقليديّة في"عصبيّات" الحروب و "الثّورات" و الصّراعات الشّاملة. و من الواضح أن الحرب السّوريّة جعلت من تماهي مفهومَيّ "الأمن القوميّ" و "الأمن الإقليميّ"، تماهياً عمليّاً، أمراً واقعاً، بحيث أصبحت ظواهر هذا التّماهي مشهودة في تداخلات و تعقّدات مسارات الصّراع. و ( إسرائيل) جزء من هذه المعادلة السّياسيّة "القوميّة- الإقليميّة" المعقّدة ما دامت موجودة جيوسياسيّاً بالقوّة السّياسيّة العالميّة و بقوى أخرى ليس مجال بحثها هنا الآن. و عند هذا الحدّ فإنّ أيّة سياسة قوميّة في المشرق العربيّ، أو إقليميّة في المنطقة، سوف تدخل عليها ( إسرائيل ) دخولاً قسرياً كعنصر من واقع العناصر المؤلّفة لمفهوم الأمن القوميّ و الأمن الإقليميّ، معاً. لا يُفيدُنا، كما لا يُفيد، فلسفة الصّراعات العسكريّة و السّياسيّة و الاقتصاديّة، أن يتمّ تجاهل هذا الواقع. و نكرّر، مرّة أخرى، أن جهلنا بالواقع أو تجاهلنا له، لا يعني أبداً أنّه غير قائم أو غير موجود! و النّتيجة الأفضل هنا أن نقوم بسؤال على ما إذا كانت ( إسرائيل )، اليومَ، قد أصبحت جزءاً سياسيّاً أساسيّا في المعادلة أو المعادلات الإقليميّة و الوطنيّة و القوميّة التي تنتظم المكان؟! يُطرحُ أمام السّياسة السّوريّة و "العربيّة" و "الإقليميّة" المعاصرة، في هذه الّلحظة التّاريخيّة "الصّعبة" مجموعة من الأغراض و الأهداف و الأسئلة و التّساؤلات. و لكن كيف ستكون، على الأخصّ، الحلول الموضوعيّة و الذّاتيّة الفاعلة مباشرة أمام هذا التّحدّي الكبير... ؟؟! ما هو هذا التّحدّي؟ إنّه تحدٍّ تاريخيّ و أسطوريّ أن يصبح أمن ( إسرائيل ) "القوميّ" (!) جزءاً عضويّاً و شارطاً للأمن القوميّ العربيّ في المشرق من برّ الشّام، كما للأمن الإقليميّ من ( إيران ) إلى ( عمّان ) مروراً بكلّ هذا الحقل الجغرافيّ- الاقتصاديّ، و بهذا الفضاء السّياسيّ في منطقة من العالم هي في قلب هذا العالم.. !!؟ بمعنى آخر فإنّ الحلول الواقعيّة المطروحة أو المتاحة، الآن، هي ما تقضي بهذا التّصوّر المضمونيّ لواقع المنطقة، دون أيّة زيادة أو نقصان. و لكن كيف سيجري التّعامل الاستثنائيّ مع هذا الواقع الموضوعيّ؟ هنالك جوابٌ واحد على هذا السّؤال. لا ينتهي التّاريخ في حدث واحد أو واقعة واحدة أو ظاهرة واحدة اجتماعيّة أو سياسيّة مهما كان لها امتداداتها الزّمانيّة في المكان. التّاريخ متحرّكٌ و حيٌّ و بخاصّة في أماكن التّوتّر و الحروب و الصّرعات. و لنا عبرة في أنّ ( إسرائيل ) ستبقى جسماً غريباً في المنطقة، كما نعوّل على تنامي العجز الإسرائيليّ الاستراتيجيّ أمام التّطور الاستراتيجيّ للدّفاعات السّوريّة. الجميعُ يدرك أن الحروب المعاصرة أصبحت تُخاضُ بطريقة مختلفة جذرياً عن الحروب التقليديّة القديمة، من حيثُ أنّ الأولى هي حربٌ جويّة و أرضيّة و بحريّة و إلكترونيّة تُخاضُ عن بُعد. و سورية دولة قويّة عسكرياً، و هذا ليس سرّاً على أحد و يعرفه الجميع. إذا تحقّق لنا الحدّ الأدنى من إمكانيّة الرّدع العسكريّ ببعده الإقليميّ مع ( إسرائيل )، نكون قادرين في مستقبل قريبٍ على تغيير معادلات الصّراع و المعادلات السّياسيّة التّابعة له، كما نكون قادرين- و هذا هو المهمّ - على تغيير جميع معادلات الحرب بنتائجها القسريّة اليوم، في الجنوب السّوريّ و على كامل الأراضي السّوريّة الجريحة أو المصابة في هذه الحرب. يجب أن نطوّر من قوّتنا العسكريّة الرّادعة، كما يجب أن نعرف كيف نستفيد في علاقاتنا مع الحلفاء و الأصدقاء .. و هذا أمرٌ أساسيّ يجب أن نقول فيه إنّ مفهوم "القوّة الشّاملة" للدولة المعاصرة، الذي يُدرّسُ في الأكاديميّات الاستراتيجيّة التّقليديّة، قد تغيّر في استراتيجيّات التّحالفات الإقليميّة و العالميّة، بحيث أصبح يضافُ إليها "القوّة الإقليميّة" في التّحالفات المباشرة، كما القوّة الدّوليّة في الأحلاف السّياسيّة بين الأصدقاء. و فيما يصنع العالمُ مفاهيمه السّياسيّة و أفكاره و يفرضها على "الجميع"، يجب أن نرفضَ، عمليّاً، هذا الاستقواء بالعنف المباشر أو غير المباشر الذي يسلكه أقوياء هذا العالم. و رفضنا له ليس بأدوات الأدب السياسيّ و الشعارات الثوريّة و القوميّة، و لكنّه، على العكس، يجب أن ينطلق من تعزيز "القوّة الشّاملة" بعناصرها المضافة كما قلناها أعلاه، إضافةً إلى تعزيز و إبداع علاقات مؤسّساتيّة في الدّولة الوطنيّة السّوريّة تكون قادرة على إنتاج البيئة العامّة الحاضنة الأكيدة للفكرة الوطنيّة المعبّرة عن تغيير القواعد التي تفرضها علينا نتائج الحرب غير المقبولة أو التي تمسّ السّيادة الوطنيّة في جميع المراحل و المقاطع المفصليّة في هذه الحرب. على هذا النّحو فقط نستطيع فرض الصّيغة الوطنيّة السّوريّة على استراتيجيّات الأمن القوميّ و الأمن الإقليميّ التي ستترتّب كحاجة جديدة تتناسب مع نتائج الحرب. نحن لا نعترف، نظريّاً، بأيّة نتيجة استلابيّة أو منقوصة بالاعتداء على أيّ مكون من المكوّنات الوطنيّة أو بالانتقاص من المفردات التي تؤلّف، في مجموعها، الحقّ السّوريّ على الأرض و المجتمع و الدّولة و السّيادة. إنّ فرضنا لمفهومنا للأمن القوميّ و الوطنيّ و الإقليميّ في المنظومة الاستراتيجيّة الكلّيّة التي تتوفّر لنا بحكم مفاعيل الاستقطاب الإقليميّ و العالميّ، وحده هو هذا الذي سيمنع ( إسرائيل ) من الاستفادة من النتائج المرحليّة لمخرجات الحرب. و عندما سيتقرّر مضمون الأمن القوميّ و الإقليميّ المقبل في أيام الصّراع، بما هو أمن قائم على العدالة في الحلول و التّسويات و الاتفاقات و المعاهدات.. ، إلخ، سيكون عندها من الموضوعيّ أن نجرّد ( إسرائيل) من جميع "المكتسبات" الطّارئة في وضعيّة و في مستقبل تحديد خرائط المنطقة، عسكرياً و سياسيّاً، كما سيكون من الموضوعيّة أيضاً أن نجرّد ( إسرائيل ) من كلّ الآثار الجانبيّة التي ستترتّب على المفهوم "الواقعي" للأمن الإقليميّ، و التي يمكن أن تنعم بها ( إسرائيل) بحكم الفائض السّياسيّ في تخفيف "التّوتّرات". أخيراً فإنّ ما هو لازم ، يتوفّر اليوم في العلاقات مع الأصدقاء و الحلفاء، و لكنّه غير كافٍ لجعل منظومة الأمن القوميّ و الإقليميّ منظومة متينةًبما فيه الكفاية و عادلة، سواءٌ في "العلاقات" المرحليّة و "التاكتيكيّة" التي تنعقد على جانب منظومة المواجهة، أو في الفهم الانفراديّ لبعض الأطراف في "المنظومة ، و المعلّل بالمصلحة الطّارئة و "الدّبلوماسية" التي تكاد تتحوّل في بعضِ مقاطع تلك العلاقات إلى "استراتيجيّات" بديلة لاستراتيجيّات الصّراع. في المحصّلة ، فإنّ علينا أن لا "نطوّر" مفهومَنا، يوماً، بحيث تغدو ( إسرائيل ) واقعاً حقيقيّاً في " معادلة أمن المنطقة "، و ذلك مهما امتدّ الزّمن و مهما جرى من " تحديثات " عالمية على " النّظام ".. !!؟ يجب أن يبقى " الواقع " اليوميّ للمنطقة " قلقاً" و متوتّراً و ساخناً، لكي تبقى ( إسرائيل) جسماً غريباً في المكان. يجب على الأجيال التّالية أن يكون أوّل درس لها في إبداعاتها المنتظرة هو كيف نحرم ( الصّهيونيّة ) من أن تكون فكرة طبيعيّة أو مقبولة في المنطقة و في العالم! هذا أمرٌ كبيرٌ و تصوّره ليس سهلاً كما يراه البعض. إنّه فلسفة و فكر و معرفة و سياسة و اجتماع و تاريخ و قانون و علوم تطبيقيّة معاصرة و انقلابٌ شامل في أسس التّربية و التّفكير الوطنيّ و قواعد "المؤسسة" و "النّظام السّياسيّ". و لا يختلف إثنان على أنّ هذا "الدّرسَ" يحتاجُ إلى "مدرسة" وطنيّة استثنائيّة، يجب أن نبدأ ابتناءَها منذ هذا اليوم.. !!؟ |