وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

أهمية إعادة الإعتبار للكفاح السلمي

نشر بتاريخ: 28/07/2017 ( آخر تحديث: 28/07/2017 الساعة: 10:16 )
أهمية إعادة الإعتبار للكفاح السلمي
الكاتب: نتالي حمدان
تأتي الرؤية المستقبلية لاستراتيجية العمل النضالي الفلسطيني من خلال طرح عدد من الأدوات والوسائل والنماذج التي من شأنها تعزيز أهمية هذه الرؤية حيث أن استعراض مراحل تطور الكفاح الوطني الفلسطيني منذ عام 1917 مروراً بثورة 1936 وانتهاء بانتفاضة الأقصى عام 2000 هو أمر في غاية الأهمية ويأتي في إطار استخلاص الدروس والعبر من نتائج العمل الكفاحي الفلسطيني خلال مراحله المختلفة، فبالرغم من أن كل مرحلة من مراحل النضال الفلسطيني امتازت بإيجابياتها وسلبياتها، إلا أن السلبيات التي تمثلت بمجموعة من الإخفاقات حالت دون الحصول على النتائج المرجوة من مرحلة، حيث نخلص إلى القول أن النهج السلمي هو نجاعة حيث أن هذا النهج أثبت فعاليته ليس فقط في التجربة الفلسطينية المتمثلة بالانتفاضة الأولى عام 1987، بل في الكثير من التجارب الدولية السابقة التي اعتمدت اللاعنف عمل استراتيجي منظم لا بديل عنه في مقاومة الظلم والاستبداد والتسلط والاستعمار. وتعد التجربة الفلسطينية من أهم هذه التجارب خاصة تجربة الانتفاضة الأولى عام 1987، والتي أثبتت نجاعتها في لفت أنظار العالم إلى أن هنالك شعب مضطهد يرزح تحت الإحتلال ويطالب بحقه المشروع في تقرير مصيره باستخدام وسائل النضال الرمزي المتعددة. وبالرغم من فشل هذه التجربة في تحقيق الهدف المنشود وهو نيل الحرية وتحقيق الاستقلال، إلا أنها شكلت حالة تستحق تقييمها وأخذ العبر منها والإنطلاق من نتائجها التي عززت فكرة الكفاح الشعبي كنهج بحاجة إلى المزيد من التكتيك.
ولم تغب مسألة التكتيك ضمن إستراتيجية للعمل السلمي عن الوعي الفلسطيني، فالإستراتيجية الوطنية الفلسطينية لبناء الدولة والإستقلال اعتمدت المقاومة الشعبية والنضال الدبلوماسي كأدوات أساسية لاستقطاب الدعم الدولي وتكريس الحق الفلسطيني، وأكبر مؤشر على إيجابية الأثر الذي يحدثه هذا النوع من النضال هو صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 67/19 بتاريخ 29/11/2012 والذي بموجبه تم منح فلسطين صفة دولة مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة بتصويت 138 دولة من دول العالم لصالح هذا القرار، حيث كان لا بد بعد صدور هذا القرار من طرح فكر يوائم بين العمل الشعبي والعمل الدبلوماسي. كما توجت الجهود الدبلوماسية الفلسطينية على مدار السنوات العشر الماضية بصدور قرار آخر من الأمم المتحدة يضاهي في أهميته قرار 67/19 وهو قرار 2334 والذي صدر عن مجلس الأمن الدولي بتاريخ 23/12/2016 بموافقة الغالبية الساحقة لمجلس الأمن 14 دولة من أصل 15 من الدول منها أربع دول دائمة العضوية في مجلس الامن صوتت على القرار، ولم تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية كعادتها حق النقد الفيتو الأمر الذي سمح بتمرير القرار من خلال أحد أهم مؤسسات الأمم المتحدة وهو مجلس الأمن، حيث آدان القرار الإستيطان ودعي إسرائيل إلى التوقف الفوري والتام عن كافة الأنشطة الإستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية.
ويمكن القول هنا أن القرارين 67/19 و2334 يكملان بعضهما البعض ويمكن أن يشكلا أساساً جيدا للبناء باتجاه قرار دولي بالاعتراف بدولة فلسطينية كاملة السيادة على الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. حيث وكنتيجة للقرارين أصبح هنالك إجماع دولي على عدم قانونية العمل الإستيطاني الإسرائيلي وعليه فإنه يتوجب على إسرائيل الوقف الفوري لكافة النشاطات الإستيطانية في الأراضي الفلسطينية التي سوف تكون من الآن فصاعدا تحت المجهر الدولي. إن هذه القرارات تعد بمثابة مرجعية قانونية لكافة الدول التي ترغب بالاعتراف بدولة فلسطين خاصة بعد أن اعتبرت أي نشاط داخل أراضي ال 67 هو نشاط استيطاني غير مشروع.
وبالرغم من أن القرار 2334 لم يصدر ضمن البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أي لا يأخذ صفة الإلزام لإسرائيل إلا أنه يجدد الشرعية الدولية لمحاربة العمل الإستيطاني ويشجع على مواقف وسياسات دولية أكثر صرامة تجاه العمل الاستيطاني الإحلالي ويتيح المجال للبدء بمباحثات جادة حول الحل النهائي والذي يأتي موضوع القدس في جوهره، حيث يشكل موضوع القدس مفتاح الحل لكافة القضايا العالقة والتي لا يمكن التوصل فيها لأي حلول قبل أن يتم الالتزام بالواجب الدولي تجاه مدينة القدس والذي يترتب عليه تعهد المحتل بعدم المساس من الأماكن المقدسة وليس من حقه ممارسة أي نشاطر سيادي عليها، الامر الذي تحاول إسرائيل تقويضه من خلال فرض سلطة الأمر الواقع في القدس الشرقية، حيث تعيش مدينة القدس أصعب أيامها في مواجهة ما يتعرض له المسجد الأقصى من انتهاكات إسرائيلية تطال الأرض والبشر والشجر والحجر، تقدم عليها إسرائيل وهي غير مكترثة لا للمجتمع الدولي ولا للمجتمع العربي والإسلامي، ضاربة بعرض الحائط كل القرارات الدولية التي تعتبر القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، مما يتوجب علينا كفلسطينيين وضع خطة متكاملة للتصدي لهذا العدوان الممنهج بكل لطروق السلمية المشروعة مستندين إلى مجموعة من القرارات الدولية أهمها قرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة ( قرار الجمعية العامة رقم 181 ) عام 1947، وأحدثها قرار منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم ( اليونسكو ) الصادر بتاريخ 2/5/2017 والذي أعاد الاعتبار للحق الفلسطيني في القدس الشرقية، كما والتأكيد على أن الوجود الإسرائيلي في القدس الشرقية يأتي في إطار الممارسات الإحتلالية والإجراءات الغير شرعية لضم القدس الشرقية وفرض قانون وإدارة وسلطة الاحتلال عليها وعلى الأماكن الدينية المقدسة فيها. كما ويشكل قرار المجلس التنفيذي لليونسكو الصادر عام 2016 والذي تضمن تعريفاً بأن القدس و" الحرم القدسي الشريف " مكان مقدس للمسلمين، شكل مرجعية دولية أخرى يمكن الاستناد عليها في تثبيت الحق في المقاومة السلمية لأي محاولة لتغيير المعالم التاريخية لمدينة القدس و للمسجد الأقصى كتراث إسلامي خالص لا تخضع مسألة الحق في السيادة الفلسطينية عليه لا للنقاش ولا للتفاوض وذلك انطلاقاً من القرارات الدولية السابقة بالخصوص وانطلاقا من قرار منظمة اليونسكو مؤخرا والتي أكدت جميعها على الحق التاريخي للمسلمين بالحرم القدسي الشريف. أقرته منظمة كل تلك القرارات تشكل تطوراً ملحوظاً في الموقف الدولي يحتاج إلى إطار شامل من العمل الفلسطيني المتكامل المبني على أسس مدروسة الأثر وضمن استراتيجية واضحة تمكن من الوصول إلى الأهداف الوطنية المشتركة والرامية إلى تحقيق جدوى من القرارات الدولية الهامة التي لم تأتي لمحض الصدفة وإنما تمخضت عن جهد دبلوماسي حثيث يجب عدم الاستهانة بنتائجه كما عدم إضاعة الفرصة لاستثمار النتائج الإيجابية المترتبة عليه والتي من الممكن تحقيقها بالأطر السلمية المشروعة. فالحصول على حق تقرير المصير وإعلان دولة كاملة السيادة على أراض عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية أصبح يستند إلى شكل من أشكال الإسناد القانوني الموضح في عدد من الاتفاقيات الدولية كما أن الدفاع عن هذا الحق مشروعاً وفقاً لهذه الاتفاقيات التي تجيز لشعوب العالم كما للشعب الفلسطيني الدفاع عن حقوقها المشروعة وعلى رأسها حق تقرير المصير. ومن هذه الاتفاقيات، " نص المادتين 51، 55 من ميثاق الأمم المتحدة، الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني" والتي يمكن استخدامها كنصوص مرجعية للاستمرار في الكفاح الشعبي والعمل الدبلوماسي حتى تحقيق الاستقلال وقيام الدولة الفلسطينية كاملة السيادة.
وأخيراً تجدر الإشارة إلى أن أي خيار للكفاح الفلسطيني بغض النظر عن شكله وأدواته، فإنه لن يكون مجدياً ولن يحقق النتائج التي يصبو إليها الشعب الفلسطيني دون الوصول إلى استراتيجية موحدة وأدوات واحدة وخطاب سياسي واحد يكلله إنهاء الانقسام والعمل ضمن إطار وطني تحكمه المصلحة الوطنية الفلسطينية العليا.