|
رأيتهم يهبطون فوق ثرى القدس ثم يصعدون
نشر بتاريخ: 01/08/2017 ( آخر تحديث: 01/08/2017 الساعة: 10:35 )
الكاتب: عيسى قراقع
القاتل قتيل ايضا، هي نبوءة محمود درويش والقدس، وخلال اكثر من 12 يوما من الرباط والصمود وملحمة الدفاع عن القدس وارغام المحتلين على إزالة كل التغيرات التي احدثوها على ابواب المسجد الاقصى، رأيت اربعة شهداء يهبطون من قوس قزح في السماء على ثرى القدس ثم يصعدون: فيصل الحسيني ، عمر القاسم، المطران كبوتشي ، قاسم ابو عكر ، وحولهم الملائكة محتشدين يشاركون المقدسيون انتصارهم الوطني، وصلاتهم الجماعية الاوسع والاعمق سياسيا ودينيا ووطنيا وشعبيا.
رأيت القدس متأججة مشتعلة صلاة وعبادة ويقينا، وهي تستعيد بأسها الشديد وبطونها المختلفة من اعماق التاريخ، حضاراتها وممالكها وانبياؤها وآبارها وثمرها وعسلها وبيوتها الكلسية البيضاء التي بناها الكنعانيون الجبابرة وحموها قديما وحديثا من المعتدين والطارئين والغزاة. رأيت أربعة شهداء يبوسيين في ساحة المسجد الاقصى، يلقون الحجارة ويرشقون دمهم على الجنود الاسرائيليين ، يهبطون ثم يصعدون ، شهداء يضيئون بدمهم وحجارتهم، يبرقون ويشتبكون، يتركون على المصاطب والعتبات وفي الحارات العتيقة ارواحهم وقيودهم وآخرتهم ويقتحمون الحياة من جديد. رأيت فيصل الحسيني امير القدس يهبط من النعش المحمول الى ساحة المسجد الاقصى، ينهض ويقارع الاحتلال، يحرك الرياح والناس والعالم ويقرأ كل الآيات ، يخطب في الجماهير الغاضبة : ارفعوا الرايات واقرأوا معي الآيات، ارفعوا الرايات،ارفعوها بيضاء، ارفعوها خضراء ، ارفعوها سوداء ، ارفعوها حمراء ، ولكن لا تخرجوا عن هذه الالوان، فالقدس يمكن ان تكون إما شمس الشرق الاوسط الدافئة او ثقبها الاسود الذي يبتلع كل شيء، فاشتروا زمنا للقدس الآن ، تعالوا الى بلاطها المقدس، نحن هنا باقون نكافح ونقاتل ونواجه، نموت ونحيا ولا نتراجع. فيصل الحسيني يقول: للقدس ابوابها الواسعة واسماؤها الرائعة، للقدس نجمتها الطالعة، فلتحج اليها الشعوب، جميع الشعوب، قلوبا بايمانها خاشعة. رأيت المطران كبوتشي يخرج من السجن حاملا صليبا وقنبلة وشجرة ميلاد، يحمل نجمة القدس عائدا من المنفى والموت على متن سفينة او على ظهر حجر مقدسي، يشعل في ساحات القدس قناديل الزيت والامل والرجاء، لم يدخل من بوابة الكترونية ، لم يقف على حاجز عسكري اسرائيلي، لم يخلع عمامته، ورأيته يقرع بشدة اجراس الكنائس ويستنفر المؤمنين والاحرار والعباد ، يتمنى ان يتحول الفاتيكان الى مقر للمقاومة، يرفع العلم فوق اسوار القدس ومبنى الفاتيكان، هي روما، نيرون مات ولم تزل بعينيها تقاتل ، فالارض كلها في رحلة المطران كبوتشي الى القدس سجادة واحدة. المطران كبوتشي يخاطب الصامدين في القدس قائلا: القدس بلد المحبة والتعايش والسلام ، بلد الوحدة الدينية والاجتماعية، وستعلو راية الحق الفلسطيني على سياسة التهويد والابعاد والاستيطان والاعتقالات. رأيت عمر القاسم يمشي في حارة السعدية في القدس القديمة، يعود اليها بعد 22 عاما قضاها داخل السجن شهيدا الى باب الاسباط ، يهزّ جدران السجن والزنازين ، يهز نخيل القدس ويكشف عن بصر التراب وعيون العدالة الغائبة ، هناك جرائم خلف ظلمات السجون ، هناك امراض وتعذيب وقتل وارادات هادرة. عمر القاسم رسول الاسرى الشهيد الحي يخاطب المنتفضين امام بوابات القدس وشوارعها قائلا: الارض لنا ، سيدة لحمنا وعظمنا ولغتنا وانبياءنا، ماؤها الأول، شهقتنا الاولى، فالحياة لا تعاش ولا تطاق الا في القدس، فكل حجر وكل آية تحفر رعدها وبرقها ونارها في جوف حياتنا القادمة. رأيت قاسم ابو عكر ، يخرج محمولا من زنازين مسلخ المسكوبية ، قتلوه تعذيبا وحقدا ليقتلوا القدس وينزعوها من اضلاعه ونبضات قلبه وصموده الاسطوري، توزع لحمه وعذاباته على كل حارات وشوراع القدس ليكون أحد قديسيها، فشل الجلادون في انتزاع اعترافات منه، فانتصر هناك في الموت، وانتصر هنا للقدس وروحها وتجليات بطولاتها ، تحمل شظاياه كل اسماء الشهداء الذين سقطوا خلف القضبان ، يحركهم ويجمعهم ويفك عن سواعدهم الاغلال، حجارة كثيرة، دم كثير ، شهداء يرحلون وآخرون يعودون ، وهو الآن يمارس حياته وطقوسه وافراحه وميلاده في ازقة القدس، يدق الابواب كلها ويتأبط النهار والارصفة. قاسم ابو عكر يقسم: على صخرة القدس سوف يتكسر حقد السيوف وان يتحطم طيش الاحتلال والمستوطنين، ووعدا وعهدا سنخلق منها المناجل، نصنع منها المحاريث ، ونبدع منها المطارق ، وعهدا ووعدا ان ننزع دفء البيوت، ودفء القلوب، وسحر الحدائق. اربعة شهداء رأيتهم يهبطون فوق ثرى القدس ثم يصعدون ، رأيتهم في الجموع المنتفضة مع الآية والشجرة والبلاطة والايقونة، مع الولد والبنت والعجوز والغيمة المشبعة بالماء والدم ، رأيتهم الجمعة والاحد، تتوحد الاديان والعمامات والعباءات ، هنا في الجوامع والكنائس والشوارع وعلى اسطح البيوت، يطيرون مع أغاني ابو سلعوم ومصطفى الكرد، ويخرجون مع النور الساطع من عيني الاسير الكفيف علاء البازيان، يشيرون الى شوارع مرت منها الخيول والفرسان، جاءوا الى القدس، الى العرس ذي الليلة الواحدة، ليلة الانتصار ، حيث تتدفق الشرايين والصلاة وتتفتح الافئدة. اربعة شهداء يهبطون فوق ثرى القدس ثم يصعدون عندما اطلقوا دمهم كانت القدس فوق الزناد يد الله تخلع عن جسد القدس ثوب الحداد ليس من اجل ان يتفاوض من يتفاوض من حول دائرة مستديرة انما من اجل شمعتين وكأس ماء وذخيرة |